مقالات مختارة

"انقلاب" النخب في واشنطن

حسن البراري
1300x600
1300x600
عندما يكتب توماس فريدمان من صحيفة النيويورك تايمز مقالا ينتقد فيه ضعف سياسة أوباما في الشرق الأوسط، ويحملها مسؤولية ما آلت إليه الأمور، فإن ذلك يعني أن هناك صحوة بين المدافعين عن الرئيس أوباما (وعلى رأسهم طبعا توماس فريدمان)، وأن هناك قراءة جديدة بدأت ترى أن الرئيس أوباما منشغل إلى حد الهوس في الدفاع عن سياسة "اللاعمل" في سوريا، لدرجة أنه لم يفهم الأخطار المترتبة على سياسته، ولم يفهم بأن لدى الولايات المتحدة القدرة العملية على تغيير موازين القوى في سوريا دون الحاجة لغزو أمريكي أو تدخل مباشر.

البعض يتهم الرئيس أوباما بأنه ليس لديه أي استراتيجية في الشرق الأوسط، وأنه يلجأ إلى ردات الفعل في مواقفه، شأنه شأن الكثير من قادة العالم الثالث، غير أن أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن مارك لينش كتب في مجلة الفورين أفيرز قبل أكثر من أربعة أشهر ما يفيد بأن الرئيس أوباما يمتلك استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط تستند على عدم التدخل وتوريط بلده في حرب أخرى في الشرق الأوسط وهذا هو الدرس الذي تعلمه من حرب العراق وهو أيضا يرى بأن هناك حدودا للقوة الأمريكية في إصلاح الشرق الأوسط.

وفي سياق متصل، ترى تمارا كوفمان من معهد بروكينجز أن أوباما كان مصمما منذ اليوم الأول الذي دخل فيه البيت الأبيض بأن يغلق فصلا في تاريخ أمريكا في الشرق الأوسط، وهو ذاك الفصل الملطخ بحربين في العراق وأفغانستان، وهي تمتدح إصراره على هذا الموقف، رغم كل الضغوطات مع أنها ترى أيضا أن هذا الموقف قاصر.

بطبيعة الحال، أتفق مع مارك لينش ومع تمارا كوفمان بأن أوباما ليس من دون استراتيجية، لكنني أرى أنه كما أن للمبادرة والعمل فرصا ومخاطر فإن النكوص والتشبث العنيد بدرس العراق لينطوي أيضا على مخاطر على مكانة الولايات المتحدة التي لم يعد يثق فيها لا أعداؤها ولا أصدقاؤها. وهو الأمر الذي أشارت إليه تمارا كوفمان عندما جادلت بأن الإصرار على إغلاق ذاك الفصل بدوره فتح فصلا جديدا ومماثلا تمثل بظهور تنظيم داعش، وترتب ذلك أيضًا تدخل أمريكي أو "حرب أوباما" على داعش وهي الحرب التي بدأت في شهر أغسطس 2014.

وهذه الحرب كما يراها جيفري جولدبيرج في مقاله عن مبدأ أوباما نشرت أخيرا في مجلة ذي اتلانتيك لها جذور في خطأين في تقدير الرئيس أوباما وهما وفقا إلى جولدبيرج: أولا، انسحاب الولايات المتحدة من العراق عسكريا والذي رافقه تراجع تأثير واشنطن على مجمل العملية السياسية في العراق التي بدأت تأخذ شكل الحكم الطائفي مما خلق شرخا مع الطائفة السنية ومهد في النهاية لظهور تنظيمات على شكل داعش. فإصرار أوباما على سياسة عدم التدخل حتى في الشأن العراقي أدى إلى إطلاق العنان لقوى التطرف الشيعي في إحكام سيطرتها على مجمل العملية السياسية العراقية وإقصاء المكونات الأخرى، وحتى عندما كانت هناك مؤشرات قوية على طريقة حكم المالكي المدعوم إيرانيا فإن الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن الذي أدار ملف العراق نيابة عن الرئيس فضلا التقليل من التدخلات.

أما المصدر الثاني فهو القراءة الخاطئة لأوباما والتي تفيد بأن الأزمة السورية لن تشكل تهديدا على مصالح الولايات المتحدة، وتراجع الرئيس عن خطوطه الحمراء ألحق ضررا بمصداقية الولايات المتحدة عن الأصدقاء قبل الأعداء. وهنا أجد نفسي متفقا مع قراءة جولدبيرج بأن الرئيس أوباما قد ارتكب أخطاء جسيمة أسهمت في زعزعة الاستقرار في المشرق العربي وسيكون لها تداعيات أخرى وبخاصة بعد أن استبطن حلفاء أمريكا بأنه لا يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة.

لا أعرف كيف سيكون حكم التاريخ على سياسة أوباما في الشرق الأوسط، غير أن مصيره لن يكون أفضل من مصير سلفه بوش الذي شكلت سياساته الطائشة وغير المحسوبة بداية تراجع الولايات المتحدة من إقليم كانت تمارس عليه هيمنة قبلتها تقريبا كل الأطراف وتعاملت على أساسها. وحتى روسيا كانت قد سلمت بقيادة أمريكا للشرق الأوسط. وجردة حساب سريعة تكشف أن أوباما فشل في حل الصراع العربي الإسرائيلي، وفي مساعدة العراق وفي إدارة الربيع العربي وفي الأزمة السورية، وسيبقى الاتفاق النووي النقطة الوحيدة التي تشكل ما يسمى "تركة أوباما" في الشرق الأوسط وهي تركة يمقتها أهم حلفاء أمريكا في المنطقة ويتغنى بها خصوم أمريكا.

بكلمة، عندما ينقلب كاتب بحجم توماس فريدمان على الرئيس أوباما فإن هذا ليس أمرا بسيطا، ولا بد أن فريدمان الذي دافع كثيرا عن سياسة أوباما توصل إلى نتيجة مفادها أن كلفة عدم التدخل تفوق كلفة التدخل، صحيح أن هذه الصحوة متأخرة، لكنها ستلقي بظلالها على مواقف مرشحي الحزب الديمقراطي في قادم الأيام.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)