مقالات مختارة

تعرفهم من اختياراتهم

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
كتب فهمي هويدي: لا أعرف مدى صحة المعلومة التي ذكرت أن سقطة وزير العدل الأخيرة لم تكن السبب الوحيد الذي أدى إلى إقالته، وإنما كانت إساءته إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير".

كما أنني لست واثقا من الادعاء الذي سمعته عن أن النظام المصري بإقصائه للرجل وتخلصه من آخرين اختفت صورهم وأسماؤهم في الآونة الأخيرة، إنما يتجه إلى التخفف من بعض الأعوان الذين صاروا عبئا عليه. بعدما أسهموا في الإساءة إليه وتشويه صورته. وهو التوجه الذي تقول الشائعات إنه سيصيب آخرين حين يحل عليهم الدور. وقد رشحت الشائعات أسماء بذاتها سيتم الإطاحة بها في إطار ذلك السعي.

لست في موقف يسمح لي بالتثبت من هذه المعلومات، لكنني أزعم أنها لو صحت فإنها يمكن أن تكون أمرا محمودا إذا تمت العملية في إطار القانون واستهدفت من يستحق ذلك. إن من حق كل نظام أن ينظف ثوبه من "البقع السوداء" التي تظهر فيه. وأن يطهر صفحته مما علق بها من شوائب. بذات القدر فلا أعرف ما إذا كان ذلك التوجه يتم في إطار إعادة النظر في السياسات أم أنها في الأشخاص فقط. أي هل إنه من قبيل التجمل وتغيير طلاء البيت فقط أم أنه يستهدف أيضا مراجعة تصميمه ومكوناته؟. كما أنني لا أعرف علاقة ما يجرى بالحديث المتواتر في أوساط النخبة المصرية حول صراعات أجنحة السلطة والتنافس بين مؤسساتها وأجهزتها الأمنية التي صارت صاحبة اليد الطولى في صناعة القرار السياسي.

ما أعرفه أمرين، الأول أن هناك عشرة أسباب على الأقل تبرر إقالة الرجل واستبعاده من التشكيلة الوزارية، الثاني أنني سمعت من الأستاذ هيكل أن الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصل هاتفيا به أثناء علاجه في لندن ليطمئن عليه، وكان ذلك بعد التعديل الوزاري الأخير، فقال له الأستاذ مازحا أنه كان بخير، لكن الأمر اختلف معه حين علم أن صاحبنا عين وزيرا.

في غياب الشفافية تظل التساؤلات التي طرحتها معلقة في الفضاء بغير أجوبة. مع ذلك فإن المشهد يسلط الضوء على زاوية تستحق المناقشة، تتعلق بمعايير اختيار الأعوان. ذلك أن النماذج التي انكشف أمرها وأساءت إلى النظام لم تفرض نفسها عليه. وإنما تم انتفاؤها، لكي تؤدي أدوارا معينة. ووظفت السلطة إمكاناتها وأدواتها لرعاية تلك النماذج وتوفير الحماية والحصانة لها، إلا أنها أدركت في وقت لاحق، أن المفاسد التي ترتبت على استمرارها أكبر من المصالح التي تحققت بوجودها.

ما يثير الحيرة ويبعث على الدهشة أن أجهزة الدولة تمتلك من الإمكانات ما يوفر لها المعلومات الكافية والدقيقة عن الأشخاص الذين تنتقيهم، على نحو يمكنها من تجنب المفاجأة بأدائهم. وحسب معلوماتي فإن الأجهزة الأمنية طلبت ملف أحد الشخصيات العامة يوما ما، فتم لها ما أرادت، وقدم الملف متضمنا سيرته ومواقفه والمخالفات التي ارتكبها والقضايا التي رفعت ضده. ولم تكن خلاصة الملف في صالحه حسبما علمت ممن كانوا على صلة بالعملية.

لكن هؤلاء الأخيرين فوجئوا بأن ذلك الشخص عين وزيرا لحسابات أخرى. الأمر الذي أعطى انطباعا بأنه تم التغاضي عن كل ما حسب عليه، مقابل الاطمئنان إلى تنفيذه لسياسة معينة أريد له أن يقوم بها.

النقطة الجديرة بالانتباه والملاحظة هنا هي أن المشكلة لا تكمن فقط في وجود النماذج السيئة التي تشوه صورة النظام، ولكنها في الجهات التي تنتقيها وتقدمها على غيرها مع علمها بسوءاتها. بكلام آخر فإن مثل تلك الاختيارات تعد كاشفة لقدرات ومعايير الجهة التي تولت مهمة الاختيار. وقد سمعت من أحد الحكماء قوله إن الناس يعرفون من اختياراتهم. فالأبرار لا يأنسون إلا إلى من كانوا على شاكلتهم، والأشرار يفعلون نفس الشيء.

ونستطيع أن نستوعب الصورة أكثر إذا استرشدنا بالمقولة التي يرددها الأمريكيون حين يذكرون أن المسؤول أو القائد إذا كان من الطراز الأول فإنه يختار أعوانا من الطراز الأول. أما إذا كان من الطراز الثاني فإنه يختار أعوانا من الطراز الثالث أو الرابع. بما يعنى أن الكبار يستعينون بأقرانهم من الكبار. أما الصغار فإنهم يستعينون بمن هم أصغر منهم في القدرة والكفاءة.

إذا صحت تلك الخلفية فإنها تنبهنا إلى أن المشكلة تبدو أبعد وأعمق مما نظن. ذلك أنها ليست فقط في النماذج السيئة التي توضع في مواقع الصدارة ولكنها تكمن في تدهور مستوى القيادة التي تنحاز إلى تلك النماذج وتنتقيها من بين كل الخيارات المتاحة أمامها. كأننا بصدد مشكلتين، إحداهما فيمن يقع عليه الاختيار والثانية أسوأ منها وأعقد لأنها تتعلق بمن يتولى الاختيار.

(عن الشروق المصرية)
0
التعليقات (0)