مقالات مختارة

العراقيون..وخيبة البحث عن قائد

داود البصري
1300x600
1300x600
أفرزت الأزمة القائمة في العراق، والمتصاعدة، فصولا وأشكالا مختلفة حقيقة أن القيادات العراقية الراهنة ليست مؤهلة أبدا لقيادة أي شيء ولا حتى نفسها. والشعب العراقي أو الجموع الشعبية التي ركضت ولهثت خلف مقتدى الصدر وهو يستعرض وينام في الخيم ويهدد بالتصعيد ويرفع شعارات الاقتحام والتصدي، سرعان ما أصيبت بخيبة أمل قاتلة بعد انسحاب الصدر، وهو ليس الانسحاب الأول، بل سبقته انسحابات وستعقبه انسحابات كثيرة مقبلة، فالرجل لا يمتلك من مواصفات الإصرار والقيادة الجماهيرية شيئا بالمرة سوى الاسم الذي ورثه والذي لا يعطيه أي كاريزما أو مقدرة قيادية.

ما يشهده العراق من انقسام حاد وصل حتى للمؤسسات التشريعية والسياسية، ومن ضياع للأهداف الوطنية في ظل فوضى الشعارات المتباينة الأغراض والأهداف ليس بالأمر الجديد ولا المفاجئ، بل إنه يدخل ضمن إطار الحالة العراقية العامة، وهي حالة صراع وتناطح وتحاصص حاولت أطراف عدة الخروج من شرنقته وشباكه القاتلة دون جدوى، فالانقسام العميق قد ضرب أطنابه حتى داخل الحزب أو التجمع الواحد، وهلامية القيادة أضحت هي السمة العامة، والشارع العراقي الهائج لا يجد في واقع الأمر من يلم صفوفه ويوحد رؤاه في زمن ووضع اختلط فيه الحابل بالنابل وتشابكت مختلف الرؤى والتصورات!

ففي الاعتصامات الجماهيرية الأخيرة برز التناقض على أشده بين مصلحة الجماهير ومصلحة القيادات التي هي أصلا جزء من حالة الفساد التي تظاهر ضدها المعتصمون، فمنظومة الفساد العراقي الرهيب هي التي أنتجت كل هذا الكم الهائل من الخراب، وأخرجت الجماهير للشارع وانطلقت تلك الجماهير تحاول الخلاص من الحالة الحرجة التي يعانيها البلد بعد أن أوصلت قيادات الفشل أوضاعه لأسوأ منحدراتها، فالفشل قد ضرب كل جوانب الدولة التي أضحت مفلسة وفاشلة تعتمد في تدبير صرف رواتب موظفيها على منح وأعطيات وقروض صندوق النقد الدولي رغم المليارات الهائلة التي سرقت دون أن تتمكن السلطة من استعادتها رغم معرفة هوية السارقين وشخوصهم وهم للأسف نفس قادة العملية السياسية الكسيحة! وهي حالة غير مسبوقة في أي بلد من بلدان العالم.

فبعض التيارات السائدة قلبت الدنيا بتظاهرات استعراضية اتضح فيما بعد أنها مجرد مهرجان للضحك على الذقون و الاستعراضات الفارغة! إذ لم تكن هنالك أي نتيجة ملموسة من تلكم التظاهرات سوى المظاهر الإعلامية المحضة، وفي اعتصام وانقسام البرلمان الأخير وتمرده على رئاسة البرلمان انسحبت مجاميع كانت تدعي محاربة الفساد من الميدان لأسباب مجهولة و تخلت عن شعاراتها المعلنة وذابت ذوبانا تاما في مهرجان (شرعنة الفساد )! ما أوجد وضعا بائسا ويائسا للجماهير التي تعاني حاليا من فراغ قيادي سيؤدي لاحقا لانقلاب كبير في المفاهيم وفي النظرة للكيانات السياسية القائمة التي أعلنت إفلاسها التام والصريح.

فالتيار الصدري مثلا والذي قاد زعيمه الاعتصامات الجماهيرية على أبواب المنطقة الخضراء ونصب خيمته الشهيرة في داخلها لم يستطع أن يحقق نتائج إيجابية لصالح الأهداف المطلوبة وهي تتمثل في إلغاء المحاصصة وتشكيل حكومة تكنوقراط والخروج من حالة الفشل الحكومي! لكن رغم المناورات وحركات الاستعراض والشعارات الحماسية وبقية الأمور الأخرى إلا أنه في النهاية تبخر كل شيء، وبقي الوضع على ما هو عليه، بل لم يتحقق أي شيء و لن يتحقق، فمطالب الجماهير لن يحققها أولئك المتربعون على قمة السلطة ومن المتورطين وأحزابهم و كتلهم بالفساد حتى العظم!

من الصعب إحداث أي تغيير في وضعية الجماعات السياسية السائدة وهو ما دفع مقتدى الصدر ذاته لطلب تدخل دولي عاجل من الأمم المتحدة أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو أي طرف دولي قادر على إخراج العراق من كبوته الثقيلة، لا يوجد في العراق قيادة موحدة وجماهيرية باستطاعتها فرض رؤية علاجية محددة من خلال التفاف الجماهير حولها، بل ما هو كائن مجرد مجاميع تتداول الفشل وتؤطره ضمن سياقات مرعبة في العدمية والتخلف.

أزمة القيادة في العراق كانت حاضرة لعقود طويلة، وهي سمة حولت العراق لساحة متناقضات وأحقاد ومعارك لتيارات بعضها يسبح في عمق وقعر المرحلة المظلمة من تاريخه للأسف، فيما تراجعت التيارات التقدمية والوطنية فاسحة المجال لقوى التخلف والعدمية والخرافة في أن تهيمن على المشهدين السياسي والاجتماعي وتحيل العراق لأرض للعراك والنهب وسطوة الطائفيين المتخلفين!

وفي النهاية فإن الحمل لا ينهض به إلا أهله ، ولربما تؤدي حركة الشارع العراقي المتلاطم لبلورة تيار شعبي جديد باستطاعته توجيه دفة السفينة نحو مرافئ الأمان، ولكن أكبر تحد يواجه أي تيار شعبي وحداثي هو قلاع المافيات السلطوية المتحكمة التي أضحت تمثل حجر عثرة حقيقية في طريق تقدمه وانعتاقه ، فكأن صرخات شاعر العراق الكبير الراحل معروف الرصافي لم تزل هي الوصفة السليمة لما يجري ويدور حيث قال :
من أين يرجى للعراق تقدم
وطريق ممتلكيه غير طريقه
لا خير في وطن يكون
السيف عند جبانه
والمال عند بخيله
والرأي عند عديمه
العراق يسير اليوم في بحر متلاطم بانتظار مفاجآت قد تقلب الصورة الكئيبة الراهنة.

عن صحيفة السياسة الكويتية
0
التعليقات (0)