مقالات مختارة

كيف سينتقل البغدادي إلى ليبيا؟

محمد فاضل العبيدلي
1300x600
1300x600
كتب محمد فاضل العبيدلي: تساءلت صحيفة ديلي ميل البريطانية في 9 ديسمبر في تقرير لها عما اذا كان زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي انتقل إلى مدينة سرت في ليبيا. وتضمن التقرير تصريحات لبعض المصادر، التي أشارت إلى أن البغدادي وصل إلى سرت فعلا بعد إصابته بجروح خطيرة في غارة جوية استهدفت رتلا من السيارات كان هو من بين من فيها.

بالقدر الذي نتلقى فيه أخبار "داعش" بالإثارة ورفع معدل الادرينالين، فإن هذا الخبر يبدو مسليا على نحو ما لأنه يدفعنا إلى ممارسة لعبة حل الأحاجي. أحجية هذا الخبر هي سؤال بسيط وغاية في السذاجة يصلح في صيغة الماضي والمستقبل: كيف انتقل/‏ سينتقل البغدادي ورفاقه إلى ليبيا؟

هناك ثلاث وسائل ممكنة لانتقال البغدادي من العراق أو سوريا إلى ليبيا: عن طريق الجو، أو عن طريق البحر أو عن طريق البر.

لنبدأ بالخيار الثالث. اذا اختار البغدادي ورفاقه التوجه إلى ليبيا عن طريق البر، فإن قافلته (لا نتصور انه سيسافر وحيدا دون حراسة) لابد أن تمر عبر مصر، وتحديدا عبر سيناء، التي وفق هذا السيناريو المفترض سيصلها إما عن طريق قطاع غزة أو من جهة خليج العقبة مقابل سيناء..

أو في احتمال آخر أن ترسو به سفينة آتية من مكان ما من البحر الأبيض المتوسط على إحدى النقاط على ساحل سيناء الشمالي ومن عبر أراضي مصر إلى ليبيا. لأكثر من سبب موضوعي، لا يبدو هذا السيناريو ممكنا اقله لطول المسافة وبالتالي ارتفاع نسبة المخاطرة بالانكشاف.

ينطبق على الخيار السابق (عن طريق البر) على الخيار الثاني (عن طريق البحر) إضافة إلى أن خيارا مثل هذا يتطلب استعدادات لوجستية كبيرة. فالبغدادي لن يسافر في ذلك النوع من القوارب الذي يركبه المهاجرون، بل لا بد من سفينة أو قارب آمن ومزود بإمكانيات كبيرة للسلامة، ناهيك عن الأسلحة تحسبا للطوارئ.

والسؤال الأهم من أين سيستقل مركبا كهذا حتى لو كان يختا فاخرا (إمعانا في التمويه)؟ هل سينطلق من السواحل السورية مثلا التي بات الروس والجيش النظامي السوري يحكمون السيطرة عليها؟ أم هي السواحل اللبنانية المليئة بالنقاط العمياء التي يستغلها المهربون وغيرهم؟ أم من سواحل فلسطين المحتلة 1948؟

أم سيتم إيصاله ضمن خطة محكمة إلى نقطة في المياه الدولية ومن ثم تلتقطه سفينة معدة لرحلته إلى ليبيا؟ لكن من جديد: من سيوصله ومن أين سينطلق؟

وماذا عن السفر على متن طائرة ما؟ نفس السؤال سيطرح من جديد: من أين؟ من أي مطار شرعي أو غير شرعي؟ وما هو نوع هذه الطائرة وهل تستطيع إنجاز الرحلة دون حاجة لمحطة تتزود فيها بالوقود أم لا؟

أبعد من هذا، فإن الرجل يحتاج إلى أن يغير شكله بالتأكيد لضمان عدم التعرف عليه في أي مكان. ويحتاج الرجل أيضا إلى وثائق مزورة تحسبا لمواجهة أي موقف، اللهم إلا اذا كان مثل إرهابيه الذين يصرون على حمل هوياتهم معهم أثناء تنفيذ عملياتهم الإرهابية، بل ويملكون إصرارا من بين كل إرهابي العالم على ترك ما يدل عليهم في مسارح الجريمة.

تعتمد الأجوبة على أي معسكر تقف فيه وأي النظريات تؤمن حول من يقف وراء "داعش". فإن كنت في معسكر إيران، فان الجواب سهل جدا: تركيا وسينتقل إلى ليبيا على متن الخطوط الجوية التركية أو سفينة حربية تركية وبالطبع بمساعدة من دول الخليج.

واذا كنت من أعداء إيران، فان البغدادي سينتقل بمساعدة فيلق القدس بالتأكيد، الذراع القوية لإيران في الخارج وستعيد التذكير بان إيران كان من مصلحتها خلق عدو في العراق مثل "داعش" لتبرير وتمرير كل خطواتها اللاحقة لإحكام هيمنتها على العراق بميليشيات تدين لها بالولاء الأيديولوجي.

واذا كان عداؤك شديدا للنظام السوري، لن تستبعد أن تقوم المخابرات السورية بنقل البغدادي في عملية مموهة للغاية إلى ليبيا عبر البحر المتوسط، ومن المؤكد أن هذا سيتم دون علم الروس..

وقد يتظاهر الإيرانيون بأنهم لا يعلمون شيئا. وإذا كنت من المعجبين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد لا ترى ضيرا في تقبل بعض التسريبات التي تتحدث تارة عن تورط إيران في تهريب البغدادي إلى ليبيا.

وإذا كنت من الأعداء اللدودين لأميركا والغرب، فقد تعيد التذكير بتلك التقارير التي نشرتها بعض الصحف والمجلات الغربية، والتي تتحدث فيها عن عملية "خط الجرذان"، التي أشرفت عليها وكالة "سي. آي. إيه" الأميركية مع "إم. آي 6" البريطانية في نقل أسلحة من مخزونات الجيش الليبي السابق إلى المتطرفين في سوريا.

من المؤكد أن البغدادي لن يسافر إلى ليبيا على متن "الخطوط الجوية لداعش" ولا على ظهر بعير تيمنا بالسلف الصالح، بل سيسافر إن صح الأمر برعاية واحد من آبائه الكثر. فهذا التنظيم يبدو مثل طفل له اكثر من أب والكل يستفيد منه على نحو ما، ولن يحتاج زعيم التنظيم لتحقيق هذه النقلة الكبرى إلا إلى مزيد من الحنان من أبيه الشرعي.
0
التعليقات (0)