كتاب عربي 21

إنا نرى ما لا ترون

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
1-يوم الاثنين الماضي كتب الدكتور محمد أبو الغار مقالا في المصري اليوم بعنوان "البرلمان الوهمي"، حكى فيه ما عاصره داخل لجنة الخمسين من تقديم للانتخابات الرئاسية على البرلمانية، ووضع قانون للانتخابات يضمن سيطرة رجال الحزب الوطني على البرلمان، واختيار نظام القوائم المطلقة لتأمين سيطرة الدولة على مجلس النواب عن طريق قائمة انتخابية تصنعها على يديها.

شهد أبو الغار بعينيه محاولات اختطاف الدستور وتدجين البرلمان وإعادة الدولة القديمة، لكنه لم يقدم استقالته من اللجنة التي كانت تُدار بأوامر من خارجها، ولم يخرج ليصارح الناس بما يجري ويحذرهم مما يُحاك لهم، لم يقل الرجل خيرا لكنه لم يصمت، بل شارك في مؤتمر عقده الحزب المصري الديمقراطي الذي يرأسه لدعم الدستور بميدان المنشية بالإسكندرية عشية الاستفتاء، ودعا المصريين للنزول والتصويت على الدستور الجديد بـ"نعم"، لأنه الدستور الأكثر ضمانا للحقوق والحريات في تاريخ مصر، ولأنه يحد بشكل كبير من سلطات رئيس الجمهورية.

كان هذا بتاريخ 13 يناير 2014، لكنه وبعد أكثر من عامين على هذه التصريحات كتب في مقاله، إن الدولة أصرت على نظام القوائم المطلقة المخالف لجميع الأعراف، تمهيدا لعمل قائمة باسم الدولة، ومن ثم المجيء ببرلمان ضعيف لتبقى كل السلطة في يد الرئيس.

أبو الغار 2014 يرى أن الدستور الذي شارك في وضعه يحد كثيرا من سلطات الرئيس، بينما يرى أبو الغار 2016 أن هذا الدستور جاء ببرلمان ضعيف لتبقى كل السلطة في يد الرئيس، (وبين "أبو الغار" محاولات كثيرة) من التنظير والتبرير لدفع تهمة خيانة الثورة عن نفسه، حتى إنه كتب مقالا في "المصري اليوم" أيضا بتاريخ 12 أكتوبر 2015 تحت عنوان "البرلمان لم يصبح وهميا" يحتفي فيه باقتراب انتخاب مجلس نواب كان يعرف مسبقا أنه لن يكون أكثر من ساعي بريد للرئيس.

مقال "أبو الغار"، وقبله كلام حازم عبد العظيم عن عقد اجتماعات تشكيل قائمة "في حب مصر" داخل المخابرات، وكتابات بعض حملة المباخر السابقين التي تحذر من خطورة استمرار السياسات الحالية، وتململ بعض الحقوقيين والسياسيين من المسار الذي تمضي فيه مصر تحت حكم السيسي، يؤكد أن الثمن الذي دفعه مئات الشباب قتلا وسجنا وتضييقا ومنعا لمنع عودة دولة مبارك إلى الحكم، ومعارضتها بعد وصولها إليه كان في مكانه الصحيح.

يؤكد كل هؤلاء العائدون أن شباب يناير كانوا على حق حين رفضوا الانخداع بتمثيلية الدستور، بدءا من تشكيل اللجنة وصولا للتصويت عليه، وقاطعوا البرلمان ترشحا وانتخابا، ولم يؤثروا السلامة بمهادنة نظام يعادي ثورتهم.

2-هناك فروقات كبيرة بين الجيلين، جيل اعتاد على إبلاغ أمن الدولة جبرا بتحركاته ومؤتمراته، والتفاوض مع النظام على حصة حزبه من المقاعد في الانتخابات، ومراجعة مقالاته عدة مرات حتى يتأكد أن انتقاده مؤدب، وأنه لن يغضب الرئيس أو زوجته أو ابنه، ويعتقد أن الإصلاح طويل المدى أفضل من تغيير غير محسوب، وبين جيل حاسم في خياراته لا يقبل بالحلول الوسط، يقول ما يرضي ضميره وترضاه ثورته وليحدث بعد ذلك ما يحدث.

اتبع الجيل السابق سياسة الإصلاح طويل المدى لأكثر من خمسين عاما ولم ينتج إلا خرابا قصير المدى، شجع جبنهم في المواجهة السادات على اعتقال رموزهم، وشجع مبارك على الاستخفاف بردود أفعالهم وتجهيز ابنه لخلافته، ولولا خروج الشباب في ثورة على دعاة الإصلاح السلحفائي قبل أن تكون على مبارك، لكان هؤلاء أنفسهم الآن يتوافدون على قصر الرئاسة لحضور اجتماع الرئيس جمال مبارك مع رؤساء الأحزاب!

البائس؛ أنه بعدما حرر الشباب هؤلاء، ووضعوهم طواعية في صدار المشهد، وكتبوا أسماءهم ليكونوا ممثلين عنهم في أي اقتراح بمجلس استشاري أو لجنة دستور، انحازوا لكل ما هو ضد رغبات الشباب، ولصالح كل ما هو قديم، وأعادوا دولة مبارك في ثوب أكثر استبدادا وفشلا، وبعد أن استفاق بعضهم مؤخرا من الخديعة آثروا السلامة مرة أخرى، فلم يفكروا في دعم أي حراك للإفراج عن شباب الثورة المحبوسين أو مطالب الثورة المُنقلب عليها، وغاية ما يفعلوه كتابة مقالات يؤكدون لنا بها كيف كانوا ساذجين!

3-عن نفسي أعاني أزمة عميقة في تقبل العائدين من خلف مصنع 30 يونيو، والمشكلة أنهم حتى بعد هذه العودة لا يفعلون أي شيء يكفرون به عن جريمتهم في حق الثورة، والأسوأ أنهم ما زالوا لا يرون أن ما فعلوه جريمة أصلا.

عموما هم يعرفون ونحن نعرف أن دورهم انتهى، لكن كتاباتهم وأحاديثهم مهمة لأنها دليل على أن خيارات شباب الثورة كانت هي الصحيحة، وخياراتهم كانت طوق النجاة لدولة مبارك، نعم أنا غاضب من هؤلاء لكنني أشفق عليهم أيضا، فأي بؤس في الدنيا أكثر من أن ترفض أن تكون في صدارة حكم الثورة، لتصبح ذيلا لحكم العسكر؟

مؤسف أن يكون أسوأ مراحل حياتك خواتيمها، فلو فارق كثير من هؤلاء الدنيا قبل 3 سنوات لبنى شباب الثورة لهم المقامات وأحيوا ذكراهم كل عام، لكن القدر لم يشأ لمن قضوا حياتهم في المواءامات، وأطالوا عمر نظام مبارك بخوفهم، أن يكونوا للثورة رموزا.

رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، فليكن لهم ما أرادوا. 
التعليقات (2)
MOHAMED AMR
السبت، 05-03-2016 12:19 م
ممتاز يا استاذ تامر- تذكر ملف أسر شهداء ومصابي ثورة25يناير - الذي وصفته د.كريمة بأنه ملف مصر كلها وتخلي كل الرموز عنه- خاصة في شق أدلة قتل المتظاهرين السلميين المخفية في أكثر من جهة ومنها ( درج مكتب السيسي )؟؟؟؟؟
سامي
السبت، 05-03-2016 06:58 ص
ابو الغار لم يخالف رايه ولم ينافق فقال عند اعداد الدستور انه يحد من صلاحيات الرئيس وبعدها قال انتخابات القوائم جاءت ببرلمان ضعيف اي الانتخابات ونظامها وليس الدستور واكيد هناك حد من ساطات الرئيس لكن النفاق والترتيبات جعلت البرلمان ضعيف واتقوا الله