مقالات مختارة

تصاعد مخاطر تباطؤ نمو الطلب على النفط

نعمت ابو الصوف
1300x600
1300x600
لقد ساهم انخفاض الأسعار في انتعاش الطلب العالمي على النفط خلال العام الماضي، تماما كما كانت منظمة "أوبك" تأمل عندما قررت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 الإبقاء على سقف إنتاجها على الرغم من وفرة المعروض في الأسواق. بالفعل مع انخفاض أسعار النفط، عاد نمو الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بقوة إلى المنطقة الإيجابية، ما أدى إلى أقوى نمو في الطلب العالمي على النفط في خمس سنوات، ورفع من توقعات الطلب على المدى القريب، شريطة بقاء أسعار النفط منخفضة. 

ولكن قد تكون هناك خيبة أمل في المستقبل. استنادا إلى أحدث التوقعات الحالية، الطلب على النفط سوف لن يلحق بالعرض حتى عام 2018، على الرغم من توقع نمو جيد في الطلب على النفط في عام 2016 في حدود 1.2 مليون برميل يوميا، إلا أن هذا النمو لا يزال يمثل تباطؤا عن العام الماضي، عندما نما الطلب بحدود 1.85 مليون برميل في اليوم.

نظرا للضعف المتزايد في اقتصادات عديد من الدول وحتى تلك المصدرة للنفط، تتصاعد مخاطر تباطؤ نمو الطلب حتى مع هذا المعدل الأبطأ من النمو. ولتحقيق طفرة كبيرة في الطلب العالمي على النفط، مثل قفزة الـ3.2 مليون برميل في اليوم التي شهدها العالم في عام 2010 في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 ـــ 2009، يعتقد المحللون أن هناك حاجة إلى انتعاش اقتصادي عالمي قوي، ولكن هذا ليس متوقعا، حتى مع زيادة دخول الدول المستهلكة للنفط التي تحصل عليها من جراء انخفاض أسعار النفط. 

على النقيض من دورات انخفاض أسعار السلع السابقة، يرى بعض مراقبي السوق، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أن انخفاض أسعار النفط الحالي مثير للقلق بالنسبة للاقتصاد الكلي macroeconomics، فضلا عن أنه يفاقم من ضعف الاقتصادات التي تعتمد بصورة كبيرة على أسعار سلع قوية.

التحدي الرئيس في هذا الجانب هو أن عدد البلدان التي يتزايد فيها الطلب على النفط في تناقص. من المتوقع أن تشكل الدول من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو 93 في المئة من معدل نمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام، لكن الواقع غير مشجع حيث إن أمريكا اللاتينية متأثرة من الركود الاقتصادي الشديد في البرازيل، في حين تواجه دول غرب إفريقيا والشرق الأوسط تداعيات انخفاض عائدات النفط. حتى في آسيا، نمو الاقتصاد والطلب على النفط في الصين في تباطؤ، الفضل في ذلك يعود إلى تحولها إلى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك أكثر وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

في هذا الجانب، يتوقع الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الوطنية الصينية أن يكون معدل نمو الطلب على النفط في الصين للأعوام حتى 2020 عند 2.8 في المئة انخفاضا من 7.8 في المئة قبل عشر سنوات. بالنسبة لعام 2016، لا تزال تشير هذه النسبة إلى ارتفاع بمعدل 310 آلاف برميل في اليوم على أساس سنوي، أو ربع النمو العالمي المتوقع لهذا العام. الهند قد لا تكون بعيدة عن هذا النمو في عام 2016، إلا أن نمو الطلب فيها كان في السنوات الأخيرة متقلبا.

ومن المتوقع أن تتشدد الضغوط على نمو الطلب، حيث إن الدول تستغل فرصة انخفاض أسعار النفط وتقوم بإلغاء الدعم الحكومي عن وقود النقل والكهرباء التي ثبت أنها كانت مكلفة جدا عندما كان سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل. معظم دول الخليج في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية، قد سحبت بعض الدعم عن وقود النقل والكهرباء. 

وقد تم رفع بعض الدعم في أنجولا وفي دول منطقة آسيا-المحيط الهادئ غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. على الرغم من أن تأثير هذه الإجراءات ينبغي أن يكون محدودا، إلا أنها سوف تؤثر في عادات قيادة السيارات وتؤدي إلى خفض استهلاك الكهرباء في بعض دول الشرق الأوسط حيث يتم استخدام النفط في توليد الطاقة. 

في حين سيعتمد نمو الطلب على النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تعويض الانخفاض في استهلاك اليابان والتوقعات الأضعف قليلا لأوروبا. في العام الماضي، ارتفع الطلب في الولايات المتحدة بنحو 260 ألف برميل في اليوم، وعدد الأميال التي تقطعها المركبات تواصل تسجيل مستويات قياسية مع ارتفاع مستويات العمالة، وهذا يبشر بعام آخر من قوة الطلب، حيث إن انخفاض أسعار النفط تترجم مباشرة إلى أسعار وقود متدنية للمستهلك بفضل انخفاض الضرائب.

في النصف الثاني من عام 2015، أظهر الطلب الأمريكي على النفط ضعفا في غير أوانه، ما شكل بعض القلق إزاء اتجاهات الاستهلاك، لكن هذا عكس جزئيا ضعف الطلب على زيت التدفئة بسبب الشتاء الدافئ. لكن النصف الأول من العام الماضي شهد ارتفاعا كبيرا في الطلب الأمريكي بلغ 425 ألف برميل في اليوم على أساس سنوي، وتراجع بشكل حاد في النصف الثاني إلى 60 ألف برميل فقط في اليوم على أساس سنوي.

التهديد الحقيقي لاستهلاك النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيكون في السنوات المقبلة، عندما تبدأ الأسواق بالتوازن وترتفع أسعار النفط. بناء على خبرة السنوات الـ15 الماضية، عندما ترتفع أسعار خام برنت القياسي فوق 60 دولارا للبرميل يبدأ استهلاك النفط في دول منظمة التعاون والتنمية بالانكماش.

إذا ما ضعفت استجابة الطلب إلى أسعار النفط، فإن السبب في ذلك يعود في الدرجة الرئيسة إلى الوضع الاقتصادي العالمي أكثر من أي تغير محتمل في مزيج الطاقة العالمي. لكن تراجع الاستهلاك يمكن أن يعزى أيضا إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتزايد الوعي البيئي. في هذا الجانب، توقعت شركة بريتش بتروليوم في تقريرها الأخير عن آفاق الطاقة العالمية حتى عام 2035 أن يتباطأ نمو استهلاك الطاقة للسنوات الـ20 المقبلة، بما في ذلك الوقود، إلى 1.4 في المئة سنويا من 2.3 في المئة بين عامي 2000 و2014، ما يعكس انخفاضا أسرع بشكل ملحوظ في كثافة الطاقة.

عن صحيفة الاقتصادية السعودية
0
التعليقات (0)