مقالات مختارة

المثقف وضياع البوصلة !

أمل زاهد
1300x600
1300x600
يفترض في المثقف أن يكون ضمير الأمة وعقلها الواعي القادر على استنطاق الواقع، واستشراف المستقبل بقراءة معطيات الحاضر، معتمداً على أدواته النقدية التحليلية.

وذلك ليتمكن من قراءة الأحداث بموضوعية تساهم في عقلنة الرأي العام ، بعيداً عن التهييج والإثارة وصخب المزايدات الانفعالية، التي تغمم الوعي ولا تساهم في قشع الرؤية ، بقدر ماتساهم في الإساءة إلى الوطن، وتنميط صورة الإعلام والصحافة، والذي تبدو فيه كثير من الطروحات نسخة طبق الأصل من بعضها بعضاً. 

والمثقف الحقيقي لا يداهن الشارع، ولا يتورط في الانجراف وراء السائد من العنتريات طمعاً في رضا الجماهير، ولكن يمارس مهمته في القراءة والتحليل والنقد والاستشراف ومَنْطَقة الأمور وعقلنة الرؤى، فهو ينطلق أولاً وأخيراً من حرصه الشديد على الوطن، ورؤيته الواعية لمصلحته البعيدة المدى.

وغني عن الذكر أن الحرب أولاً وأخيراً خيار المضطر عند استنفاد الوسائل الدبلوماسية في حل الخلافات، وكلنا يعرف ويلات الحروب وما يمكن أن تجرَّه على الأوطان من خسائر فادحة، لذا أتعجب من تورط كثير من المثقفين والكتَّاب في خطاب حماسي ومزايدات انفعالية تحت عناوين فاقعة أبعد ما تكون عن الرؤية الواقعية للأحداث. 

الدفاع عن الوطن والذود عن سمعته في أوقات الأزمات لا يكون بالعنتريات الغوغائية ولا باللغة الحماسية المنفعلة أو صب الزيت على النار، ولا برصِّ المذمات الرنانة وصفِّ النعوت القادحة، بل يكون بتقديم التحليلات الواقعية المبنية على معلومات وحقائق بلغة علمية نقدية رصينة بعيدة عن الإسفاف، وبتقديم الدفوع القوية عبر طرح إعلامي احترافي ومهنية عالية. 

الدفاع عن الوطن لا يكون أيضاً عبر كيل التهم لمكوِّن من مكوناته، ولا بتخوين فئة منه طبقاً لانتمائها المذهبي، وعلينا أن لا ننسى أن مخطط الفوضى الخلاقة وتقسيم المقسَّم يقوم أولاً على إذكاء الفتن المذهبية، لتتحول أوطاننا العربية إلى كانتونات طائفية ضعيفة، وذلك لصالح عدونا الأول: إسرائيل.
 
الدفاع عن الوطن لا يمكن أن يتأتى أيضاً عبر الفرز الطائفي والتقسيم الافتئاتي القائم على تكريس الحالة الطائفية، بدلاً من تفكيكها والاستظلال بمظلة الانتماء الواسع للمواطنة، وهو ما رأيناه للأسف في طروحات بعض الكتاب والمثقفين وإصرارهم على تقسيمات نحن وهم، ومطالبات ظاهرها دحض الطائفية وباطنها تعزيزها بتضمينها لغة تخوينية تقسيمية، يتم فيها مطالبة « عقلاء طائفة محددة « بإيضاح مواقفهم في قضايا خارجية واستنكار هذا الحدث أو ذاك، بناءً على الانتماء المذهبي. 

من المعيب أن ينجرَّ المثقف وراء هذا المنطق الاستعلائي التصنيفي ليقول لا أريكم إلا ما أرى رغم مزاعم انحيازه للحرية والفردية.

الدفاع عن الوطن يكون أولاً بتقوية الصف الداخلي واحتواء طوائفه لا تخوينها، وتحصينه من الانقسامات وشق الصف، وهنا يتجلى دور المثقف الحريص على وطنه ووحدته. 

عن صحيفة المدينة السعودية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل