قضايا وآراء

محنة التفكير (3)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
نعود لنكمل حديثنا حول أهم مظاهر التيه الذي غشيناه بأقدامنا أو أجبرنا على دخوله رغما عنا، ونتحدث هنا عن الإنسان الذي كرمه مولاه سبحانه وتعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

قارن بين الإنسان في العالم العربي ونظيره في أوروبا أو أمريكا أو حتى إفريقيا الجديدة على مستوى التعليم والأمية، بين المعرفة والجهل، بين الوعي واللاوعي، بين الإنتاجية واللاإنتاجية، بين الشراكة والإقصاء، بين الإدماج والعزل، بين الكفاية والعوز، بين الحرية والكبت، بين إنسانية التعامل ووحشية المعاملة، بين الشعور بالانتماء والشعور بالغربة.

المقارنة بالطبع ظالمة وستشعر وأنت تعلم أن متوسط نسبة الأمية في العالم العربي تصل إلى 27.9%، أي أن عدد الأميين العرب يصل إلى 97.2 مليون مواطن ومواطنة وهنا أنصح بمراجعة دراسة مهمة نشرها موقع مباشر الجزيرة في العام الماضي فهي دراسة تكشف حجم التيه التعليمي والثقافي والمعرفي الذي يعيشه الإنسان العربي.

الانسان العربي إلا فيما ندر ضحية النظام السياسي الحاكم الذي تعمد افقاره وتجهيله وإبعاده، ولو أخذت دولة مثل مصر بسكانها الذين اقتربوا من التسعين مليون لوجدت أن نسبة الأمية تصل إلى 29.2% ونسبة البطالة إلى 14% من مجمع يعتبر مجتمعا شابا وفتيا، ولو نظرت إلى نسبة الفقر والفقر المدقع يعني أقل من دولارين يوميا أي أن متوسط دخل المواطن المصري بالسعر الرسمي للدولار 15 جنيها وبسعر السوق السوداء 18 جنيها يوميا أو 500 جنيه شهريا، وهذا الرقم لا يكفي لسداد فاتورة شاي وقهوة وقطعة كيك لبعض اثرياء مصر على مقهى أو كافيه شوب في أحد الفنادق الكبرى بالعاصمة المصرية القاهرة.

وبعيدا عن الوضع الاقتصادي والتعليمي والثقافي انظر إلى الإنسان العربي وابحث عن أعداد المعتقلين والمختفين قسريا وسوف تسمع ارقاما خيالية ولكنك لن تجد تصريحا رسميا واحدا يخبرك بحقيقة عدد المعتقلين والمختفين، فالاعتقال ليس الجريمة الوحيدة بل الانكار هو الجريمة الأشد لأن السلطة باختصار لا تعير المواطن الانسان أي اهتمام ولا يعنيها من قريب أو بعيد إن كان عدد المعتقلين قليلا أو كثيرا، والأخطر ليس جريمة السلطة بل جريمة ما يعرف بالنخب التي تتعامل مع قضايا انتهاك حقوق الانسان بانتقائية عجيبة فهي تنتفض ضد حكم قضائي لكاتب أو مؤلف نال من الدين والملة والشريعة وتغمض العين عن احكام الإعدام والسجن المشدد لمئات الألوف من المصريين إذا اختلفوا مع افكارهم وأيديولوجيتهم أو مواقفهم السياسية.

الإنسان هنا ليس ضحية للسلطة الحاكمة وحدها بل لرجال الأعمال الذين يسيطرون على قلتهم على ثروات الوطن العربي بأسره فهناك 2% من المواطنين يسيطرون على 80% أو أكثر من الثروة في عالمنا العربي. ومن المثير حقا أن يكون على قائمة أثرياء العالم رجال أعمال عرب والأكثر إثارة هو أن يكون هناك من بين أغنى أغنياء العالم رجال أعمال مصريين مثل عائلة ساويرس التي جاء أربعة من أبنائها ضمن قائمة عام 2015 وهم الأب أنسي والأبناء سميح ونصيف ونجيب، إضافة الى عائلة منصور ويمثلها يوسف ومنصور ومحمد.

وليس الأمر متوقفا على السلطة المستبدة ورجال الأعمال الجشعين، بل وكما ذكرت في المقال السابق فإن رجال الدين ( السلطاني) هم أحد اضلاع المثلث الذي يحاصر الإنسان في بلادي وفي جل بلاد العرب.

وكما أن للدولة رجال دين يتم استدعاؤهم في الحوادث والملمات فإن الأخطر هو أن لكل مؤسسة أو جماعة رجال دينها أيضا وهؤلاء في نظري هم الأخطر لأنهم يقومون بصياغة مفهوم الدين على مقاس من يدير تلك المؤسسات وأعطي هنا مثالا واحدا ولن أطيل، فالشورى عند كثير من الفقهاء ملزمة للحاكم أو للأمير أو للمسئول أو القائد ولكن وكما نزعت الحكومات الدسم من الشورى وجعلت من الحاكم الفرد هو الشورى والرأي، فقد نزع علماء بعض الجماعات دسم الشورى وجعلوها مجرد ديكور يتم استخدامه من أجل تحسين الصورة، وليس من أجل البحث عن حلول عند من انتخبهم الناس ليكونوا أهل رأي وفكر.

أخطر ما تعرض له الانسان المصري والعربي بشكل عام هو عملية غسيل المخ المتواصلة حتى صار مسخا لا رأي له، و مجرد خيال مآته لا روح فيه ولا عقل له، وماذا بعد لأن فقد المرء عقله سوى السير في الطرقات شريدا لا يدري إلى أين ولا لماذا ولا متى؟.

لسنا بدعا من الأمم ولا الدول في دخولنا للتيه؛ فقد دخلته أمم وجماعات من قبل وتمكن بعضها من الخروج ودفن البعض الآخر حيا أو ميتا تحت ركام ما تبقى من حضارة أو إنجاز لم يتم الحفاظ عليه.

رحلة الخروج من التيه قد تبدو مستحيلة ولكنني أراها صعبة وليست مستحيلة بشرط واحد، هو أن يستعيد المواطن عقله، فكيف يكون ذلك؟ هذا ما نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.

للاطلاع على المصدر هنا
0
التعليقات (0)