قضايا وآراء

نظرة على هامش الحملات الدولية على الإرهاب

هشام أحمد
1300x600
1300x600
 إذا اتفقنا على أن الإرهاب هو قتل النفس البشرية على اختلاف أجناسها بدون وجه حق، وترويع الآمنيين غير المعتدين ولا المحاربين من الناس، وتخريب المدنية، وتفتيت أواصر التعايش بين الشعوب على اختلاف الملل وتباين الأهواء والنحل، فقد يكون من الضروري أن نلقي نظرة حولنا في عالم أصبح أكثر لهيبا جراء الأحداث المشتعلة هنا وهناك، من حروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية وسياسية توشك أن تقضي على ما تبقى من معاني الإنسانية، وتقتل أحلام السلام المُترائية من بعيد للسواد من البشر الذين لا هم لهم إلا نيل أدنى حقوقهم في التمتع بحياة خالية من الكوارث والمصائب؛ التي تخلفها آثام بني جلدتهم من الطامعين في السيطرة على مقدرات الاخرين والتسلط على مكتسباتهم المعيشية والمعنوية، من ثروات قومية ومقومات حياتية وحقوق إنسانية متمثلة في حرية الفكر والمعتقد وحرمانهم من المشاركة الإجتماعية والأخلاقية في تحديد مصائرهم وتحقيق أحلامهم.

إذن، ومما سبق التطرق إليه، يبدو أننا أمام واقع مقسم بين أغلبية ساحقة من البشر لا تملك حق تقرير مصائرها، وبين أقلية ليست بالهينة تتحكم في تلك المصائر وتوجهها حسب مصالحها وحسب أهوائها التي تتلاقى وتختلف، وفق قوانين تبادل المنافع والمُقايضة على حقوق من تحتهم من الشعوب تارة أو وفق نظرية البقاء للأقوى؛ التي غالبا ما شهد التاريخ بهيمنتها على الصراع ما بين البشر والمستمدة من الطبيعة التي نعيش فيها والتي لا تعترف في تقلباتها إلا بالمباغتة وسرعة تمكن القوي من الضعيف ولو على غرة منه.

إذا نظرنا إلى مشكلة الإرهاب وهي بمثابة الشغل الشاغل للناس حاليا سياسيا وإعلاميا وربما فكريا، فإنه يجب علينا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى انتشار تلك الظاهرة وتفشيها، حتى أصبح الناس لا هاجس لهم إلا الإرهاب والحرب عليه وضرورة القضاء عليه، ويتحتم علينا أن نصارح أنفسنا قبل أي شيء: هل ما يحدث من إجراءات وتحركات دولية فيه الكفاية للقضاء على تلك الظاهرة؟ وهل الأطراف التي تحركت في هذا الإطار (التحالفات الدولية ضد الإرهاب) من قبل وتسرع الخطى للدخول فيه حاليا لديها من الكفاءة المتمثلة في حسن النوايا وتوحد الأهداف ما يخلق التفاؤل ويبعث على الأمل والطمائنينة من أجل حل هذه القضية؟

إذا قمنا بحصر الإرهاب قي ناحية واحدة، وهي الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارا لها، فإننا لن نتجاوز الصورة التي يرسمها الغرب وأتباعهم هنا وهناك إعلاميا وفكريا في أذهان الناس، وذلك بغرض استمرار الترويج لذريعتهم الكبرى للتدخل في شؤون الشرق الأوسط والسيطرة على ثرواته النفطية والممرات الملاحية في البحرين المتوسط والأحمر والخليج العربي، كما هي ذريعة كبرى للكيان الصهيوني لاستمرار قمعه للشعب الفلسطيني ومجابهة المقاومة هناك، وأصبح الإرهاب أكبر غطاء تستتر خلفه الحكومات العربية للتنكيل بمعارضيها وفرض سياسة الحكم الشمولي الذي لا يعرف إلا مصلحة الحاكم ومن يَسبحون في فلكه فقط.

علينا أن نقر أولا بوجود جماعات تعمل تحت غطاء ديني لا يرون شرعية إلا لمناهجهم المنغلقة وآفاقهم الضيقة القائمة على تكفير كل من لم يهُادنهم ويُسلم لأفكارهم واستباحة الآخرين حتى ولو التقت المصالح أحيانا! فمثلا منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش) في سوريا يقوم التنظيم بحرب كل من يقابل من البشر حتى يخضعهم لقوانيه، وقد كانت أغلب صراعاته وحروبه مع المعارضة المسلحة بكافة فصائلها، سواء الإسلامية أو الأخرى المنضوية تحت لواء الجيش الحر. وقد كان لذلك أثره السلبي في مسار الثورة السورية والإيجابي بالنسبة للنظام السوري؛ الذي تمكن من استغلال تلك الصراعات بين معارضيه وحافظ على جزء كبير من الأراضي يبسط عليها نفوذه مع حلفائه، وأهمها العاصمة دمشق ومحافظة حمص.

يؤكد على تطرف هؤلاء وغلوهم الذي يحتاج للمواجهة الفكرية والتقويم السليم لكل أفرادهم ومن يندرجون تحت ألويتهم قبل الردع العسكري؛ ما يظهرونه عبر وكالات وصفحات إعلامية تابعة لهم من اعتداءات على المدنيين وترويع للآمنين في دول عربيبة وأجنبية تحت ذريعة مقاومة الحكومات الكافرة (على حد وصفهم)، ومن ذلك إعلانهم المسؤولية عن أغلب الأحداث والاعتداءات التي تقع من مكان لآخر، مثل حادثة تفجير الطائرة الروسية في سيناء، وتفجيرات بيروت واعتداءات باريس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وإذا سلمنا بحتمية المواجهة العسكرية للإرهاب، فلننظر إلى الأطراف التي أخذت المهمة على عاتقها منذ زمن ليس بالبعيد ومن يجري إدخالهم في إطار التحالفات التي تتخذ من الحرب على الإرهاب مشروعا عالميا لها:

تقود التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة في الشام والعراق والمكون من خمسٍ وستين دولة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قامت في السابق، عقب اعتداءات 11 أيلول / سبتمبر، بحربها على تنظيم القاعدة في أفغانستان (وقد قدمت للمجاهدين الذين شكلوا التنظيم ذاته العون ضد السوفييت في فترة الثمانيينات)، فقامت بحربها عليه في عام 2001 لاتهامها إياه بضلوعه في تلك الاعتداءت بشكل كبير. وخلفت الحرب أكثر من 150  ألفا من القتلى وموجات نزوح بالملايين (قالت مصادر أمريكية معارضة للحرب آنذاك إن عدد القتلى المدنيين الأفغان الذين سقطوا في الغارات الجوية في الأسابيع الأولى فقط من بدء الحرب، فاق كثيرا عدد ضحايا المدنيين الأميركيين في اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر التي كانت السبب المباشر وراء إطلاق آلة الغزو صوب كابل)، ولم تنجح الولايات المتحدة في التخلص من القاعدة نهائيا ولا حركة طالبان التي كانت تمثل ملاذا للقاعدة إبان الحرب، بل إن تنظيم الدولة الإسلامية أصبح متواجدا هناك ويشكل إحدى القوى الموجودة على الأرض، ولم تنسحب الولايات المتحدة انسحابا كاملا حتى تاريخه؛ لأنها لم تحقق أهدافها الاستراتيجية المرجوة من التواجد هناك بعد، والمتمثلة في خلق المزيد من النفوذ لها في الشرق لتزيد من قوتها في وجه القوى الشيوعية المتمثلة في الصين وروسيا وحلفائهم.

تقوم روسيا منفردة منذ أكثر من شهر باستباحة الأراضي السورية جوا وبرا بحجة محاربة تنظيم الدولة لنظام، ولكن الأخبار الواردة من هناك وتصريحات السياسيين المعارضين للتدخل الروسي (وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما) تؤكد أن أغلب الضربات الروسية ترتكز على معاقل المعارضة السورية الأخرى من غير تنظيم داعش وفي مناطق لا نفوذ للتنظيم فيها، كما أن طائرات الروس لا تتوقف عن قصف المدنيين وقتل الأطفال والشيوخ ومنع المساعدات عن النازحين في الداخل السوري! هل هي حرب على الإرهاب حقا؟! أم ماذا؟

وقف الديكتاتور السوري بشار الأسد والذي ورث عرش الديكتاتورية عن أبيه (صاحب مجازر حماة وسجن تدمر في الثمانينات)؛ أمام جمع من رجال دولته منذ أكثر من عام ونصف العام خاطبا فيهم بقوله:

"إذا انطلقنا من حقيقة واحدة بأننا أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين، أنا لا أتحدث عن إرهابيين أتوا من الخارج، فعندما نتحدث عن عشرات آلاف الإرهابيين فهذا يعني أنه خلف هؤلاء حاضنة اجتماعية. هناك عائلة، هناك قريب وجار وصديق وأشخاص آخرون. يعني نحن نتحدث عن مئات الآلاف، وربما الملايين من السوريين، ولو كان مليونا نقول ملايين".

وأضاف: "قد لا يبدو الرقم كبيرا، ولكن عندما نتحدث على المستوى الوطني عن مليون أو أكثر، أو حتى مئات الآلاف، في مجتمع عدد سكانه 23 مليونا، فهذا يعني أننا أمام حالة فشل أخلاقي واجتماعي، وبالمحصلة فشل على المستوى الوطني".

قتل وشرد الملايين من شعبه واتهمهم بالفشل الأخلاقي والاجتماعي ليغطي على جرائمه المزعومة بالحرب على الإرهاب والتكفيريين، فهل مثل هذا الرجل جدير بأن يصنف نفسه بأنه ممن يحاربون الإرهاب؟ وماذا فعله الإرهاب ولم يفعله هو لكي لا يُوصف بأنه أحد أكبر الإرهابيين في المنطقة، هو وداعموه والمليشيات المتحالفة معه من شتى الدول العربية أو الآسيوية الأخرى؟

في عام 2013 وبعد انقلابه على الرئيس محمد مرسي، طالب قائد الجيش المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي من مؤيديه تفويضه وتأييده للحرب على ما سماه "الإرهاب المحتمل"، وأيده الكثيرون من الإعلاميين ومن يُطلق عليهم النخبة المثقفة في مصر، وانبرت الفضائيات لنقل صورة التفويض والتأييد والحشود الشعبية، كما نقلوا للناس من أجل الحرب ما سماه قائدهم "الإرهاب المُحتمل"، ثم حدث في مصر بعدها ما لا يُحمد عُقباه من مجازر ضد المدنيين والمعتصمين في رابعة العدوية والنهضة وغيرها، وانقسمت البلد إلى نصفين، وكادت تدخل في منعطف الحرب الأهلية بين أطراف ترعى حرمة الدماء وكارثية انتهاك حقوق الناس وحرياتهم؛ وأطراف منتفعة وضمائر مغيبة تتبع صاحب القوة خوفا من بطشه وحفاظا على ما يظنونه أنه ملاذ آمن لهم من التغيرات التي تنادي بالإصلاح ورفع معدلات الوعي العام والقضاء على الفساد والأخلاقي والمُجتمعي... ولم يجن الشعب المصري من وقتها إلا مزيدا من البطش والتنكيل وازدياد الكراهية والبغضاء بين الناس على اختلاف أهوائهم.

هذا وقد دخلت الحكومة المصرية بقيادة السيسي أخيرا في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيله وقيادته مؤخرا في الرياض، وقد كان خبر تشكيل التحالف رغم السياسي المعروف بين الكثير من دوله بمثابة مفاجأة تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات عن جدوى التحالف الذي ربما يشكل عامل دفاع للدول المشتركة فيه من مخاطر الإرهاب وغير المقتصرة على تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، وإنما هو من أجل مواجهة أي جماعات تهدد تلك الدول المنضوية تحت التحالف... ويحتاج الحديث عن أهمية ذلك التحالف ومدى جدية الأطراف الداخلة فيه ووحدة أهدافهم وكيفية تعاملهم مع تحدي الإرهاب، وبالخصوص أن تلك التهمة أصبحت منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 أكثر إلصاقا بالإسلام والمسلمين إعلاميا وفكريا فسوف يحتاج الحديث عن ذلك لمساحة أخرى فيما بعد بمشيئة الله تعالى.
التعليقات (1)
محمود ابراهيم
الأربعاء، 23-12-2015 01:45 م
بارك الله فيك يا اخ هشام ويزيدك علم