مقالات مختارة

تواطؤ أم سوء تقدير؟

حسن البراري
1300x600
1300x600
عمليا، تحوّل التدخل العسكري لروسيا إلى اعتداء صريح على الشعب السوري. ووفقا للكثير من المراقبين، لا يمكن فهم التهجير الممنهج للسنة في حلب إلا في سياق وضع العقبات الحقيقية أمام بدء عملية حقيقية للانتقال السلمي في سوريا، لعل روسيا مع عملائها السوريين والإيرانيين يتمكنون من حسم الصراع عسكريا، فهؤلاء يشعرون أن هناك نافذة فرصة تتمثل بتواطؤ كيري وأوباما، وهي نافذة ستغلق بعد أقل من عام من اليوم.

فمع دخول سوريا إلى مرحلة مختلفة بعد أن بدأ التدخل الروسي يصنع الفارق بدا لافتا في الآونة الأخيرة عجز الدبلوماسية الأمريكية عن التأثير بمجريات الأحداث في سوريا، والمفارقة أن عملية جنيف الأخيرة أسست لمرحلة جديدة عنوانها الاعتداء الروسي على حلب.

والحديث عن المآسي الإنسانية لا يعني الكثير على أرض الواقع، فنحن أمام إيران وروسيا وليس في سجلهما احترام الإنسان كقيمة لا في بلادهما ولا خارجها وبالتالي فإن الحديث عن المأساة الإنسانية لا يضير أشخاصا مثل بوتين، فهؤلاء مدفوعون برغبة عارمة لتحقيق إنجازات مستغلين موقف إدارة أوباما التي لا تمنع الروس من ارتكاب المجازر في وقت تمنع حلفاءها من تقديم مساعدات عسكرية نوعية للثوار المعتدلين.

الإدارة الأمريكية لها فلسفة غريبة تتمثل في استغلال الاعتداء الروسي على الشعب السوري لتطويع المعارضة للقبول بحل سياسي وكأن الطرف الآخر يقبل بأي حل لا يتمثل في إعلان المعارضة الاستسلام أمام قوات الأسد، وكل تحذيرات أوباما بأن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة ذهبت أدراج الرياح لأن الرئيس بوتن يهزأ بها ويعتقد بأنه سينتصر بسوريا.

وفجأة يطل علينا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محذرا روسيا من أن في جعبة بلاده خطة "ب" في حال عدم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار! تحذيرات كيري لا تغير من الواقع شيئا وبخاصة أن الطرفين الإيراني والروسي واثقان من تردد أوباما.

ووفقا لديفيد أغناتيوس من الواشنطن بوست، فإن استراتيجية جون كيري تعاني من عيوب منطقية كانت سببا في تعطل الحل، فرهان كيري بأن روسيا وإيران ستتخليان عن الأسد هي خاطئة، ومما يزيد الطين بلة أن الرئيس أوباما يرفض أي دعم عسكري يغير من موازين الصراع على الأرض. 

ويشير أغناتيوس إلى حسابات كيري منذ البداية وهي أنه كان يأمل أن تقرر روسيا بأن مصالحها في سوريا يمكن الحفاظ عليها بانتقال سياسي لأن الانفجار في سوريا وخطر الحرب الطويلة سيعني استمرار تورط روسيا على الأرض وارتفاع عدد الإرهابيين. غير أن تقديرات مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر هي أن روسيا تفكر بطريقة مختلفة وتعتقد بأنها يمكن أن تنتصر عسكريا وتساعد بشار الأسد على استعادة أراض فقدتها قواته في الصيف الماضي.

في أدبيات المفاوضات يمكن حل الأزمة المسلحة فقط عندما تكون هناك لحظة نضوج لهذه الأزمة وفيها يشعر الطرفان بأن أيا منهما لا يمكن أن ينتصر عسكريا وأن كلفة استمرار الصراع تفوق بكثير عوائده، عندها يكون لبدء التفاوض معنى، غير أن الوضع في سوريا مختلف نوعا ما، فكلما حققت روسيا إنجازات عسكرية غيرت من مطالبها مما يدفع المعارضة إلى الرفض وهذا بدوره يديم من المأساة الإنسانية في وقت يقف فيه العالم موقف المشاهد اللامبالي.

لم يعد مقنعا أن تستمر الولايات المتحدة في تفحص جدية الطرفين الروسي والإيراني، فهاتان الدولتان لهما مصالح مختلفة وتعتقدان أن هناك إمكانية تحقيق نصر حاسم فلماذا إذن تتنازلان عن مثل هذا النصر؟ هذا هو المنطق الذي على الحمائم أمثال جون كيري ورئيسه أن يفهموه ويعملوا وفقا لذلك، فمشكلة داعش لا تقلق مضاجع الروس والإيرانيين الذين يعتقدون أن أمريكا معنية بها وعلى عاتقها يقع عبء القضاء على داعش، ودورهم وفقا لهذا الفهم هو مساعدة بشار الأسد في إلحاق هزيمة ببقية الشعب السوري.

في خضم ذلك عقد في الأمس اجتماع "دول دعم سوريا" في ميونخ، والذي وعد فيه كيري بتفحص جدية الروس والإيرانيين، لكن حسابات كيري ليست دقيقة، وربما هي للتغطية على ضعفه وعدم رغبة رئيسه في التورط عسكريا وهذا ما يفهمه الإيرانيون والروس جيدا، فهم يعتقدون أن أوباما لن يشتري فكرة "خطة ب" في آخر عام من رئاسته، فالرئيس أوباما لن يتورط عسكريا، لكن المشكلة التي لا يدركها الحمائم أمثال كيري ورئيسه أن فقدان قوة الردع سيكون كارثيا على بلاده لأن كلفة استعادة الردع هي أعلى بكثير من العمل الآن بوسائل متاحة! وبصرف النظر عن كون الأزمة نتيجة تواطؤ أم سوء تقدير، فالنتيجة واحدة.

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)