ملفات وتقارير

إخفاقات الإسلاميين.. ارتجالية الممارسة أم شراسة المواجهة؟

متظاهرة في حركة تمرد قبل الانقلاب على مرسي- أرشيفية
متظاهرة في حركة تمرد قبل الانقلاب على مرسي- أرشيفية
اتصفت تجارب الإسلاميين في الحكم والسلطة، خاصة في مصر وتونس بقصر مدتها، ومحدودية الصلاحيات الممنوحة لهم في إدارة شؤون الدولة، وقد مكنتهم تلك التجارب من اختبار مصداقية المسار الديمقراطي، واكتشاف مدى هشاشته في العالم العربي بحسب محللين وباحثين.

وقد تباينت الرؤى في تحليل أسباب إخفاقات الإسلاميين وفشلهم (أو إفشالهم)، بين تحليلات أرجعتها إلى ارتجالية أداء الإسلاميين، بسبب افتقارهم إلى خبرة الحكم السابقة، وأخرى اعتبرت شراسة القوى المضادة والكارهة لوصولهم إلى السلطة  العامل الأساسي في إفشالهم، إلى رؤية ثالثة رأت أن اجتماع الأمرين معا أفضى إلى فشل الإسلاميين وإفشالهم.

ووفقا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، شفيق الغبرا فإن تقييم تجارب الإسلاميين في السلطة يخضع لعدة موازين، أولها عدم وجود تجارب سابقة لهم في الحكم، وهو ما ينطبق على القوى السياسية العربية الأخرى، والثاني احتكار الأنظمة الحاكمة للسلطة السياسية في العالم العربي، وغياب الأعراف المنظمة لتداول السلطة سلميا طوال العقود السابقة.

وأشار الغبرا في حديثه لـ"عربي 21" إلى أن تجارب الإسلاميين في السلطة تعتبر تجربة حديثة على المجتمعات العربية التي لم ترسخ فيها الممارسة الديمقراطية بعد، وجاءت في محيط عربي وإقليمي ودولي يتخوف جدا من وصول الإسلاميين إلى السلطة، وتعتريه هواجس كثيرة جراء ذلك.

وقال الغبرا جوابا عن سؤال بشأن تقييمه لأداء الإسلاميين في السلطة "إنهم يتعلمون من تجاربهم السيئة والجيدة"، لافتا إلى أن قصورهم في إدارة شؤون الدولة لا يعتبر مشكلة قاصرة عليهم، بل هي مشكلة جميع القوى السياسية العربية الأخرى، لأنهم جميعهم لم يسبق لهم ممارسة السلطة والحكم من قبل.

لكن كيف ينظر أستاذ العلوم السياسية إلى سلوك غالب الأنظمة السياسية العربية التي تسعى لإقصاء الإسلاميين عن المسرح السياسي بالكلية؟ أجاب الغبرا بأن ذلك السلوك يمثل محاولة إعادة بناء سلطوية جديدة، وهو انسحاب من آفاق التداول السلمي على السلطة في الوقت نفسه.

وتابع الغبرا قائلا إن عملية إقصاء الإسلاميين لن تحقق استقرارا سياسيا في الدول العربية، ولا بد من صيغ توافقية، تُشكل جماعات الإسلام السياسي المؤمنة بالعمل السلمي أحد مكوناتها الأساسية، في ظل احترام شروط اللعبة الديمقراطية، وسيادة القانون.

بدوره رأى الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، كمال حبيب أن الحركات الإسلامية مارست طوال العقود السابقة دور المعارضة، الذي تجيده بكفاءة، وتصلح له أكثر من صلاحها للسلطة، لافتا إلى أن فكرة الدولة وإدارة مؤسساتها ليست عريقة في أوساط تلك الحركات والجماعات، وهي كذلك ليست واضحة، ومحددة المعالم بشكل كاف في العقل الإسلامي.

وأضاف حبيب "لقد اعتادت تلك الجماعات على تقديم الإسلام المواجه وليس الإسلام المشارك" وقد أقامت مفاهيمها كافة، بما فيها تلك المتعلقة بالشأن السياسي على الرؤية العقدية، ما أدخلها في أزمات شديدة مع القوى الأخرى، التي لم تستطع خلال ممارستها السياسية التخلص منها، أو تجاوزها.

وقال حبيب جوابا عن سؤال "عربي 21" حول مظاهر الخلل والقصور في أداء الإسلاميين "لا يملك الإسلاميون مشروعا للحاضر ولا خططا للمستقبل، وكل ما قدموه لا يعدو أن يكون خطابا وعظيا عاطفيا، ومشروع النهضة الذي قدمه إخوان مصر منقول عن كتابات الدكتور جاسم سلطان (القطري)، وهي صياغات نظرية فضفاضة وعامة".

وطبقا لحبيب، فإن خطاب الإسلاميين لا يعكس تفهما واعيا للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، وساهم في تضخيم صورتهم عالميا أكبر بكثير من حجمهم الحقيقي، كما أن ثقتهم بالآخرين هي من جنس الثقة الدينية الورعية، وليست الثقة المنبثقة من الوعي، ما سهل خداعهم وتضليلهم.

ولفت حبيب إلى أن افتقاد الإسلاميين لخبرة الحكم السابقة، أوقعهم في إشكالات وأزمات كثيرة، خاصة في النواحي الأمنية، واكتشفوا بحكم الممارسة القصيرة أن المؤسسات المتحكمة في مفاصل الدولة، كالإعلام والقضاء والشرطة والجيش، ليست بأيديهم، ما جعلهم يبحثون باندفاع وتهور عمن يدعمهم في الجيش.

وانتقد حبيب بشدة غياب مراكز الدراسات والبحوث الرصينة من أوساط الحركات والجماعات الإسلامية، متسائلا: إلى متى سيبقى الإسلاميون يديرون حركاتهم وفق تصورات عاطفية، ويضعون سياساتهم بشكل متسرع، ويتخذون مواقفهم في لحظة اندفاع وكردة فعل غالبا، بعيدا عن الاسترشاد بالدراسات الموثقة، والخطط المدروسة بعناية، والاستناد إلى التحليلات الرصينة؟

في السياق ذاته لم يتردد المراقب العام السابق لإخوان الأردن، سالم الفلاحات من الاعتراف بأن الإسلاميين (وهو منهم)، لم يمتلكوا بعد أدوات السلطة الكافية لإدارة مؤسسات الدولة وشؤون الحكم، لأنهم قضوا شطرا كبيرا من ثقافتهم ودعوتهم وممارساتهم وتخطيطهم في مجالات أخرى بعيدة عن إدارة الحكم والدولة.

وتابع الفلاحات: "نعم لدينا قصور ذاتي فيما يتعلق بإدارة الحكم والدولة، لأننا ببساطة لم نمارس ذلك من قبل، وليس لدينا خبرة، ولم نتدرب عليه، وفي الوقت نفسه لم نستوعب كفاءات المجتمع كافة استيعابا كافيا وواعيا، وليس لدينا كوادر تكنوقراطية كافية لإدارة الدولة، فلا بد من استيعاب جميع الكفاءات والقدرات في المجتمع.

ولفت الفلاحات إلى أن هذا النقص والقصور ليس محصورا بالحركات الإسلامية فقط، بل هو موجود بنسب متفاوتة في القوى السياسية المختلفة كافة، ما يحتم على الجميع التعاون والتنسيق، لعجز أي اتجاه سواء كان إسلاميا أو غيره عن بناء الدولة بناء صحيحا وقويا بصفة مستقلة، فالاتجاهات الفكرية كافة فشلت أو أُفشلت في بناء الدولة العربية، وهي تتعرض لأزمة وجود كبيرة في الآونة الأخيرة.

وقال الفلاحات في رده على سؤال "عربي 21" بشأن فشل الإسلاميين أو إفشالهم "يبدو أن ثمة قرارا لدى دوائر صنع السياسات والقرارات لا يُسمح بموجبه للإسلاميين بالوصول إلى الحكم، لاحتمالية تشكليهم بديلا إسلاميا حضاريا (سنيا) من جهة، ولما يشكلونه من خطر على مصالح العدو الإسرائيلي في المنطقة كما يُنظر إليهم.

وحول تجربة إخوان مصر في السلطة، أرجع الفلاحات أسباب إخفاقها إلى قصور أداء الإخوان من جهة، والعقبات والموانع المحلية والإقليمية والدولية من جهة أخرى، فاجتماع الأمرين معا ساهما في فشل الإسلاميين لقصورهم الذاتي، وإفشالهم بسبب المكر والأخطار الخارجية.

وتعقيبا على ما يشيع في أوساط إسلامية من استحضار فقه الابتلاء وبعث أدبياته من جديد، بعد ما حل بإخوان مصر، باعتبار المحنة والامتحان سنة ملازمة للدعوات، انتقد الفلاحات هذا الفهم داعيا إلى ضرورة إعمال أدوات المراجعة وتقويم التجارب، واستخلاص العبر والدروس منها.

وتساءل الفلاحات: هل إسلاميو القرن الواحد والعشرين أعلى قدرا، وأرفع شأنا من الصحابة الكرام الذين أرشدهم الله إلى تلمس حالة فشلهم (والقرآن سماها فشلا.."فشلتم وتنازعتم في الأمر") بسبب أخطائهم وسوء تقديرهم، فخاطبهم بقوله (قل هو من عند أنفسكم) حينما تساءلوا عن أسباب ما حل بهم من مصيبة يوم أحد، فمع شدة مكر الأعداء وشراسة عداوتهم إلا أنه أرشدهم إلى مراجعة أنفسهم وتقويم حالهم، وهو ما يحتاجه الإسلاميون تماما هذه الأيام على حد قول الفلاحات.
التعليقات (3)
محمد شيباني
السبت، 16-04-2016 04:31 م
تحليل قيم واجب على الاسلاميين ان يتعلموا من تجاربهم ويراكموا الخبرات لأن عصر المعجزات قد ولى ولا بد لهم من ان يبذلوا المزيد من الجهد حتى يستطيعوا ان يتحملوا اعباء الحكم وقيادة الدولة وهذا الجهد يجب ان يكون جهد موءسساتي ومتراكم من خلال تجهيز واعداد كفاءات قادرة في كل مجال وخاصة في المجال السياسي والعلاقات الدولية والمجال العسكري والاقتصادي ويجب التعلم من تجربة تركيا
علي
السبت، 27-02-2016 09:55 ص
المشكلة في الذوق المنجط للجماهير و التي تسير حسب المخطط الصهيوني . تصور ان البلهاء يتهمون الاخوان بالماسونية !!!!!!
عمر
الجمعة، 26-02-2016 06:13 م
الإسلاميون لم يحكموا أصلا، كانوا حكمهم صوري وبلا صلاحيات، وهم صدقوا أنفسهم وخدعوا أنفسهم وخدعوا جماهيرهم.