بورتريه

هشام جنينة.. في دائرة النار (بورتريه)

جنينة يعتبر من رموز تيار "استقلال القضاء" - عربي21
جنينة يعتبر من رموز تيار "استقلال القضاء" - عربي21
أحد رموز تيار "استقلال القضاء"..

تشهد العلاقة بين النظام الحاكم في مصر وبينه توترا شديدا، حيث يعد المسؤول الوحيد الذي تم تعيينه في عهد الرئيس محمد مرسي وما زال في منصبه على غير رغبة النظام.

يتهمه رموز النظام بأنه "خلايا نائمة لجماعة الإخوان المسلمين"، وهي التهمة الأكثر شيوعا وسهولة في مصر بعد انقلاب تموز/ يوليو عام 2013 ضد الرئـيس المنتخب مرسي، كما أنها تهمة كفيلة بتدمير أي شخص في مصر بوجود الآلة الإعلامية الموالية بالكامل للنظام.

فتحت تصريحاته التي قال فيها إن حجم فاتورة الفساد في الدولة وصل في عام 2015 إلى 600 مليار جنيه، نيران الأذرع الإعلامية وأبواق النظام ضده.

وهي تصريحات تستكمل تصريحات صحيفة له نشرت في آذار/ مارس عام 2014 تؤكد أن "الفساد في وزارة الداخلية بالمليارات.. وأن مصلحة الأمن العام ومقربين من وزير الداخلية الأعلى فسادا".

ويغامر بوضع يده على أخطر منابع الفساد في وزارة الداخلية ومنها الصناديق الخاصة في الوزارة، مؤكدا أن حصيلة أموال هذه الصناديق، التي لا يعرف أحد عنها شيء، تزيد على 12 مليار جنيه، إضافة لمخالفات مالية كبيرة لرئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند ونادي القضاة والنيابة العامة.

وأكد جنينة إهدار ما يقرب من 70 مليار جنيه من المال العام، تشمل رئاسة الجمهورية وقطاع النقل البحري وقطاع البترول وغيرها من القطاعات الحيوية.

المستشار هشام جنينة المولود في المنصورة عام 1954، والمتخرج في كلية الشرطة عام 1976، بدأ العمل ضابطا بمديرية أمن الجيزة، ثم انتقل للعمل في النيابة العامة حتى أصبح قاضيا، وتمت إعارته للعمل قاضيا بالكويت لمدة ست سنوات.

كان عضوا في عدة مجالس لنادي القضاة، وخسر في انتخابات نادي القضاه أمام أحمد الزند، وتردد اسم جنينة كثيرا لتولي منصب وزير العدل.

كان رئيس محكمة استئناف القاهرة، حين أصدر مرسي قرارا في أيلول/ سبتمبر عام 2012، بتعيينه رئيسا لـ"الجهاز المركزي للمحاسبات" الخاضع مباشرة لرئاسة الجمهورية.

كلامه حول الفساد لم يعجب عبد الفتاح السيسي الذي أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في أرقامه، جميع أعضائها من الكارهين والمناوئين له.

وأمعن السيسي في استفزاز جنينة حين أصدر قرارا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بتعيين نائبين جديدين لجنينة، دون استشارته، أحدهما على علاقة سيئة به، وهو المستشار هشام بدوي المساعد السابق لوزير العدل أحمد الزند، في إطار الضغط عليه لإجباره على الاستقالة.

تقرير "لجنة السيسي" حول أرقام جنينة، شكك بجميع الأرقام، وهاجم تصريحات جنينة لأنها تضمنت خمس نقاط أساسية هي: "التضليل والتضخيم لقيمة ما سمي بالفساد، وفقدان المصداقية، ووجود إغفال متعمد لحقائق وملاحظات، وإساءة توظيف الأرقام والسياسات، ما يظهر الإيجابيات بشكل سلبي، وإساءة استخدام كلمة الفساد".

ولم تنتظر المدافع الإعلامية للسلطة طويلا؛ فقد بدأت معركة التراشق الإعلامي حتى قبل صدور تقرير "لجنة السيسي"، وتعرض جنينة لحملة إعلامية ممنهجة لدفعه إلى الاستقالة، إلا أن كل المحاولات لدفعه لهذا القرار فشلت حتى الآن، فمنصبه محصن دستوريا لا يمكن لأحد عزله من منصبه حتى وإن كان رئيس الجمهورية.

وامتدت الإساءة لزوجته على خلفية ترددها على قطاع غزة، وقالت وفاء قديح إن سبب زياراتها للقطاع هو الاطمئنان على أسرتها.

وأبدت قديح استياءها إزاء "ادعاء أحد الإعلاميين أنها تدير ملهى ليليا"، وقالت إن "البعض حاولوا التفتيش عن أي وقائع تسيء للمستشار هشام جنينة ولكنهم فشلوا، لأنه إنسان نظيف للغاية ووالده قاض مشهود له بالنزاهة العالية".

وقرر نواب مقربون من النظام على رأسهم  مصطفى بكري، استدعاء جنينة أمام مجلس النواب للإجهاز على ما تبقى منه، وستعرض "لجنة السيسي" تقريرها على المجلس بناء على قرار من السيسي نفسه وهو ما يستوجب حضور جنينة أمام البرلمان.

ومن المتوقع أن تكون جلسة محاسبة جنينة أمام البرلمان الرصاصة الأخيرة التي ستطلقها عليه الجهات التي تجهز لاغتياله منذ سنوات، حتى من قبل توليه رئاسة " المركزي للمحاسبات"، عقابا له على دوره في "تيار الاستقلال" الذي واجه الرئيس المخلوع حسني مبارك..

ويطالب جنينة بإخضاع جهاز المخابرات العامة والجيش لرقابة "الجهاز المركزي للمحاسبات"، وهما من أجهزة "الدولة العميقة" في مصر.

وسيطالب المجلس بإحالة تقرير "لجنة السيسي" إلى النيابة العامة بتهمة "الإضرار بالأمن القومي للبلاد والسلم الاجتماعي، بعد نشره معلومات مغلوطة من شأنها تشويه صورة مصر، والتأثير على مركزها الخارجي ومحاسبته، إضافة إلى إفشائه أسرارا على غير القانون، وهو ما يضع جنينة أمام محاسبة قانونية"، بحسب بكري.

وبخلاف عقوبة العزل من المنصب التي يتوقع أن يرفعها البرلمان للرئاسة باعتبارها آتية من النواب ذوي الأغلبية المؤيدة للسيسي، فإن جنينة يواجه الحبس استنادًا إلى المادة 102 من قانون العقوبات.

في الجهة المقابلة، ثمة مشككون بمواقف جنينة وبالضجة التي أثيرت حول تصريحاته، من بينهم المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر والحقوقي في مؤسسة "هيومن رايتس مونيتور" المستشار وليد شرابي، الذي يرى أن "نظام الانقلاب العسكري يستخدم أذرعه السياسية والقانونية لتحقيق هدف واحد هو إلهاء الناس عن قيمة وأهمية التظاهر في 25 يناير (كانون الثاني) الحالي"، حيث إنه اعتبر "كلا من المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، وهشام جنينة من ضمن تلك الأذرع".

يقول شرابي على حسابه في موقع "فيسبوك": "حمدين صباحي حيا شهداء رابعة وقال إن البلد فيها فساد، لكن ما حدش ينزل 25 يناير... وهشام جنينة يقول 600 مليار جنيه فساد لكنه سيرد على المشككين بعد 25 يناير عشان الشارع ما يسخنش".

النتيجة، بحسب شرابي، أن "النظام يستخدم أذرعه السياسية والقانونية لتحقيق هدف واحد وهو إلهاء الناس عن قيمة وأهمية 25 يناير (كانون الثاني) الحالي".

ولا يفهم من تصريحات جنينة حول الفساد أنه من معارضي الحكم العسكري في البلاد فهو نفسه يرى أن عبد الفتاح السيسي "رجل وطني من الطراز الأول، رهن حياته في 30 يونيو بالانحياز للإرادة الشعبية التي أنهت حكم الإخوان بعد عام من الفشل في إدارة البلاد".

ويذهب بعيدا في تملق النظام حين يقول: "أن السيسي كثيرا ما نصح الرئيس المعزول مرسي معترضا على سوء الإدارة، ولكنه لم يأخذ بنصيحته، وذكر أنه يخشى من انقضاض فلول مبارك والإخوان على ثورتي يناير ويونيو بعد تعثرهما في تحقيق العيش والعدالة الاجتماعية".

الإعلام المصري بدأ يتحدث عن المستشار الذى سيخلف هشام جنينة فى رئاسة "المركزي للمحاسبات" وهو هشام بدوي، المحامى العام الأول لنيابات أمن الدولة الأسبق، والذي أصبح وبأمر السيسي نائبا لجنينة.

هل تصريحات جنينة، والهجمة الإعلامية عليه، جزء من خطة النظام لإجهاض أي تحرك شعبي كبير في "25 يناير" الحالي، أم إنه تجاوز للخطوط المرسومة له؟!

الإجابة ليست منفصلة عما يحدث في مصر وما يطلق من تصريحات ومواقف هي أقرب إلى مسرح اللامعقول لصموائيل بيكيت، فالانقلاب العسكري ومنذ أن تسلم السلطة، يأكل مؤيديه ويقتات على بقايا سمعتهم، والقائمة طويلة من سياسيين ورجال دين وإعلاميين وغيرهم استغنى عنهم النظام عندما أصبحوا أوراقا محترقة!
التعليقات (0)