قضايا وآراء

حكومة الحوار وحظوظ الاستمرار

وليد ارتيمه
1300x600
1300x600
ينطلق هذا المقال من فرضية أن الحوار الليبي، وما نتج عنه من مشروع اتفاق، ومقترح حكومة توافق، هو مشروع للمجتمع الدولي، والقوى الغربية والإقليمية الكبرى، بالدرجة الأولى، وبدرجة ثانية لمعظم الليبيين، ومن ثمَّ فهو يتجاهل اللغط المثار بشأن المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون وتوظيفه في دولة الإمارات، لأنه يعدُّه أمرا عابرا متعلقا بشخص ليون، وغير مؤثر في مسار الحوار ولا في مخرجاته. 

بات من الواضح اليوم أن الأزمة في ليبيا ليست أزمةَ "شرعية" ولا مشكلةَ تسميات وتوصيفات، هي ليست أزمةَ "المنتهية ولايته" ولا "المنحل"؛ فالواقع السياسي لم يتغيرْ بعد قرار الدائرة الدستورية بحلِّ مجلس النواب الليبي، ولن يتغيرَ بعد 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2015؛ لأن المشكلةَ الليبية ببساطة مشكلةٌ سياسيةٌ مركبةٌ، أطرافُها كلُّهم يعانون مشكلات مع أنفسم ومع خصومهم السياسيين والعسكريين في الوقت ذاته.

حكومة الحوار السياسي:
لا يلبثُ أطرافُ الأزمة السياسية بليبيا يزدادون ـــ مع كلِّ معطى جديد يَفْجَأُ الساحةَ ــــ خلافا وشقاقا فوقَ خلافهم وشقاقهم، وخيرُ مثال على ذلك: تفكك تحالفات فجر ليبيا بعد دخول بعض التشكيلات الثورية المسلحة في اتفافات صلح في الجنوب والغرب الليبي، وبعد دخول الحوار الليبي مراحلَ متقدمة وتعثرِ حفتر عسكريًّا في الشرق الليبي. 

هذه المعطيات وتلك التطورات وغير ذلك كان محركا أساسيًّا لمسار الحوار السياسي الليبي الذي أنتج حكومة السراج في الأيام الماضية.

في هذا المقال أُحاول أن  أجيب عنِ الأسئلة التي تُلح على كل الليبيين بشأن حكومة التوافق: من أعضاؤها ؟ وما حظوظها مع الموتمر ومجلس النواب؟ 

حكومة للتوافق:
هذا الوصف هو أدق ما يمكن أن يطلق على الحكومة التي اقترحها ليون، قبل مغادرته لتسلم وظيفته في دولة الإمارات، فتركيبة الحكومة وشخصياتها الفاعلة في المجلس الرئاسي خاصة، تضمن تنوعها، وتعقيد خلفياتها الاجتماعية، والسياسية، وعلاقاتها الدبلوماسية، والمالية، وطبيعة المؤثرين فيها، كونها لا تميلها ميلا كبيرا في اتجاه حلول غير توافقية.

فائز السراج: 
يعود السراج إلى عائلة طرابلسية معروفة، وهو مهندس كما يعلم الجميع، عضو في مجلس النواب عن مدينة طرابلس، كان ضمن تشكيلة معيتيق التي طعن فيها دستوريا، كما عمل في ديوان رئاسة الحكومة أيام زيدان، غير أني أريد القول بأن السرج لن يكون حزبيا ولامناطقيا في هذا المنصب فشخصية الطرابلسية لاتميل للأدلجة في العمل البيرقراطي والإداي. 

إن تعبير الشخصية الطرابلسية قد يكون غير دقيق من الناحية السوسيولوجية، لأنه يستبطن خصائص غير منضبطة لمقاس علمي، ولا هي محل اتفاق، لكنني لم أجد تعبيرا  يوضح مرمى الفكرة التي أتصورها، والمراد منه باختصار هو طبيعة أهل طرابلس في ميولاتهم  إلى الحياة الهادئة التي لا تنغصها الانخراطات الإيديولوجية بما يصاحبها من صراعات، وانضباط صارم. 

أحمد معيتيق: 
رجل أعمال من أصول مصراتية، مقيمٌ بمدينة طرابلس، كان قد سُمِّيَ رئيسا للحكومة في جلسةٍ جدليةٍ، بتَّها حكمُ الدائرة الدستورية بعدم دستورية انتخابه رئيس ا للحكومة، وامتثل آنذاك امعيتيق  لقرار الدائرة، ليبدأ مسيرتَه السياسية يوم قَبِلَ الحكمَ، لا يوم قَبُوله رئاسةَ الحكومة.... هو مصراتيٌّ لدى أغلبِ الليبين وطرابلسيٌّ عند معظمِ المصراتيين. 

فتحي المجبري:
ترجع أصول المجبري إلى منطقة الواحات، أكاديميٌّ واقتصادي بارز عاش بين أجدابيا وبنغازي، تُعزز أهميةَ وجوده في هذا المنصب علاقاتُه العائلية الجيدة في تلك المناطق، كما أن وجود المجبري في هذه التشكيلة قد يمكنه من نسج تحالفات ربما تضمن انسياب النفط من منطقة البريقة. 

موسى الكوني:
هو ابن المجاهد الكوني بلكاني الطارقي، شخصيةٌ بارزة يحظى بتوافق كبير في ليبيا وجنوبها خاصةً، شغَل منصبَ القنصل العام الليبي في مالي وتحديدا في كيدالي، ومنها إلى باماكو، حيث نجح بمنصبه في قيادة جهود المصالحة إلى اتفاق سلام بين الحكومة المركزية المالية في باموكو والطوارق في شمال مالي، كما نجح الكوني في التوصل إلى اتفاق مشابه بين الطوارق و حكومة النيجر. 

هذه الشخصيات مع وجود محمد العماري عضو الموتمر الوطني وعضو فريق الحوار عن الموتمر، الذي أظهر قدرات سياسية واضحة، وعمر الأسود من الزنتان الذي تمرّس في دولاب العمل الإداري، واحتمالية زيادة وزير ثالث للدولة عن مدينة بنغازي وشخصيتين عن الجنوب، تجعل من هذا المجلس متوازنا من النواحي الجغرافية، بل حتي من جوانب الميولات السياسية، إذْ جمع شتات الأزمة الليبية وجعل منها ممثلة في مجلس رئاسة الوزراء، الذي سيشغل مرحلةً سياسية جديدةً لن ترتبط بالمرحلة التي أنتجت هذه الحكومة. 

ومع وجود جرعة عالية من التفاؤل الشعبي العام إلا أن بعض التحديات مازلت تواجه هذه الحكومة حتى تخرج إلى النور وتشرع في أعمالها من طرابلس.

وأغلب المتابعين لما يجري في ليبيا يدركون حجم الصعوبات والعقبات أمام تمرير هذه الحكومة، التي أشرف على إنتاجها المجتمع الدولي، بدعم غير مسبوق.

معسكران متصدعان:
في مقابل تركيبة الحكومة وخصائها، تعاني جبهتا المعسكرين اللذين يكتنفانها، ويقفان خلفها تصدعات أفقية وعمودية، لا شك أنها تصعب من إقرار الحكومة في البداية، لكنها يمكن أن تتحول إلى نقطة قوة للحكومة، إذا ما ظهرت متماسكة في محيط يغلب عليه التشظي، لأن كل طرف سيجد فيها نقطة قوته الوحيدة، ونقطة الصراع الأساسية مع الطرف الآخر، وهو ما يمكن أن يجعل من أعضائها "رجال وطن" بكل المقاييس، إذا استطاعوا الاستفادة من خلافات داعميهم لصالح مهامّهم المنوطة بهم. 

وبهذا تتحول الحكومة إلى نقطة تتجمع عندها رؤى الحلول، لا مَكَبًّا تصطرع فيه نفايات الاختلافات والانشقاقات. بهذا تصبح أقوى من المؤتمر والبرلمان، والكتائب، ورجال القبائل، والأحزاب. وبالتالي تقودهم إلى الحلول، وترفعهم إلى مستوى التحدي الوطني، وفي أقل الأحوال تتحرر من خلافاتهم، وصراعاتهم الداخلية، وصراعهم الكبير في معسكري الفجر والكرامة. ولا بأس هنا من إلقاء نظرة على عنواني المعادلة الكبيرين وانشطاراتهم:

المؤتمر الوطني في طرابلس:
تعرضت تركيبة المؤتمر السياسية لهزتين، فككت فيه المفكك من بقايا التحالفات السياسية التي أنتجتها عملية فجر ليبيا.

الهزة الأولى: عندما عجز عن مواكبة رغبة الثوار في إنهاء القتال في الغرب الليبي، فبدلا من أن يكون الموتمر ورئاسته على رأس عملية الصلح مع المقارحة وورشفانة، فضَّل جزء منه أن يمضيَ في الحرب مخلفا انقساما سياسيا وعسكريا لا تخطئه عين.

الهزة الثانية: كانت مع تقدم عملية الحوار السياسي والتوقيع بالأحرف الأولي في يوليو الماضي وصولا إلى انضمام السويحلي إلى فريق الحوار.

هذا التقدم في عملية الحوار صنع كتلة مهمةً داخل الموتمر ترى بأن الحوار هو الحل الوحيد للأزمة الليبية، ورغم أن هذه الكتلةَ لاتزال هشةً وعُرضةً للتفتت عند أول منعرج سياسيا قادم، إلا أنها قادرةٌ على تمرير الحكومة بسهولة.

مجلس النواب في طبرق  
مجلس النواب ظهر عليه الانقسام قبل بداية جلساته، فتركيبته السياسية غابت عنها التجاذبات الأيديولوجية تاركة المجال للتجاذبات الجهوية والقبلية، غير أن الفريق الممثل عن المجلس في جلسات الحوار استطاع أن يُحَيِّد الحالة السياسية الداخلية للمجلس عن مسار الحوار إلى حد كبير.

هل يمنح  البرلمان الحكومة الثقة؟

وتبقى حظوظ منح الثقة لحكومة السراج عالية لدى الرلمان؛ فبوجود كتلة طرابلسية كبيرة في المجلس، إضافة إلى إدراج المجبري المدعوم برقاويا إلى حد كبير، إلى جانب التوافق الملحوظ من كتلة الجنوب على الكوني، مع مخاوف بعض أعضاء البرلمان من سيناريوهات الفراغ بعد 20/10؛ أستطيع القول إن مجلسَ النواب بهذه الخارطة سوف يقبل بالحكومة بجلسة أو بغيرها. 

عموما لن يتغير شكل مجلس النواب إلا إن اعتُمِد الاتفاقُ وعادَ للمجلس أعضاؤه المقاطعين، ما سيفرض واقعا سياسيا جديدا يرسم شكلا مختلفا تمامًا على ما هو عليه المجلس اليوم.

ليبيا اليوم:
ليبيا مقبلةٌ على مرحلةٍ جديدةٍ منفصلة تماما عن التي سبقتها وإن كانت هي التي أنتجتها.. فـ"ليبيا اليوم" تجاوزت فجر ليبيا والكرامة، وانتهت فيها معادلة الثورة والثورة المضادة، "ليبيا اليوم" تواجه مشكلات التطرف والركود الاقتصادي وغياب الدولة، إذًا هي مرحلة نحتاج فيها إلى أن نُغَيِّر قراءَتنا للأحداث ونحررَ كثيرا من المصطلحات، لِنصلَ فعلاً إلى تشخيصٍ واقعيٍّ للأزمة. 
التعليقات (2)
اسعد
الإثنين، 09-11-2015 02:49 م
التحليل جدا ممتاز لكن هناك خلافات تدعم اصحاب مناصب. في برلمان لا تريد استقرار للبلاد وخاصة اي اتفاق لا يخدم مصالحهم وهي العودة للحكم في ليبيا ولا يريدون النجاح لها واستقرارها سياسيا واقتصاديا في جعبتي الكثير ليس موجود عندك في الاعلي لكن هذا ما احببت توضيحه لعل الاتفاق للصالح الشعب كما تري هذا صحيح لكن لن يكون مالم تدعمه الدول العالم والحد من المجرمين الدوليين وقيدهم للسجون أمثال القردافي الدم وغيرهم
نبيل السوكنى
الأحد، 08-11-2015 09:58 م
المشكلة والحل معا فى العقلية الليبية نتاج عهد القذافى ترسخ فى عقول البشر مايحدث الان هو تخوين الكل وقتل الكل والكل يريد السلطة والحل الأمثل هو غياب بالكامل لجميع الشخصيات فى الموتمر والبرلمان ربما نستطيع ان نخرج ليس بحكومة وإنما شبهة حكومة توافق الكارثة المقبلة وأتمنى الايكون ذلك هنالك مؤشرات اقتصادية فى حالة استمرار ليبيا بهذا الوضع حتى نصف سنة 2016،،،قيمة الدولار تساوى مائة دينار ليبى ولكن السراج شخصية ضعيفة وليس برجل دولة ربما يكون احمد معيتق هو الحاكم الفعلى للمرحلة القادمة ، ومقالة محترمة يستحق الوقوف عليه