مقالات مختارة

لا تتركوا القدس للأزعر

فايز الفايز
1300x600
1300x600
كتب فايز الفايز: الوضع في القدس عاد إلى نقطة الصفر، بعد أن منعت سلطات الاحتلال ظهر الإثنين عمال أوقاف القدس من تركيب كاميرات المراقبة المباشرة في ساحات المسجد الأقصى حسب شروط الملك عبد الله الثاني، والتي قبلها شفهيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو "الأزعر السامي" كما يصفونه، عقب اتفاق العم جون كيري وزير خارجية "الأب سام"، الذي جاء لينقذ الأزعر، فيما لم يتحدث نتنياهو بما يتعلق بالشرط الثاني، استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وهذا بند إنقاذ محمود عباس أيضا، ولم تتوقف عمليات القتل العشوائي للنساء والشباب والأطفال الفلسطينيين برصاص الجنود الصهاينة حتى اليوم. 

فجنود الاحتلال يقتلون الأطفال والنساء من مسافة صفر، ونتنياهو بدأ بسحب "البطاقات الزرقاء" وهي هوية أبناء القدس، ما يهدد حوالي 300 ألف مقدسي، وجيش الاحتلال يعيد تموضع قواته في المناطق الفلسطينية، وبينما سمح للجميع بالصلاة يوم الجمعة الماضي في الأقصى، عادت الإجراءات والقيود الإسرائيلية الصارمة تفرض على مدينة القدس وضد السكان العرب، عادت لتبدأ من نقطة الصفر، فيما حاصل نتيجة العلاقات السياسية الأردنية الإسرائيلية أصبحت صفرا مضروبا في صفر، وهذا هو المخطط الخبيث الذي يعيد لنتنياهو مركز الصدارة عندما تكون القصة تحت عنوان "الإرهاب الفلسطيني"، فالإعلام الإسرائيلي مشحون بالروايات الكاذبة، والرأي العام الأمريكي خلف الإدارة معبأون بشحنات من الأكاذيب والتضليل الإسرائيلي، ونتنياهو بات يغرق في بركة الدم التي افتتحها، وحاول السفر للبحث عن طوق نجاة في عمان، فرفضه الملك ولكنه فاز بشوط إضافي جديد.

الشارع العربي رغم تعاطفه ولكنه غائب عن جرائم الاحتلال ضد المدنيين المقدسيين الذين ثاروا على واقعهم البائس في القدس ومناطق الضفة، أولئك الشباب والأطفال لم يعتادوا بعد على دهاليز السياسة والمراوغة والصبر على الوعود التي يطلقها مسؤولو سلطة رام الله، ولا القمع والعمليات الإرهابية التي تقوم بها سلطات الاحتلال، بل إن برميل الصبر قد انفجر وتطايرت شظاياه سكاكين في أيدي الشبان والفتيات الذين ملأهم اليأس، حين لم تصلهم معونات الطمأنينة وصدق الوعد بمستقبل أفضل، فيما الشارع العربي منشغل بحروب سوريا واليمن والعراق وليبيا، وبتسلط الحكومات وقوانين الجباية والإخضاع، ولا أمل في مشروع عربي يتصدى للإرهاب الصهيوني وجيشه.

الجميع في العالم المحترم وفي داخل إسرائيل يدركون أن نتيناهو ما زال على عهد الأسخربوطي، يخون العهود وليست له كلمة ولا مصداقية ولا يفي بوعوده، وهو بطبيعة الحال يمثل غالبية الشارع الإسرائيلي الذي يعيد انتخابه المرة تلو الأخرى، فيما اليسار الإسرائيلي يصرخ ليل نهار طلبا للقليل من السلام والمرونة ولكن لا أحد يسمعه، فالصوت المسموع هناك هو أزيز الرصاص ودوي القنابل وهدير المقاتلات.

فيما الأردن الرسمي يطرح نفسه على أنه هو المفتاح الأخير للانفراج فيما يتعلق بالقدس والمناطق المقدسة، والولاية الهاشمية على المقدسات هناك، والتي باتت تخترق ويساء لها من قبل حكومة نتنياهو وقوات جيشه الذين يقتحمون الأقصى ويدنسونه متى شاءوا، وكل الوعود التي قطعها نتنياهو أمام الملك عبد الله الثاني في السابق وتعهده الأخير بعدم المساس بالمسجد والوقف الإسلامي والمسيحي هناك يخونها في أول انعطافة، وأصبح يضع الأردن والعرب والأمة الإسلامية في موقع السخرية والحرج، فيما العرب لا يملكون سوى الكلام والصراخ، حتى المظاهرات من أجل القدس لم تتحرك إلا في الضفة الغربية والمدن الأردنية، ومع ذلك منعت سلطات الأمن الأردنية عددا من الفعاليات منعا للتصعيد.

بصراحة لا أحد يستطيع لوم الأحرار في فلسطين الداخل والقدس الشريف ومشايخهم، فالحركة الإسلامية في "إسرائيل" التي يتزعمها الشيخ رائد صلاح قالت في بيان لها إن التفاهمات الأخيرة حول المسجد الأقصى، والتي تمت بتدخل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري بعمان، ما هي إلا مجرد ضحك على الذقون وذر للرماد في العيون".

كما حذر البيان من أن تلك التفاهمات ستكرس سيادة الاحتلال على المسجد الأقصى وتنسف السيادة الأردنية علي المسجد، من جذورها حتى لو وافق نتنياهو علي نصب كاميرات رقابة بناء علي طلب الجانب الأردني.

فيما وصف الشيخ عكرمة صبري، إمام المسجد الأقصى، من عمان، أن الموافقة على تركيب كاميرات مراقبة إسرائيلية في المسجد الأقصى وساحاته بإشراف مشترك من الأوقاف الإسلامية وسلطات الاحتلال، يعبّر عن قبول شراكة الاحتلال في إدارة المسجد والمقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، وهو أمر خطير، مضيفا أن الذي يريد التهدئة في الأراضي الفلسطينية عليه أن يوقف أسباب التوتر، وهي الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، ومنع المرأة المسلمة من دخول المسجد الأقصى، إضافة إلى سيطرة الشرطة الإسرائيلية على أبواب المسجد الأقصى الخارجية. 

ومن جهته قال المطران عطالله حنا في تصريحات سابقة: "لن يستسلم المسيحيون للإجراءات الأمنية لقوات الاحتلال والتي تهدف إلى بسط السيطرة الصهيونية على القدس وأحيائها داخل البلدة القديمة وخارجها، فنحن ضحايا الإرهاب الصهيوني"، والمظاهرات تعم عواصم أوروبا ضد إسرائيل، وهذه فرصتنا لإفشال المخطط الإسرائيلي ضد القدس.

إذن ما دام الوضع في القدس لا يزال ملتهبا، بل متأجج النيران التي تحيط بنتنياهو وحكومته، ولا تزال ثورة السكاكين تطيح بكل تفاهمات السياسيين العرب والإسرائيليين والأمريكيين، فإنه لا دور لعباس ولا لغيره في إمكانية إطفاء هذه الشعلة المباركة، وما يجري من مفاوضات وتفاهمات بين جميع الأطراف لا تعدو عن كونها أحلام يقظة، فهي وعود من لا يملك لمن لا يستطيع، وعلى الدول والحكومات العربية التي لا تزال تملك أمرها أن تقف وقفة الكرامة والصدق مع الشعب الفلسطيني المناضل في القدس الشريف، وألا يتركوهم مع الأزعر الصهيوني ليعربد كيفما يشاء.

(عن صحيفة الشرق القطرية)
0
التعليقات (0)