مدونات

أمريكا وروسيا والدستور.. إلى أين؟

لافروف كيري أمريكا روسيا أ ف ب
لافروف كيري أمريكا روسيا أ ف ب


أحاول أن أستوعب "كسوريّ" نيّة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وضع دستور جديد لبلدي، فلا أستطيع، تحمل كلّ تلك الإهانة وكلّ ذلك الاستهتار بشعب كامل قدّم من التضحيات كلّ ما قدّم.

أيّ إهانة تلك؟ وأيّ استخفاف بالعقول ذاك؟ وإلى أيّ قاع وصل حالنا عندما يعلن وزير خارجيّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة جون كيري من موسكو، عن نيّة بلده وروسيا وضع دستور جديد لسورية قبل حلول آب أغسطس القادم!

لم نخرج بثورة كانت الكرامة أحد أركانها الثلاثة فضلاً عن الحريّة والعدالة، من أجل يقوم الغير بوضع دستور لنا، عقب ثورة قدمنا في سبيل تحقيق أهدافها مئات الألوف من الشهداء والجرحى والمعتقلين.! لم نخرج بثورة ليكون الوصيّ الشرعيّ عليها لافروف و كيري..

أيّ عهر دولّي نعيشه في هذا الزمان! وأيّ صفاقة وقذارة تلك التي تمارسها كلّ من الولايات المتحدة وروسيا بحقّنا نحن السوريّين. إنها العقاب على الثورة لا شيء غير ذلك، فالقضيّة مرتبطة بأهمية سورية ودورها في المستقبل على المنطقة ككل، وإلّا فما كل هذا الخوف من أن ينال السوريّون حريّتهم ويعيشوا حياتهم التي يريدون؟!

إذاً نحن على أعتاب دستور جديد قيل إنّه يجب أن يكون جاهزاً قبل آب أغسطس المقبل، لكن أبسط النّاس فكراً يعرف أنّ كلاماً صادراً عن وزير خارجيّة أعظم دولة في العالم لا يمكن أن يكون مجرّد كلام في الهواء فاقداً لمعناه؛ فالوزير هنا ليس وليد المعلم الذي سبق وأن شطب قارّة أوروبا عن خارطة العالم، إنّه جون كيري وزير خارجية حكومة العالم.

إنّ الحديث عن دستور لسورية "يجب" أن يكون جاهزاً خلال خمسة أشهر تقريباً، وإنْ خرج في مثل هذا التوقيت المقصود، إلّا أّن العمل عليه بالتّأكيد كان جارياً عبر المحادثات الثنائية واللقاءات والاتصالات بين كلّ من لافروف وكيري، خلال الأشهر وربّما السنوات الماضية.

أما خروج هذا التصريح في مثل هذا الوقت يخبرنا أنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ طبخة الدّستور كانت قد نضجت قبل هذا الإعلان،وما نراه عن اختلاف في وجهات النظر بين الولايات المتّحدة وروسيا حول الملفّ السوري، ما هو في الحقيقة إلّا تبادل للأدوار والتصريحات والشدّ والجذب بين الطرفين، حتّى يعتاد بسطاء السوريّين الذين يشكلون الغالبيّة العظمى على ما يقرّره الطرفان، كيف لا .؟ وقد أنهكهم القتل والتّدمير والمجازر، وأهلكهم التشريد والّلجوء والتّضييق طيلة أكثر من خمس سنوات.

إن الثورة من أبسط مفاهيمها أنها تضع دستوراً يليق بمستوى التضحيات الذي قدمه الشعب السوري، فالدستور عقد اجتماعي تضعه جمعية تأسيسية ثم يعرض على الشعب للاستفتاء عليه. ولا يصح أبداً أن يضع للأحرار دستوراً دون العودة إليهم، فهذا لا يصح إلا للعبيد.

ولسان حال السوريين يقول ألهذا قمنا بالثورة ؟ طبعاً وأكيداً لا وألف لا، لكنّ حالة التشرذم التي نعيشها كسوريّين أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه، ومن أقصدهم بالتشرذم في الدّرجة الأولى هم العسكريّون وحملة السلاح في الداخل، وفي الدّرجة الثانية من يسمون أنفسهم معارضةً في الخارج. فعلى الطرفين يقع الّلوم أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً، ومسؤولية ما أضحى عليه الواقع.

ومن باب التذكير أن صياغة أو كتابة دستور للسوريين تحدده القوتان العظميان في العالم أمر طبيعي قياساً على مجريات الأمور، فقد سبق وحدّد كيري ولافروف ما سمي باتفاق وقف إطلاق النار بالتاريخ والساعة، بين من أطلقوا عليهم ظلماً قوات النظام وقوات المعارضة، مساوين بين الضحيّة والجلّاد، وتمّ الاتّفاق كما يريدون بالتزام من الثّوار وخروقات من النظام. وهاهم اليوم يعلنون عن نيّتهم وضع دستور جديد، سينال الرّضا طبعاً من المعارضة بالدرجة الأولى. تلك المعارضة التي لا تمثّل إلّا نفسها والنظام وروسيا وأمريكا. 

* صحفي سوري
0
التعليقات (0)