مقالات مختارة

حتمية المصالحة الفلسطينية

السيد عبد العليم
1300x600
1300x600
انطلقت يوم الأحد الماضي في العاصمة القطرية الدوحة جولة مفاوضات جديدة لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وتأتي هذه الجولة في وقت بالغ الصعوبة بالنسبة للقضية الفلسطينية عموما.

عقب الانتخابات العامة التي جرت في الأراضي الفلسطينية عام 2006، وفوز حركة المقاومة الإسلامية فيها، سرعان ما دب الخلاف بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين حركة فتح وحركة حماس. وترتب على ذلك أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في عام 2007. ومنذ ذلك الحين، تجري من وقت لآخر محاولات لرأب الصدع وإنهاء الخلاف بين الطرفين والعمل على لم الشمل والتوصل إلى اتفاق مصالحة يجمع الفصيلين. لكن حتى الآن تراوح محاولات المصالحة مكانها ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يجري تنفيذه على الأرض بين الفصيلين.

غير أن القضية الفلسطينية تتعرض الآن لضغوط وعوامل تجبر طرفي النزاع على التوحد وتحقيق المصالحة وعدم تعنت أي منهما في سبيل ذلك. واذا كنا نرى ابتسامات عريضة في وجه ممثلي حركة فتح والسلطة الفلسطينية في لقاءاتهم السابقة مع المسئولين الإسرائيليين، فهل نطمع في أن نرى مثل ذلك الوجه المبتسم في وجه المفاوضين من حركة حماس ولا يكون ذلك الوجه العبوس المكفهر الذي نلحظه في كل مرة من مرات لقائهما.

إن الوضع الفلسطيني الحالي يحتم المصالحة وذلك لعدة أسباب من بينها:

ـ انغلاق الأفق السياسي في وجه الفلسطينيين. فبعد اكثر من عقدين من اتفاقات أوسلو ثم الإعلان عن حل الدولتين من قبل الإدارة الأمريكية عبر المفاوضات، لم يعد ذلك قائما الآن جراء تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وبالأخص الحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو الذي نسف كل ما يؤدي إلى حل سياسي قائم على التفاوض. وما ترتب على ذلك من جانب الطرف الفلسطيني الرسمي بالتخلي عن خيار المقاومة منذ أوسلو. وقد أثبتت التجربة فشل ذلك بشكل واضح، وإلا ما كان هذا التنمر الصهيوني. 

وقد اتضح في السابق أن العمليات الاستشهادية التي كانت تستهدف قلب الاحتلال، كانت الدافع أو الضاغط الأساسي وراء رضوخ الحكومة الإسرائيلية ومحاولة تغيير جلدها بإعطاء الفلسطينيين الأمل في وجود أفق سياسي. في حين أنها أزالت هذا القناع الحين وكشفت عن وجهها القبيح بانه ليس في جعبتها سوى التمدد الاستيطاني والتهام مزيد من الأراضي ومزيد من تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية بالحواجز. ومزيد من الاعتقالات والاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين. أي الوجه القبيح للاحتلال.

ـ التردي الكبير في الأحوال المعيشية للفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. ويأتي ذلك جراء الضغوط المالية الكبيرة التي تتعرض لها السلطة في الضفة بسبب سيطرة الاحتلال على غالبية الإيرادات المالية الخاصة بها من جمارك وضرائب وغيرها وابتزازها في ذلك بشكل يزيد من معاناتها في توفير الإيرادات اللازمة لمعيشة المواطنين. وبالنسبة لغزة فيتزايد تردي الأوضاع في القطاع بسبب استمرار الحصار الجائر. ويظهر ذلك في الأزمات الخانقة التي يعيشها القطاع لاسيما في مجال الكهرباء والمياه ورواتب الموظفين وغير ذلك.

ـ الاستفزازات والاعتداءات المتكررة من جانب قوات الاحتلال على البقاع المقدسة وتقييد ومحاولات منع وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى في الوقت الذي يتم فيه السماح للمتطرفين الإسرائيليين بتدنيس تلك البقاع. مما ألهب مشاعر الغضب الشعبي الفلسطيني وجعله ينتفض في وجه تلك الممارسات القبيحة.

ـ التعنت الأمريكي من خلال مواجهة كل تحركات السلطة الفلسطينية على الصعيد الدولي من قبيل الانضمام إلى المنظمات والمؤسسات الدولية وجر إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وغير ذلك. حيث تسعى الإدارة الأمريكية بكل ما أوتيت من قوة لإجهاض كل المحاولات الفلسطينية في هذا السبيل.

ـ انشغال أغلب البلدان -إن لم يكن كل- البلدان العربية تقريبا بمشاكلها وأوضاعها الداخلية، حيث صارت أغلب البلدان العربية تعاني من مشاكل مالية كبيرة. فضلا عن انشغال البعض بعدم الاستقرار الداخلي. إضافة إلى تورط البعض في صراعات أخرى في المنطقة وتصدر مشاكل أخرى مثل الأزمة السورية واليمنية والليبية على حساب القضية الفلسطينية بشكل جعلها تتراجع كثيرا في جدول أولويات السياسات العربية.

ـ انشغال بعض القوى الإقليمية التي كانت تدعم الفلسطينيين بمشاغلها الداخلية وصراعاتها السياسية في المنطقة مثل ايران وتركيا. بل وحتى القوى الكبرى باتت اكثر انشغالا بالقضايا والأزمات الأخرى في المنطقة على حساب القضية الفلسطينية.

ـ محاولات بعض الأطراف العربية تذكية الانقسام داخل السلطة الفلسطينية وحركة فتح مثل تذكية الصراع بين جناح رئيس السلطة محمود عباس ومحمد دحلان. وهو الأمر الذي يزيد من الضغط على حركة فتح للإسراع بالمصالحة حتى يكون لها حليف وحتى يكون لها قوة تجعلها قادرة على التصدي للاحتلال فضلا عن التصدي لمحاولات تقسيم الحركة من الداخل.

كما تعاني حماس من تردي علاقاتها بمصر الجار لها والتي تتحكم في معبر رفح رئة القطاع للخارج. ويمكن حال تحقيق المصالحة بين فتح وحماس أن تعمل على بحث آلية إدارة المعابر وخاصة معبر رفح الحدودي مع الجانب المصري الذي لا يرغب في أن تديره حماس. فحال المصالحة والتوافق يمكن إيكال إدارة المعبر لحكومة التوافق وابتعاد حماس عن إدارة المعبر ولو بشكل غير مباشر.

واذا كانت هذه عوامل سلبية تدفع في اتجاه توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهتها، فإن هناك في الوقت ذاته عوامل إيجابية تدفع هي الأخرى في سبيل إتمام المصالحة الفلسطينية إن لم تكن تحتمها من بينها:

ـ تصاعد حركة المقاومة للاحتلال من خلال تلك العمليات النوعية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني بعمليات الطعن لعناصر قوات الاحتلال. الأمر الذي أحدث فزعا ورعبا داخل أوساط كيان الاحتلال على كل المستويات. فضلا عن المظاهرات والمسيرات ورشق قوات الاحتلال بالحجارة وغير ذلك من مظاهر المقاومة.

ـ تصاعد الدعم والتأييد الدولي للقضية الفلسطينية. وذلك بزيادة عدد البلدان التي صارت تعترف بدولة فلسطين في أمريكا اللاتينية وفي أوروبا وغيرها. ولعل أحدثها إعلان فرنسا عزمها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، اذا لم يتم تحقيق اختراق سياسي. إضافة إلى انتقاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشكل واضح لممارسات الاحتلال.

- حركة المقاطعة المتصاعدة على الصعيد الدولي لمنتجات مستعمرات الاحتلال خاصة في البلدان الأوروبية كبريطانيا وغيرها.

في المجمل، فإن كل الظروف والأحوال تدفع بالفصيلين إلى تنحية خلافاتهما جانبا والوصول إلى حلول توافقية ومن ثم تحقيق المصالحة الحقيقية بدلا من التنازع والتشاجر الذي لا يخدم إلا أعداءهم وأعداء الشعب الفلسطيني. وإلا سيشهد التاريخ على كل طرف، مهما كانت مبرراته، بأنه تعنت وتخاذل وفرط في حق قضيته. 

وإذا كان سبق أن تنازل الفلسطينيين عن بعض من حقوقهم لصالح الاحتلال من اجل البقاء، فلماذا لا يتنازل الأخ لأخيه من اجل بقاء واستمرار الشعب الفلسطيني الأبي خاصة في هذه المرحلة التي ينتفض فيها في وجه قوات الاحتلال ويأمل في لحمة ساسته؟

عن صحيفة الوطن العمانية
0
التعليقات (0)