قضايا وآراء

حماس والنظام الدولي

محمد غازي الجمل
1300x600
1300x600
خصص حلف الناتو أحد محاور منتداه السنوي في العام 2015 لموضوع "انهيار النظام العالمي"، وهذا مؤشر هام على جدية المخاوف الغربية بهذا الشأن، وتتعزز هذه المخاوف بشكل مطّرد بمشاهد الفوضى غير المسبوقة، منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية وتشكَّل النظام الدولي بصورته الحالية.
وقد عاشت العديد من الدول تجربة التمرد على النظام الدولي لفترة طويلة، وعلى رأسها إيران وكوريا الشمالية وكوبا وسوريا والعراق، وواجهت العقوبات والتهديدات العسكرية والاقتصادية لعقود من الزمن محققة نسبا متفاوتة من النجاح بهذا الشأن.

وفي تعامل الإسلاميين مع النظام الدولي نجد أنهم اتخذوا أحد توجهين أساسيين: أولهما القبول به واللعب بأدواته ووفق قواعده، وهو ما سار عليه الأتراك وإخوان المغرب العربي- ولم يتقنه إخوان المشرق-، أما المسار الثاني فهو التمرد على النظام العالمي، والاستفادة من تراجعه والفراغات التي يتركها تراجع الدور الأمريكي، وهو المسار الذي اعتمدته جماعات السلفية الجهادية وفي مقدمتها القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي الحالة الفلسطينية اضطرت حركة فتح لتغيير مسارها وتعديل ميثاق المنظمة تحت وطأة قوة النظام الدولي الذي كان يتحول آنذاك من النظام ثنائي القطبية باتجاه القطبية الأحادية، وبالمقابل فإن حماس تعيش الآن في فترة تراجع النظام الدولي، أو انهياره، وهو ما يدفع باتجاه استكشاف الفرص الناشئة من هذا الواقع الجديد، والاستفادة من تجارب الدول والحركات التي تمردت على النظام الدولي بنجاح.

وبالنظر إلى هدف حركة حماس المتمثل بتحرير فلسطين، يتضح أنه يكاد يكون مستحيلاً التوصل إليه بقبول من النظام الدولي- إلا في حال توجهه لاستبدال التحالف مع إسرائيل بدولة أخرى تحقق جل مصالحها وهذا أمر مستبعد في المدى المنظور-، وذلك للتحالف الوثيق بين إسرائيل والدول التي تقود هذا النظام، ولا تعدو حوارات ومفاوضات الأطراف الغربية مع حماس عن كونها محاولات لتطويعها واحتوائها وحرفها عن مسارها الأصلي المتمثل بتحرير فلسطين.

ولذلك فإن تحقيق هذا الهدف ميدانه الطبيعي هو ميدان التمرد عن النظام الدولي والتحلل من قيوده والتزاماته. ومعلوم أن هذا الأمر نسبي؛ فقد يكون مشروع ما أو تنظيم أو دولة في جوهرها متمردة على النظام الدولي؛ دون أن يمنع هذا من التقاطع معه والاستفادة منه في بعض الجوانب وبعض الأوقات.
وعلى كل الاحوال فإن المركّب الذي تتكون منه حماس آيدلوجيا يرجح أن يميل بها نحو التمرد عن النظام الدولي للوصول إلى هدف إنشاء الحركة.

وقد استفادت حماس بشكل كبير من تحالفها مع إيران حينما كانت متمردة على النظام الدولي، فيما قلت فرصة الاستفادة منها بعد توجهها للاندماج فيه.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه من المفترض أن تركز حماس على هدف تحرير فلسطين وأن لا تنشغل بالعمل على نيل شرعية التمثيل الرسمي للشعب الفلسطيني، إذ أن ذلك مرتبط بمواقف الدول العربية والإقليمية والدولية، ولم تحصل منظمة التحرير على هذه الصفة من الدول العربية إلا بعد موافقتها على برنامج النقاط العشر.
التعليقات (0)