قضايا وآراء

مصر في المقعد الخلفي لعربة القيادة السعودية

ماجد عزام
1300x600
1300x600
مثّلث عملية عاصفة الحزم في اليمن ما يشبه الانقلاب في السياسة السعودية التقليدية التي اعتمدت عادة على العمل السياسي السلمي الهادىء والقيادة من الخلف أو من خلف الستار. وفي هذه العملية التي امتلكت فيها السعودية زمام المبادرة، ومارست دور القيادة المباشرة، سعت الرياض كي تكون مصر السيسي معها، ولو من المقاعد القيادة الخلفية لان القاهرة لم تكن متحمسة. وكانت  انذاك على تواصل علني وسرّي مع المحور الإيراني الذي يضم الحوثيين أيضا، ولأنها كانت وما زالت تعتبر الإخوان الخطر الرئيس والعدو الأساس للنظام، وترسم أو تبلور اصطفافاتها وتحالفاتها على هذا الأساس. وهي فهمت أن أي عمل سعودي أو عربي في اليمن ضد الحوثيين والفلول لا يمكن أن يستثني الإخوان، وبمعنى أصح فهمت مبكراً ما فهمته الرياض أيضاً باستحالة تحقيق الانتصار دون تعاون، وتحالف مع الإخوان وذراعهم السياسي والقبلي االتجمع اليمني والإصلاح.

عملية عاصفة الحزم كانت ايضا نتاج تحول مهم في السياسة السعودية، حصل مع تولى الملك سلمان  للسلطة خلفاً لأخيه الملك عبد الله، حيث استشعر الملك الجديد الخطر الإيراني الداهم والغطرسة التي وصلت إلى حدّ الاحتفاء بسيطرة الفلول والحوثيين على اليمن لضمّها إلى الامبراطورية الفارسية المزعومة، إلى جانب العراق، سورية ولبنان. ومن هنا بدات الرياض باعتبار الخطر الإيراني بمثابة الخطر المركزي والاستراتيجي. وشرعت في بلورة التحالفات على أساس ذلك، قاطعة مع فكرة  ان الإخوان هم الخطر الاستراتيجي على  امن واستقرار المنطقة، كما يدعي  نظام السيسي، وأزالت الإخوان عمليا  عن لائحة الإرهاب وعدّلت القاعدة لتصبح أنها ليست في حرب أو عداء وخصومة معها، بل مع من يمارس العنف الارهاب فقط ، ومعروف طبعاً أن الإخوان، ورغم حملة التضليل السياسي والإعلامي المكثّقة ضدهم لم يكونوا يوماً من دعاة العنف أو الارهاب، وأن ثمة استثناءات محددة  تثبت هذه القاعدة ولا تنفيها.

بعد تحقيق الهدف الأساس في اليمن والمتثل  بتحجيم الحوثيين وإجبارهم على العودة للتفاوض وفق نفس الأسس والوثائق المحلية العربية والدوليى التي انقلبوا عليها، اقتنعت الرياض أنه لا يمكن كسر الغطرسة أو الامبراطورية الإيرانية في اليمن فقط ، وإنما لا بد من إدارة الصراع مع طهران وأدواتها في الإقليم برمته، وتحديداً في سورية حيث بات الأسد بمثابة  العمود الفقري المتهاوى لأمبراطورية الدم العنف والعنجهية. وهنا أيضاً أرادت الرياض  أن تكون مصر معها في عربة القيادة السعودية الإقليمية، وأيضاً من المقعد الخلفي كما كان الحال في اليمن، وهو ما مثّل السبب أو الهدف الرئيس من زيارة الملك سلمان الأخيرة للقاهرة.

أراد الملك سليمان التأكد من وجود القاهرة في العربة، ولو من الخلف لمواجهة المشروع الايراني المتغطرس كونها اى الرياض تعرف أن قلب النظام مع التحالف الأقلوي المذهبي، وأنه في سورية تحديداً أقرب إلى طهران منه إلى الرياض.

استغلالا لوضعه الداخلي المتردي تأكل هيبته وانهيار شعبيته وشرعيته وأزماته المتفاقمة داخلياً وخارحياً سعى الملك سلمان إلى الاطمئنان على اصطفاف القاهرة إلى جانبه، وعدم القيام بأي تشويشات أو مشاغبات على السياسة السعودية الإقليمية.

ومقابل ذلك قدم سلة مساعدات واستثمارات ضخمة تجعل النظام غير قادر على  الاستغناء عن الرياض، وبالتأكيد عاجز عن المشاغبة أو التشويش و والتآمر على سياستها الحازمة  ضد طهران وأدواتها في المنطقة.
إلى ذلك لا يمكن تجاهل أو إنكار رغبة الرياض في عدم ذهاب الأمور إلى مزيد من التدهور و الانهيار في مصر، بما يضيف أو يرتب أعباء جديدة عليها مع يقينها طبعاً أن القاهرة ستنشغل بنفسها وهمومها لسنوات، وربما لعقود، ولن تكون في وضع يسمح لها بتحدّي الزعامة أو القيادة الإقليمية السعودية، كما كان الحال زمن ناصر مثلا.

في السياق الداخلي المصري لم يحمل الملك سلمان ولم تفكر السعودية أصلاً في أي وساطة أو مساعي من أجل التوصل إلى تسوية مقبولة وواقعية وقابلة للحياة بين النظام وخصومه والإخوان تحديداً معتبرة أن هذا شأن داخلى داخلي لا علاقة لها به. 

غير أن التعاطي مع الإخوان في الإقليم برمته يبدو شأنا سعوديا، وبامتياز، ولا يجب أن يتدخل أو يعترض عليه نظام السيسي كون السعودية لا تعتبر الإخوان عدوّ أو خصم، وأيضاً لا تعتبرهم حلفاء أو مقربين، هي ستتعاطى معهم بواقعية وحيثما اقتضت المصلحة السعودية، بمعنى أن إذا ما اقتضت المصلحة التعاطي معهم كحليف،  فسيحدث ذلك كما هو حاصل فى  اليمن،  وهو الامر القابل  للتطبيق  أو الاستنساخ في ساحات أخرى إذا دعت  الحاجة. ومن هنا يمكن فهم قرار الرئيس اليمنى عبد رب منصور هادى  بتعيين اللواء على محسن الاحمر  الوثيق الصلة بالإخوان وحزب الإصلاح نائباً له، وقبل زيارة سلمان للقاهرة بأيام فقط  للتأكيد على الحقيقة الجديدة التي يجب أن تتعاطى معها وتفهمها القاهرة  التى بإمكانها أن تستمر في خوص المعركة ضد الإخوان في مصر، ولكن لا يمكنها أن تملي هذه السياسة على السعودية، وإنما العكس هو الصحيح الرياض هي التي تفرض السياسية الإقليمية والقاهرة مضطرة للتبعية أو الالتحاق أو على الأقل الصمت، وعدم التشويش على المقاربة أو الاستراتيحية السعودية.

في سياق متصل لم يكن صدفة برأيي أن يبرمج الملك سلمان زيارته القاهرة قيل زياته لأنقرة الخصم الإقليمي الأساس للسيسي ونظامه. وهنا أيضاً تبدو المعادلة واضحة الرياض بحاجة لأنقرة و تعتبرها شريك مهم  في سياستها الإقليمية الممتدة من اليمن إلى سورية مروراً بالعراق. كما أنها حليف موثوق مصداق وجدّي في مواجهة النظام أو ما تبقي من نظام بشار الأسد، وربما لا تسعى الرياض أو لم تفكر أصلاً في صلح أو تسوية بين القاهرة وأنقرة، ولكنها ستفرض هنا على القاهرة  نفس المعادلة المتعلقة بالإخوان والقاضية بعدم فتح معركة سياسية أو إعلامية مع حلفاء أو شركاء الرياض،  وبالتأكيد سيسعى سلمان إلى تخفيف حدة وربما حتى الاقلاع عن الخطاب التركي السياسي والإعلامي  الرسمى المناهض لنظام السيسى، وهو الامر الذى تبدو  أنقرة مستعدة له، ولكن دون أن يصل الأمر طبعا إلى حد تغيير السياسة أو التعاطي التركي مع الإخوان فى مصر والمنطقة بشكل عام.

فلسطينيا وأمام كم التأويلات والاجتهادات التي بدأ بعضها ساذجا أو مجافيا للواقع لم يحضر الملف الفلسطيني بشكل جدّي على جدول أعمال الزيارة ، وهو غير حاضر  ايضا فى السياق الإقليمي، ولا طبعاً لدى طهران وحلفائها، ومع ذلك بالإمكان الاستنتاج  بقيام الرياض بتشجيع القاهرة على الانفتاح تجاه حماس وتخفيف الضغط عليها بما يخص المعبر وحصار غزة بشكل عام، ولكن دون الضغط أو النقاش حول استئناف القاهرة  لوساطتها المباشرة بين فتح وحماس لإنهاء الانقسام أو وساطتها غير المباشرة بين حماس وإسرائيل فيما يخص التهدئة واستحقاقاتها. ببساطة القاهرة ليس بوارد الخوض أو الانخراط في الملف الفلسطيني بتجلياته المختلفة والرياض ليس بوارد الضغط عليها أو دفعها لتغيير قناعاتها.

في الأخير، باختصار وتركيز كان الهدف الأساس لزيارة سلمان للقاهرة التأكد من بقائها في المقعد الخلفي لعربة القيادة الإقليمية السعودية مع اهتمام الرياض طبعاً بعدم ذهاب الأمور إلى الفوضى و الانهيار فى مصر المحروسة اما قصة الجزر فجاءت بمثابة الجائزة أو الهدف الإضافي للزيارة، وأعتقد أن الرياض كانت مستعدة للتخلي عن الملف برمته لو لاقت ممانعة أو اعتراض جدّي سياسي قانونى وإعلامي من قبل السيسي ونظامه.

• كاتب فلسطيني
التعليقات (1)
جهاد الجيوسي
الجمعة، 15-04-2016 02:53 م
أشكرك على المقالة. يخيلُ إلي أنك وُفِّقتَ في قراءة ما بين سطور الزيارة تلك، غير أنني أرى أن جانب السيسي لا يؤتمن، كما أن خبثه ولؤمه "الجبان" دعاهُ لمسايرة الملك سلمان في مسعاه، ولن يتوانى عن الانقلاب عليه في أول فرصة يجد البديل عما تقدمه السعودية له على المستوى الاقتصادي الذي باتت مصر في أمس الحاجة إليه لأن الوضع الاقتصادي في مصر إذا القشة التي ستقصمُ ظهر البعير ! بوركتَ أخي ثانيةً على جهودك في تنويرِ مواطنيك وذويك برؤيتك الثاقبة وبعد نظرك.