مقالات مختارة

أزمة الدولار في مصر ونظرية المؤامرة

عبد العزيز الكحلوت
1300x600
1300x600
لم يعد خافيا على أحد أن مصر الآن تعاني أزمة دولار غير مسبوقة؛ فقد ارتفع سعره مقابل الجنيه المصري حتى تجاوز العشرة جنيهات لكل دولار، ورغم أن معرفة أسباب هذه الأزمة لا تحتاج إلى كبير عناء، فإن بعض المقربين من دوائر الحكم في مصر أرجعوا هذه الأزمة إلى الإخوان، بل وتقدم أحد المحامين ببلاغ إلى النائب العام يتهمهم بالتسبب في الأزمة، وهي اتهامات باطلة لأن أزمة الدولار انعكاس لضعف أداء الاقتصاد المصري من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا أحد من المصريين أو من العرب يريد الإفلاس والفوضى لمصر، فاستقرارها مطلب لجميع أبنائها وللعرب أيضا، أما بالنسبة لإسرائيل فالسيسي هو الصديق الأبدي الأفضل لها على حد تعبير الباحثة الأمريكية ميشيل دن، المتخصصة السابقة في شؤون الشرق الأوسط بالخارجية الأمريكية، وكما قال الأستاذ فهمي هويدي "فليس هناك سبب واحد يدعو تلك الدول بما فيها إسرائيل للتآمر ومحاولة إسقاط النظام القائم في مصر الآن". ("المؤامرة التي تدبر" الشروق 17 نوفمبر 2015).

الأزمة الاقتصادية في مصر وفي قلبها أزمة الدولار ليست مؤامرة من أحد وتعود بداياتها إلى سبعينيات القرن الماضي، وقد ارتبطت بتدشين الرئيس الراحل أنور السادات لسياسة الانفتاح، التي أدت من خلال تأكيدها للطابع الاستهلاكي إلى اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، فكانت الاستدانة بقوة من الداخل وتبعتها الاستدانة من الخارج لسد الفجوة الكبيرة بين ما تنتجه مصر وما تستهلكه، ووسعت هذه الفجوة سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة وبعد 3 يوليو 2013 ازداد الأمر سوءا بتمزيق وحدة الشعب المصري وبتدشين الرئيس السيسي مشاريع كبرى، ابتلعت جانبا من مدخرات المصريين والعملات الصعبة دون أن تعطي أي مردود، وقد تفاقم نتيجة كل هذه السياسات إجمالي الدين العام المحلي حتى بلغ 2.259 تريليون جنيه مصري حتى نهاية سبتمبر 2015 كما بلغ الدين الخارجي لمصر48.1 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2015 بزيادة قدرها 11% عن عام 2013 رغم حصول السيسي على مساعدات قدرت بـ40 مليار دولار من دول الخليج، وتحويل المصريين العاملين في الخارج خلال الأعوام من (2011 ــ2016) لـ 170 مليار دولار.

ونجم عن السياسات الفاشلة بلوغ فوائد الدين العام في موازنة العام المالي (2015/2016) 244 مليار جنيه، وهو رقم يفوق رواتب الموظفين البالغ عددهم 6.5 ملايين والمقدرة في الموازنة الحالية بـ218 مليار جنيه، الذي يحاول السيسي من خلال قانون الخدمة المدنية تقليصهم إلى مليون فقط. الاقتصاد المصري يعاني من خلل هيكلي ومن تآكل في قوى الإنتاج وازدياد للفجوة في الميزان التجاري بين ما يصدر وما يستورد، ويعاني من انهيار في مصادر العملات الصعبة؛ فالسياحة انهارت وقناة السويس دخلها بقي ثابتا عند 5.5 مليار دولار، والجيش يسيطر على نحو 40% من الاقتصاد المصري ويعوق حرية السوق، وتحويلات العاملين المصريين في الخارج في تراجع بينما فواتير الاستيراد في ازدياد، إذ إن 65% من مستلزمات الإنتاج مستوردة و70% من السلع الغذائية مستوردة، ولذلك أدى ارتفاع سعر الدولار إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والأدوية، بل واختفاء سلع وأدوية مهمة.

ويبدو أن مؤشرات المستقبل سلبية؛ فالبرلمان الأوروبي أوصى الدول الأوروبية بحظر المساعدات إلى مصر على خلفية قضية ريجيني وحالات التعذيب ومصادرة حق التعبير والتظاهر وأحكام الإعدام الجماعية الصادمة السريعة، وحالات الاختفاء القسري التي بلغت في العام الماضي وحده بحسب الإندبندنت البريطانية 1840 حالة، وانخفاض أسعار النفط أدى إلى تفكير الكويت وفقا لصحيفة الوطن الكويتية بإعادة هيكلة العمالة المصرية والاستغناء عن جانب منها، وربما للسبب نفسه ستُخفض المساعدات الخليجية إلى مصر أو تتوقف، وبالإضافة إلى ذلك فقد أدى انخفاض سعر النفط إلى تحويل السفن لمسارها من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح، بما يعني توقع انخفاض عائدات القناة ومضي إثيوبيا قدما في بناء سد النهضة، وتنازل السيسي عن حق مصر في مياه النيل الأزرق بتوقيعه اتفاق إطار معهاـ سيزيد حتما من تكلفة تعويض المياه، التي بدأت في التناقص في محافظات الصعيد. كما أن شركة الكهرباء الإسرائيلية حصلت على حكم بـ1.7 مليار دولار كتعويض لها من الحكومة المصرية لوقف الأخيرة ضخ الغاز في وقت سابق، وفي محاولة لبث الأمل قدم السيسي الرؤية المتوقعة لمصر 2030 ويرى الخبراء أنها لن تكون مجدية؛ لأن التنمية عملية مجتمعية تتوقف بالكامل على تفعيل حرية الشعب، وإذا كانت التنمية تنجز من أجل الإنسان فإن الإنسان كما هو هدفها هو وسيلتها، ولا يمكن لهذا الإنسان أن ينجز شيئا إلا إذا تحرر هو من الخوف والظلم والإقصاء والتهميش والحرمان، وما لم تتحقق المصالحة بين مكونات الشعب المصري وتمارس الديمقراطية ويجرى إصلاح هيكلي في الاقتصاد المصري لصالح الفقراء، وتتحول الدولة من دولة تمييز إلى دولة مساواة ومن دولة بوليسية إلى دولة مدنية، ومن دولة للرئيس ورجال الأعمال إلى دولة للشعب فلن تنفرج الأزمة.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)