قضايا وآراء

محنة التفكير (7)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
أما كيف أن الثورة هي حبل النجاة للجميع حكاما ومحكومين فهذا أمر يمكن فهمه من حجم الغضب الشعبي المتراكم منذ عقود  ضد سياسات الحاكم في عالمنا العربي مما اضطر معظم حكام المنطقة إلى التعامل بخشونة وعنف وديكتاتورية، وهذا أدى بدوره إلى رفع سقف مطالب الشعوب لتطالب بإزاحة الحكام كشرط مبدئي للإصلاح، ثم ارتفعت السقوف لتطالب بالثورة الشاملة التامة غير المجزأة وغير المنقوصة. 

إن نظرة واحدة على كيف يعيش معظم الحكام العرب بين مواطنيهم تعطيك فكرة عن مدى رعبها من شعوبها لدرجة إخلاء الشوارع والطرق والمباني والمجمعات لكي يمر مسؤول رفيع المستوى منخفض الأداء. 

الثورة ستمكن أي حاكم مستقبلي من أن يعيش بين الناس وأن يمشي في الأسواق لا يخاف شيئا ولماذا يجب أن يخاف وقد جاء بارادة شعبية عبر ثورة أتت على مظاهر الفساد والاستبداد. 

حكام ما بعد الثورة لن يكونوا آلهة ولا أنصاف آلهة ولن يكونوا مقدسين لا يمكن معارضتهم أو حتى انتقادهم، وسوف يكون لدينا وللمرة الأولى رؤساء وحكام سابقون، يعيشون بيننا لا تطاردهم اللعنات أينما حلوا أو حيثما مروا. 
 
الثورة ستقي الحكام من شرور أنفسهم ومن سيئات أعمالهم لأن الشعب سيكون رقيبا حقيقيا على الحكام وسوف يحاسبهم أولا بأول ويساندهم ويساعدهم على تجاوز أخطائهم، لا تكريسها والمضي قدما فيها وكأنها أعمال صالحة يتقربون بها إلى الله إن كانوا لا يعتبرون أنفسهم آلهة. 

الثورة سوف تحمي الحكام كما تحمي المحكومين، وستحمي المسؤولين كما تحمي المواطنين، وهذه حالة مختلفة وإن بدت خيالية أو حالمة ولكن هذه هي الحقيقة، فعالم الثورة هو عالم الوطن والمواطن، لا عالم الأسياد والعبيد، وليس عالم الناس اللي فوق فلا يراهم أحد أو الناس اللي تحت الذين يدهسهم كل عابر طريق.

فلنعد إلى السؤال الأهم في هذه السلسلة وهو حول نوع القيادة التي يجب أن تقودنا إلى بوابة الثورة كمخرج من حالة التيه التي تمر بها الأمة؟ 

لنعترف أن هنالك حالة فشل قيادي في الأمة رغم وجود حالات قيادة تعتبر فردية ومهمة ولكنها ليست صالحة لقيادة الأمة خصوصا في الوضع الراهن. ولو عدنا إلى التنظيمات الأكثر شهرة وخبرة في عالمنا العربي وأعني بها الإخوان المسلمين فإنها ورغم اعتزازي بالانتساب إليها ليست في وضع يؤهلها حاليا  لقيادة الأمة لأسباب عدة  لعل أهمها أنها -أي الإخوان- مشغولة بلملمة صفوفها بعد كل هذا الكم من العدوان غير المبرر عليها منذ ثورة يناير وحتى اليوم، ولا يزال هذا العدوان مستمرا في كافة الدول العربية وإن اختلفت درجاته، ورغم ذلك فإنها تقدم حالة فريدة واستثناية من التأبي على المستبدين وتظهر روحا من المقاومة غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر وبناء عليه ليس معقولا أن نطالبها بأن تتفرغ للقيادة وهي في موقع حراسة الثغور حتى تبقي حالة المقاومة ماثلة أمام العيون ولا تصبح جزء من الماضي.
 
ولو نظرنا إلى الطيف الثوري بعمومه من إسلاميين وليبراليين ويساريين ومستقلين سوف نجد أن معظمهم ولا أقول كلهم لا يزالون يعانون من أثر زلزال الانقلاب وتوابعه ولأنه غير مؤهل للتعامل مع مثل هذه الأوضاع فقد مرت الفترة السابقة وهي قرابة الثلاث سنوات دون أن يستعيد الجميع وعيه ويفيق من صدمة الانقلاب، وما إن فاق البعض من صدمة الانقلاب حتى فوجئ بصدمة التشرذم داخل معسكر مقاومة الانقلاب وبالتالي لم يتمكن الجميع من التعرف عن قرب عن حقيقة المواهب القيادية الموجودة في الصف الثوري. 

ثمة من يقول إن قيادة فردية لهذه المرحلة ستشكل خطرا كبيرا على مشروع الثورة بأكمله وأننا بحاجة إلى قيادة جماعية - وأنا هنا أتحدث عن قيادة الثورة وليس الدولة فهناك رئيس منتخب يجب أن يعود إلى منصبه فور القضاء على الانقلاب وهذا ليس منة من أحد بل هو احقاق لحق الشعب في أن يختار من يحكمه.
  
وفي رأيي سواء كانت القيادة فردية وهذا ما لا أتوقعه، أو جماعية وهذا ما يمكن الرهان عليه، فإنني أضع هناك مجموعة من السمات التي يجب أن تتوفر في القيادة المطلوبة. 

تحتاج الثورة إلى قيادة واعية قادرة، راشدة وملهمة، لديها رؤية وعندها طموح ورغبة في تحقيق إنجاز خالد في سجل التاريخ. 

قيادة تؤمن بالتنوع، تعرف معنى الشراكة، لا تستحي أن تعتذر أو تعتزل إن أخطأت أو وجدت نفسها عاجزة أو فاشلة. 

قيادة جريئة تعرف أن العمل العام له كلفة وثمن لا بد أن تدفعه عن طيب خاطر.

قيادة تعلم أن شرف انتسابها إلى الثورة لا يدانيه شرف إلا الشهادة في سبيل الله ثم الأوطان. 

قيادة لا تهاب المخاطر بل تستطيع ركوب المخاطر دون تهور بل وفق حسابات دقيقة لكنها سريعة وخاطفة.

قيادة تجيد لغة الحساب والأرقام وتفهم المقاصد والمآلات، متأنية بغير بطء، متمهلة بغير تردد. قيادة حاسمة حازمة، لا تجامل ولا تتحامل، تتعامل بقوة الحجة والبرهان، ولا تميل إلى استخدام قوة المكانة أو السلطان. 

وتسألني أين نجد كل هذه الصفات؟ والإجابة في المقال المقبل إن شاء الله. 
التعليقات (0)