مقالات مختارة

هل يلعب بوتين "الروليت التركية"؟

عبد الله مراد أوغلو
1300x600
1300x600
كتب عبد الله مراد أوغلو: يظهر جليا من خلال مواقف روسيا في سوريا، أن روسيا بوتين لم تستفد من تاريخها شيئا، ولم تفهم العبر العميقة التي يحملها.

قبل 35 سنة، دخلت موسكو غِمار مغامرة أفغانستان، وربما كانت هذه المغامرة أحد الأسباب الرئيسة في تفكك الاتحاد السوفياتي.

آنذاك في الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفياتي الذي يسير مركزيا من طرف موسكو أحد عمْلَاقَيْ العالم. لكن احتلال أفغانستان الذي دام 10 سنوات، أظهر اختلالات واضطرابات عساكر الجيش الأحمر السوفياتي.

معاناة الولايات المتحدة في حرب الفيتنام وخسارتها الكبيرة لهيبتها أسعدت سياسيي موسكو، لكن من ناحية أخرى، كان غزو أفغانستان من قبل الروس أكبر فرصة ذهبية للولايات المتحدة.

وفقا لدراسات وكالة المخابرات المركزية "CIA"، فإن استمرار وامتداد المقاومة المحلية كان سيحد ويضعف بكل شك من الاتحاد السوفياتي. ولكي لا تفقد اعتبارها وهيبتها الاستراتيجية، ضخت الأخيرة موارد أخرى لدعم الصراع في أفغانستان.

العقل الروسي لم يفطن إلى خطورة هذه الخطوة، ما زاد من تأجج الصراع لصالح المقاومة الأفغانية، خصوصا أمام التحركات الاستراتيجية الأمريكية. هذه الأخيرة سعت جاهدة لدعم المتمردين عبر باكستان.

زنغنيو بريجينسكي، مستشار الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، كان من الأوائل الذين رأوا أن أفغانسان هي "فيتنام الروس". في إحدى كتاباته تحت عنوان "أفكار حول التدخل السوفياتي في أفغانسان"، قال بريجينسكي: "يجب أن تستمر المقاومة في أفغانستان. فضلا عن المال، يجب شحن أسلحة إلى المتمردين وتقديم المشورة التقنية لهم. ولجعل هذا ممكنا، يجب أن نجدد ثقتنا في باكستان ونشجعها على مساعدة المتمردين. وهذا يعني أننا سنعرض سياستنا تجاه باكستان ونوفر ضمانات أكثر، وللأسف بخصوص سياستنا لحد الأسلحة النووية سيتطلب الأمر قرارا بأننا لن نحدد أي سياسة أمنية تجاه باكستان في هذا الإطار. هدفنا النهائي هو انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان. وحتى إن فشلنا في هذا، فلنسعى إلى جعل خسائر التدخل السوفياتي أعلى فأعلى".

نجح المخطط الأمريكي، وفي فبراير 1989، انسحب الجيش الأحمر مخذولا أمام المقاومة الأفغانية. ولربما أمريكا كانت أسعد دولة بعد اختبار القوة العسكرية للاتحاد السوفياتي.

بالنسبة لموسكو، مغامرة أفغانستان كان مغامرة مكلفة جدا. فإضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية، خسرت روسيا الموقع الاستراتيجي، والاعتبار السياسي، اللذين كانت تملكهما.

لم يمر كثير من الوقت قبل أن يهدم جدار برلين، وينهار الاتحاد السوفياتي في نوفمبر 1989.

روسيا الاتحادية التي بنيت على أنقاض الاتحاد السوفياتي، تحذو اليوم تحت قيادة بوتين الحذو ذاته. بوتين اليوم، يدخل غمار مغامرة خطيرة في سوريا، معتقدا بأنه يستطيع ملء الفجوة السياسية التي خلقتها سياسيات الولايات المتحدة المتناقضة والسلبية.

في جيورجيا كما في أوكرانيا والقرم، كانت روسيا تستعرض قوتها السياسية والعسكرية. لكن هل تكون هاته الأخيرة منهجا جديدا من الولايات المتحدة لاختبار وفرك القوة العسكرية لروسيا بإدخالها وجذبها إلى دوامة سوريا؟

كان على بوتين أن يضع هذا السؤال في الاعتبار، ويحافظ على علاقاته مع تركيا. أَوَ ليس الغرب من استفاد من الصراع الدموي الذي دام 250 سنة بين هاتين الدولتين؟ وهل تصدقون أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وكندا وإيطاليا اصطفت سفنها الحربية وتكتلت في شرق البحر الأبيض المتوسط للتغلب على داعش؟

القضية ليست قضية "داعش"، بل قضية أخرى.. إنها معادلة جديدة اُحدثت: لا طرف يفوز فيها وحده، لكن في المقابل لن تفوز في جميع الأحوال كل الأطراف.

ومن المرجح أن لا يجد بوتين لنفسه فوزا في هذه المعادلة.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2015)
التعليقات (0)