قضايا وآراء

تساؤلات حول التحالف الإسلامي ضد الإرهاب

هشام أحمد
1300x600
1300x600
 في مساء الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أعلن ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير، محمد بن سلمان، عن تشكيل "تحالف إسلامي عسكري" هدفه محاربة الإرهاب، وقد كان من بين الأهداف التي تم الإعلان عنها المواجهة العسكرية والفكرية للتنظيمات المتطرفة، دون الاقتصار على جماعة معينة أو هدف محدد، بل يتسع مجال التحالف لمحاربة الإرهاب بشكل عام.

هذا وقد أعلنت المملكة أن التحالف يضم دولا عربية وأفريقية وآسيوية، في تنوع يعكس الجغرافيا الإسلامية الممتدة شرقا وغربا عبر هذه المجموعات الثلاث، والتي أصبحت مسرحا وحيدا ومكشوفا تُعرض عليه صراعات الدول الكبرى شرقا وغربا، وللعمليات العسكرية التي تتمخض عن تلك الصراعات والتجاذبات، وبيئة خصبة للحروب الأهلية المصحوبة بفتن طائفية وصراعات عرقية ومذهبية تكاد تعصف بما تبقى من مكنونات السلم والتعايش الآمن بين شعوب هذه القارات.

ومع انتشار الخبر فقد سادت حالة من التفاؤل بين أغلبية المتابعين والمحللين من شعوب هذه الدول، ذلك أن أي مجهود يعمل على خدمة الإسلام أو الدفاع عنه يمثل بالنسبة لهم ملاذا من التذلل للدول الكبرى، وأملا في الخلاص من هيمنة الغرب على المسلمين وشعوبهم. ولكن كما اعتدنا، وفيما يبدو أنه انجلاء سريع للحقائق، فقد أثيرت العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات المتحفظة حول مدى جدية هذا التحالف في الحفاظ على حقوق الشعوب الإسلامية جمعاء؛ من التطرف والإرهاب، ومن أي اعتداءات أخرى على حقوقهم المتمثلة في الحريات وحقوق العيش الآمن ومواجهة الدول المعتدية على استقلالية تلك الشعوب وعلى مقدراتها المعيشية.

صفحات التواصل الإجتماعي التي تعد حاليا المتنفس الوحيد لآراء الشعوب، وبالخصوص فئة الشباب مسلوبة الإرادة ومنزوعة الحقوق، امتلأت بالتساؤلات حول التحالف ومدى فاعليته وجديته، في ظل مشاركة دول في التحالف قُمعت فيها ثورات الشباب، وحُجبت كلماتهم التي نادت بالحرية والتغيير الشامل لمنظومات ديكتاتورية أفسدت البلاد ونهبت مقدرات العباد. وكان من بين تلك التساؤلات على سبيل المثال:

- هل يقوم هذا التحالف بمواجهة الدول المٌعتدية على الشعوب الإسلامية والعربية، كالكيان الصهيوني الذي يمارس أسوأ أشكال العربدة والإرهاب ضد الشعوب العربية جميعا، وضد الشعب الفلسطيني الذي أعلنت سلطته الوطنية التي يمثلها الرئيس محمود عباس (أبومازن) عن ترحيبها ومشاركتها في التحالف؟!

- هل يقوم التحالف بمواجهة الأنظمة الديكتاتورية التي تُقتل وتهجر وتُرهب الملايين شعوبها، كما يفعل النظام السوري وأعوانه من الروس والإيرانيين وميليشاتهم في سوريا؟!

- هل هذا التحالف الذي لم يجمع دولا إسلامية كبرى، كأندونيسيا وباكستان، وتنضوي تحت رايته -كما اُعلن - دول على خلاف سياسي حاد ومصالح متباينة في المنطقة وخارجها، كمصر وتركيا، قادر على أن يكون قوة متماسكة موحدة الأهداف والمبادئ وتستطيع أن تضمن السلام لشعوبها؟

كان هذا قليل الكثير من التساؤلات التي طرحت حول التحالف الذي خلق منذ الوهلة الأولى للإعلان عنه حالة من التفاؤل وحسن الظن فيما هو قادم، من حيث التعامل مع مسألة أصبحت الشغل الشاغل للناس إعلاميا وجدليا وهي (الإرهاب)، وبالخصوص أن التحالف أعلن أنه يستهدف أي اعتداءات على الدول الإسلامية دون الاقتصار على جماعة معينة كما تقدم. ولكن وبنظرة إلى الواقع، هل يحتاج أمر الإرهاب وما يواجه الدول الإسلامية من مخاطر؛ إلى المواجهة العسكرية أكثر مع عدم إغفال الدور الفكري والدعوي الذي تمت الإشارة إليه؟ أم يحتاج إلى الاهتمام بحقوق الشعوب وبسط يد الرحمة والعدالة ومحاربة الجهل واللاوعي الديني والفكري الذي تتمخض عنه الأفكار المتطرفة البعيدة عن إطار التعايش السلمي والمجتمعي المنشود؟!

 ألا تحتاج هذه الشعوب لكي يبتعد أبنائها عن الغلو والتطرف إلى حكام يرعون حقوقهم ويتورعون عن سلب مقدراتهم من أجل مكاسبهم السياسية ونفوذهم الذاتي المتمثل في بسط سلطة الفرد الواحد على أسس طائقية أو قبلية لا تعترف إلا بالقوة وسلب إرادة الشعوب بالطرق الملتوية واستخدام القوى الجامحة في تقويضها؟! 

 يقول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (الاستبداد أصل كل فساد) ويقول: (لقد تمخض عندي أن أصل الداء هو: الاستبداد السياسي... ودواؤه هو: الشورى السياسية).

ألا يحتاج المناضلون من أبناء هذه الشعوب في وجه الديكتاتوريين والغُزاة إلى دعم إعلامي وفكري غير مشروط بمصالح سياسية وأيدولجيات تحول الصراع بين أفرادها إلى حروب كلامية وصراعات جدلية تتخللها اتهامات بالتخوين والعمالة وعدم الوطنية ولن يجني الشعوب من ورائها غير المزيد من التشرذم والهوان؟!

إن أي تحالف يقوم على أساس إسلامي لا بد أن ينطلق من روح الإسلام ومبادئه التي نادت بالمساواة والحكم بالقسط بين الناس، وخاطبت العقل البشري وحررت الشعوب من ظُلمات الجهل والتشرذم والتناحر على أمور الدنيا. والإسلام انتشر أول أمره بالدعوة التنويرية التي انطلقت تخاطب الناس بالكلمة وتحررهم من عبودبة العباد واستبدادهم؛ لعبودية رب العباد التي كفلت للإنسان الاستخلاف في الأرض والعمل وفق نظام قائم على الحقوق والواجبات تصل بالبشرية جمعاء إلى بر الأمان وتعبر بهم عبر جسور السلام.

ألم يكن الخوارج من أشد الأخطار التي واجهت الدولة الإسلامية في مهدها فكريا وعمليا، حيث انشقوا عن جماعة المسلمين وخرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ووصل الأمر بهم إلى تكفيره ومن معه من الصحابة وإلى تكفير كل من لم يتبعهم من الناس في زمانهم؟ فكيف كان تعامل علي رضي الله عنه معهم؟ وكيف واجههم من أجل الدفاع عن المسلمين وعن مصالحهم وخليفتهم؟ هل ثار انتقاما لنفسه وخشية من زوال خلافته على الناس؟ أم هل هو دفع بمن معه من المسلمين لعدوانهم وقتلهم دون سابقة من نُذر أو منحة من عُذر؟

ألم يتدرج معهم في المواجهة باستخدام إسلوب الحوار (الذي أدى إلى اهتداء ورجوع الثُلث منهم إلى صف الجماعة) ثم بعد أن فقد الباقون منهم شرعيتهم أمام الناس اعطاهم الحق في العيش بجوار المسلمين ما لم يقدموا على اعتراض طريق أحد أو إيذائه، وذلك ترسيخا منه لمبدأ مواجهة الفكر بالفكر والكلمة بالكلمة، حتى إذا خرجوا على ما اشترط عليهم وقطعوا طرقات الناس وشرعوا في إرهابهم أقدم الخليفة الراشد على الحل الأخير وهو القتل، بعد أن استيقن من عدم أوبتهم أو سلامة الناس من شرهم؟

كان لي حظ وافر في حضور خطبتين متتاليتين للجمعة للشيخين الموقرين اللذين يشع نور علمهما وتخفق رايات الحكمة في حديثيهما أينما حلّو وكيفما حدّثوا، وهما على الترتيب الشيخ الداعية سلمان بن فهد العودة والدكتور عائض القرني. وكانت خطبة الأول تدور حول مفهوم الاستعمار في الأرض وخلق الإنسان من أجل ذلك الغرض ودعوة المسلمين إلى أن يحملوا هذه الرسالة على عواتقهم، ذلك أن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم والجامع لكل الأديان، ورسالته هي الرسالة الموجهة للناس أجمعين، وعلى المسلمين تحمل مسؤولية العمران ونبذ التخريب الذي يقضي على المدنية ويبدد أواصر التعايش بين الشعوب.

وارتكزت خطبة الشيخ الثاني على حب الأوطان والاعتزاز بالهوية الإسلامية التي تجمع الشعوب على المحبة والتعايش الآمن فيما بينهم. وقد أرسل الله الرسول رحمة للعالمين، وانطلقت دعوته من وطنه بمكة المكرمة واستقرت دولته العادلة ودولة الخلفاء الراشدين من بعده في المدينة المنورة، وانتشر النور منها في كافة ربوع الأرض في وقت سادت فيه ظلمات الجهل والتخلف في اوروبا والعالم الآخر. وقد أكد الشيخ على أن العالم الآن قد تقدم علميا واقتصاديا وثقافيا، ونحن نحتاج لمسايرة ذلك التقدم لكي لا يبقى إسلامنا في طور الرهبنة والتعبد المنقوص من حمل راية العلم التي نادى بها القرآن الكريم. كما أن علينا نشر رسالتنا السامية التي جاءت رحمة للعالمين وهداية للأولين والآخرين، عن طريق نشر مبادئ التسامح والتعايش ونبذ الكراهية والغلو والتطرف والتي لم تكن من الإسلام في شيء.

أليس من الأحرى أن يستعين التحالف الإسلامي وأي حركة تتخذ من الإسلام مرجعاً لها بمثل هؤلاء الدعاة الذين يشع نور علمهم في قلوب البشر، ويكشف اعتدالهم عن زيف الادعاءات الكاذبة التي تتهم الإسلام بالإرهاب، وتقصر التطرف على الشعوب الإسلامية دون النظر في أسباب تلك الاتهامات وكشف الأهداف الحقيقية من ورائها، سواء بالتدخل في شؤون الدول الإسلامية أو بمصادرة حقوق وحريات شعوبها؟!

كانت تلك التساؤلات بعضا مما دار في ذهن كاتب هذه الكلمات ومما عاينه من ردود فعل عكستها مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات المتابعين والمحللين حول التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب... ودمتم بسلام.
التعليقات (0)