قضايا وآراء

قاع المجتمع.. الشرخ الأخطر والعمود الأهم في بناء الوطن

إبراهيم الزعفراني
1300x600
1300x600
في سجن الحضرة بالإسكندرية، في أول حبسة لي عام 1981، عايشت قاع مجتمعنا لمدة تقرب من خمسة أشهر، رأيت عينة من البشر لم أكن أتخيل أن في بلادنا مخلوقات في صورة بشر يعيشون معنا بهذه الكثرة وبهذه المواصفات.
 
لهم عالمهم الخاص وطبائعهم الخاصة وثقافتهم الخاصة وقيمهم الخاصة، قد تصادف بعضهم في الطريق أو في أحد المواصلات العامة، لكن أن تعايشهم فهذا مشهد آخر.
 
قاع المجتمع من مرتكبي الجرائم بأنواعها، القتل والاعتداء على النفس والسرقة والنصب والخطف والاغتصاب وبيع المخدرات والدعارة والمسجلين خطر والمشردين في الشوارع...
 
1 -  لا قيمة لخلق أو مبادئ أو دين أو شرف أو كرامة أو مروءة، لا فرق عندهم بين حلال وحرام.
 
2 -  مجتمع الغاب.. الرئاسة فيه والحظوة والنصيب الأكبر للأقوى، ومن بعده صبيانه ورجالته.
 
3 -  مجتمع الفقر الدائم مهما حصلوا من أموال، فهم ينفقونها على أمزجتهم.
 
4 -  مجتمع الحشيش والأفيون والبانجو، كانت المخدرات معروضة على درجات سلم العنابر الحديدية داخل السجن، ينادي بائعوها: حد يا ابني عاوز الهبو حد عاوز الضياع حد عاوز يعمل دماغ، وذلك على مرأى ومسمع من إدارة السجن وموظفيه.
 
5 -  أجساد متسخة ووجوه مشوهة مخيفة من كثرة الجروح والطعنات والوشم بمختلف ألوانه وأشكاله يكاد يغطي أجسادهم.
 
6 -  معارك وحروب فيما بينهم معظم الوقت لأتفه الأسباب، ينتج عنها دماء وكسور وعاهات وجروح.
 
7 -  اللامبالاة والقذارة والروائح الكريهة على أجسادهم وملابسهم وداخل الزنازين ودورات المياه وأدوات الطعام والشراب.
 
8 -  التفسخ الأسري والفساد المستشري داخلها ووحشية التعامل بين أفرادها رجالا ونساء وأطفالا ضائعين.
 
9-  تجسس البعض على البعض لصالح الإدارة يدوس الواحد منهم على أجساد أصدقائه وجيرانه إذا كان في ذلك مصلحته الخاصة.
 
-10 الألفاظ النابية والجارحة لغتهم المعتادة بما فيها سب الدين والأبوين بأقذع العبارات خاصة الأعضاء التناسلية.
 
11 -  سهر وطبل وصخب وحفلات طوال الليل إلى ما قبل الفجر.
 
 12 - الأنانية.. كل شخص له سخانه الحراري. سخانات بعدد أفراد الزنزانة كل منهم يأكل وحده.. لا تعاون بينهم.
 
 13 - انتشار اللواط والتباهي به لدرجة أنهم كانوا يقيمون حفلات عرس لشخص على شخص آخر يلبسونه ملابس نساء ويضعون له مساحيق على وجهه وتستمر الحفل لوقت متأخر من الليل.
 
 14- حالات الإعدام الأربعة بالعنبر كلهم بسبب علاقات نسائية، إما أنه قتل زوجته بعد علمه بممارستها الرذيلة، أو قام بقتل زوج امرأة ليخلو له الجو معها، أو استأجرته امرأة لقتل زوجها ليخلو لها الجو مع عشيقها، مجتمع منغمس في الرذيلة.
 
 15 - هم الزبائن الدائمون لأقسام الشرطة والسجون يخرجون ثم يعودون توطدت بينهم علاقات الإجرام كما توطدت علاقاتهم بضباط الداخلية ابتداء من ضباط الأقسام إلى ضباط السجون يعرف بعضهم بعضا بالأسماء والمواصفات

وحول هذه الشريحة تدور أسئلة كثيرة:
 
1 -  ما حجم هذه الشريحة داخل مجتمعنا المصري؟ فقد صرّح م. أبو العلا ماضي أنه سمع من الرئيس محمد مرسي أن المخابرات العسكرية سلمت الداخلية ثلاثمائة ألف بلطجي مسجلين خطر في صفقة واحدة، أضف إليها أعداد المسجلين خطر لدى الداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى، أضف إليهم أبناء الشوارع (أطفال بلا مأوى) والذين وصلت بعض التقديرات عام 2008 بتعدادهم إلى 2 مليون، وهم بالتأكيد الآن شباب ورجال شوارع بعد هذه الأعوام حيث حل محلهم جيل جديد من أطفال شوارع.
 
2 -  هل هؤلاء جناة بارتكابهم الجرائم ضد أفراد المجتمع؟ أم أنهم مجني عليهم من مجتمعهم الذي أهملهم وأدار ظهره لمعاناتهم واحتياجاتهم؟ أم هما معا؟ لقد تحدثت إلى أحدهم يوما قائلا له: ألم تفكر يوما وأنت تسرق راتب موظف صغير كيف سيعيش الشهر هو وزوجته وأولاده.. ألم تتألم لذلك؟ قال لي: بالعكس أشعر بالسعادة أنا لو أقدر أحرقكم أنتم والبلد كلها بالنار هحرقكم، أنتم بتناموا في بيتكم وننام إحنا في الشوارع، تأكلوا أنتم وأولادكم وتعلموهم وتلبسوهم أفخر الثياب واحنا عيالنا جوعى عرايا ضايعين؟ متى سألتم عنا؟ أو حاولتم أن تحلوا مشاكلنا؟ أنتم مشغولون عنا بمعارككم الخاصة معارك المثقفين، وتستخدموننا وقت أن تحتاجونا وبعدها تنسونا وتتركونا لمعاناتنا.
 
3 -  من فكر جديا في هذه الشريحة على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدولة؟ وخصص حياته أو جعل دوره الرئيسي في الحياة هو استنقاذهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم مع مجتمعهم.
 
4 -  أليس من هذه الطبقة عمال العتالة المتراصين صباح مساء على أرصفة الشوارع ترمق أعينهم أي زبون يتزاحمون ويتدافعون حول سيارته كلهم يٌمني نفسه بأن يفوز برضا الزبون لينطلق به يعمل طوال اليوم نظير مقابل مادي قد لا يكفيه قوت يومه؟
 
5 -  أليس هؤلاء من باعوا أصواتهم في كل انتخابات مقابل قوت يومهم؟ وسيظلون يبيعونها ما دام حالهم على ما هو عليه.
 
6 -  أليس من هؤلاء من استؤجروا لإفساد وتزوير كل الانتخابات أيام مبارك؟ وسيقومون بذات المهمة في المستقبل ما لم تتغير أحوالهم.
 
7 -  أليس هؤلاء من هدد بهم مبارك المصريين وراهن عليهم، إما هو وإما الفوضى ممثلة بالطبع في هؤلاء؟
 
8 -  أليس هؤلاء هم من كانوا رأس حربة للمجلس العسكري في تعقب الثورة والثوار وشاركوا في إسالة دماء الكثيرين وساعدوا في إفشالها؟ وسيكررونها في المستقبل ما لم يلتفت إليهم ويعتني بأحوالهم أحد.
 
إخراج هذه الطبقة من المعادلة أو إهمالها أو تخطيها يعني أننا نرسم خطوطا فوق سطح الماءK أو نبني قصور ثورتنا فوق كثبان من الرمال.
التعليقات (0)