قضايا وآراء

ما وراء تيران وصنافير

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
كثير من المصريين تعجبوا من تصرف السيسي ومنظومته من سلب ملكية الجزيرتين من مصر وتسليمهما على طبق من ذهب لمن لا حق له فيهما، ونسوا أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ألم يفرط من قبل في المياه الإقليمية وحقول الغاز على البحر المتوسط؟ ألم يفرط في حق مصر التاريخي في مياه النيل؟ أنسينا وعد بلفور حين أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق!

إن قصة بيع أرض عوّاد ليست إلا عبرة في التفريط في الأرض، ولما كان السيسي لا يملك الأرض، فهو ليس عوّاد، عوّاد هو كل مصري قَبل أن يبيع السيسي الجزر، وكل مصري برر للسيسي بيع الجزر، وهو كل من تنازل عن حقه وشرفه في فلسطين، وفي العراق واليوم في مصر.

إن موضوع الجزيرتين هو حقل تجارب الفأر المصري الذي سيُقَيَم به حجم الرفض من جانب كل وطني وحجم القبول من مدمني الاستسلام، فها هي المهاترات التي لا تعرف قدر الأمور ولا أصلها. شخص ما يتحدث عن المفاجأة وعدم المناقشة قبل القرار، وكأن ما بقي من شعب مصر يحق له المناقشة عند عصابة السيسي، وآخر يشدوا بأهمية الجزر سياحيا وكأنها شقة مفروشة في أحد أحيائهم! وآخر يتساءل: كم دُفع فيها؟ وفي ماذا ستُنفق الأموال؟ ألا هي الدعارة بعينها!

ويتقدم مؤلفي تاريخ، وهدفهم معروف كالعادة، تشويه التاريخ وإرباك العقول، وكذلك أدعياء علوم القانون يتحدثون عن ضرورة الاستفتاء، وهذا مربط الخلل! إنهم يتناسون أن الأرض حق تاريخ وحاضر ومستقبل، والأكثر من ذلك هم يتعمدون تناسي أن مصر دولة وليست اتحادا فيدراليا بُني على عقد يسمح بالخلع أو الطلاق، ولا تنطبق عليها قواعد الزواج الكاثوليكي الذي يقوم على اتحاد شخصين، فهي أسمى من ذلك، هي كيان، هي جسد واحد، شخص واحد، لا ينفصل أي من أعضائه إلا بفساده وبتره، والأرض لا تفسد ولا تبتر، بل الحكام الفاسدون هم من يبترون لفسادهم.

الأمر أكبر من جزيرتي تيران وصنافير، الثابت بكل تفسيرات التاريخ عضويتها في الجسد المصري، الأمر هو أن نقبل مبدأ الاستفتاء ونُستَفتى غدا على باقي الأرض.

ألم يعمل ذلك النظام على تفريغ سيناء من أهلها؟ لقد تحول الجيش المصري إلى جيش عدوان واغتصاب، ولم يصبح الجيش المدافع عن الأرض والعرض.

الأمر أكبر من الانقلاب، بل وأكبر من الدماء التي سالت على أرض رابعة والنهضة وعشرات الآلاف المعتقلين، الأمر أكبر من اغتصاب الفتيات وسجن الأطفال وامتهان الرجال، الأمر باختصار هو بداية النهاية لمصرنا.

إن السيسي لم يأت إلا لينفذ المخطط القديم الذي يسعى أعداء المنطقه لتنفيذه، ألا وهو، وكما ذكر من قبل، سايكس بيكو الجديدة. فعندما قُسمت المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى، نتج عن التقسيم العديد من مراكز النفوذ كان أكبرها سوريا والعراق، ولم تمس حدود مصر، فمصر بقيت كما هي منذ توحيد القطرين على يد الملك مينا، ومرت عليها الغزوات قبل وبعد الميلاد، وفتحها العرب وتبادلت الدول حكمها والتنازع حولها، حتى سقوط الخلافة العثمانية، وظلت مصر بالحدود المعروفة عبر كل هذا التاريخ.

إن ما يسعى له المقسم الجديد هو تقليص دور تلك الدول، تقليم أظافرها، فتفقد كل معاير الاستقلال والاستقرار، فلا يصبح لأي منها أي قول في أي من الأمور، فيسهل تقسيمها إلى دويلات صغيرة، وليحدث ذلك لا بد من أن يتم تمرير الأمر بالتدريج، فيقبل القليل حجما فلا يصبح لأحد القدرة على رفض الأكبر منه، فمن قبل إسقاط الديمقراطية بحجة إسقاط الإسلاميين، رضي مرغما بحكم الديكتاتوريتة الفاشية ولن تعود له الديمقراطية في أي صورة. قبلوا منع التظاهر لأنهم إخوان، فعم المنع. قبلوا ظلم المحاكم فهم إخوان، فعم الظلم. قبلوا الظلم فأصبح الظلم قاعدة، وقبلوا التفريط فأصبح التفريط هو الأساس.

إن لم نتنبه لذلك العميل الفاشي وعصابته، سنستيقظ يوما ولا نجد من مصر إلا أشلاء دولة، لا موارد لها، لا بعد استراتيجي لها، وحينئذ ستقسم إلى خمسة دويلات، سيناء، والوادي، والصحراء الغربية، والصعيد والنوبة.

لقد تسلمنا مصر من آبائنا عليلة، ولكنها كانت جسد واحد شعب وأرض، اليوم مصر جسد وشعب معتلين بكل العلل وبدأوا في بتر أوصاله، فكيف نسلمها لأبنائنا؟

هل الصورة قاتمة لهذا الحد؟

نعم وأكثر من ذلك، ولكن هناك حل، وهو الحل الوحيد الباقي، الثورة الشاملة التي تسقط هذا النظام ومعاونيه، إن سقوط النظام وعودة الشرعية هو الطريق الوحيد لاسترداد الحقوق، وأولها حق الآدمية وحق التفكير وحق الرفض وحق الحياة، ومعها نسترد الديمقراطية ولقمة العيش، ونسلمها لأبنائنا جسد وشعب واحد صحيح قوي متعافي.
التعليقات (1)
karima
الإثنين، 02-05-2016 04:40 ص
liked