مقالات مختارة

بقاء العبادي وزواله

سرمد الطائي
1300x600
1300x600
كتب سرمد الطائي: يندر أن يمر مسؤول عراقي بالتجارب التي مر بها حيدر العبادي منذ صيف 2014، فقد رشحته الكتلة الشيعية نائبا لرئيس البرلمان بالتوافق، وكاد أن يفشل في الفوز بثقة النواب، إثر تقدم الدكتور أحمد الجلبي بترشيح نفسه على نحو مباغت، في سابقة مثيرة كانت تصمم رسائل للداخل والخارج بشأن نوري المالكي.

لكن العبادي سرعان ما وجد نفسه رأس الرمح في تغيير كبير حرم المالكي من الولاية الثالثة، وجعل رئيس الحكومة الجديد يحظى بدعم واسع. وقد نجح في تجربة "أخلاقيات جديدة" في بداية تسلمه المنصب، ودشن حملة علاقات عامة، وأدار حوارا طموحا مع التحالف الكردستاني واتحاد القوى. لكن الحوارات الداخلية خضعت لتجميد قاس ضمن أجواء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وجعلت الأنظار تتجه إلى العبادي كعاجز سياسيا، رغم أن العجز يمس كل قيادات التحالف الشيعي.

ومن انجماد السياسة العاجزة انتقل العبادي إلى اكثر مواسم الصيف قسوة، حتى واجه مظاهرات تكاد تطيح به، ثم وبسرعة وإثر تدبير معقد أوحت به النجف، نجح العبادي في التحول من عاجز يهدده المالكي وحلفاؤه، إلى بطل الإصلاحات المأمولة، فانقلبت المظاهرات إلى مسيرات تأييد له.

إلا أن هذا لم يدم أيضا، فسرعان ما بدأ الناس يتساءلون عن الخطوات الحقيقية، بعد زوال النشوة التي أعقبت إقالة المالكي ورفيقيه، فعاد العبادي مغضوبا عليه، تحاصره استحقاقات سلم الرواتب والأمطار وهمهمات الدب الروسي في سماء العراق.

ثم أصبح العبادي نموذجا نادرا لرئيس وزراء "بلا حزب". إذ يمكن القول عمليا إن حزب الدعوة أو الجزء ذي الصوت العالي منه، تخلى عن العبادي منذ حادثة "القائد الضرورة". إنها أول مرة يقوم فيها حزب بالسخرية من رئيس الحكومة الذي ينتمي إليه. وها هو الموقف يتطور بغموض والتباس، وتتناقض المعلومات والمواقف، لأن كتلة دولة القانون انقسمت إلى "جناح الصيادي" الذي يفضل القرارات الثورية ويكفر بالتدابير المتأنية ويدعو لسياسة الأرض المحروقة.

أما القسم الآخر من الكتلة فقد دخل في حوار مغلق، بينما تتقافز أشياء ثقيلة وخفيفة من النوافذ وتعكس حدة الارتباك، لأن العبادي يخوض تجربة نادرة من الصعود والنزول، والحزب يواجه لأول مرة تناقضا رهيبا بين "جناح الصيادي" والعبادي.

ويعتقد خبراء أن هناك فرصة للإطاحة بالعبادي، وهذا أمر معقول نتيجة عدم رضا وشكوك تتصاعد عند الأطراف السياسية، ولابد للعبادي أن يسارع لمعالجة ذلك، إذ لايوجد رئيس حكومة يستطيع العمل بلا شركاء. ولكنني شخصيا، أعتقد أنه كلما دخل "جناح الصيادي" على خط إضعاف العبادي، كلما اكتسب العبادي دعما جديدا وشرعية إضافية، إذ يحدق الناس في قسمات الوجوه ويتأملون الشرر المتطاير والعنتريات، فيعودون متعاطفين مع "أبو يسر". وهذا ليس حظا، بل فرصة بمعنى سياسي كبير لابد أن يجري اغتنامها ببرامج تشاورية واضحة، مع توجيه شكر وافر ل"جناح الصيادي".

(صحيفة المدى)
التعليقات (0)