قضايا وآراء

رباعي تونس ورباعي مصر

عبدالكريم محمد
1300x600
1300x600
بالأمس ذهبت نوبل للسلام هذا العام إلى أربع منظمات (رباعي قام بدور الوساطة في عملية الانتقال الديمقراطي في تونس) أدارت حوارا وطنيا بين الفرقاء السياسيين التونسيين مع اشتداد الأزمة منذ حوالي السنتين.. والرباعي تشكل من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

اللافت في الأمر أن الرباعي  (منطلقا من أرضية وطنية) استطاع تنظيم حوار وطني طويل وصعب عبر جمع الفرقاء المتنازعين لطاولة التشاور واستطاع أن يكون وسطا محايدا ونزيها بينهم، استطاع إيصال الجميع إلى نهاية الحوار باتفاق توافقي مرض لجميع الأطراف، ودون الحاجة إلى وسيط خارجي. 

سلوك الرباعي التونسي (بعد استحقاقه الإشادة) يلقى الضوء على كل ما يشبه الحالة التونسية وقت الأزمة ويطرح سؤال ملحا "لماذا لم توجد قوى مدنية ومجتمعية تدعم عملية التحول الديمقراطي في أيا من دول الربيع العربي؟ 

قوى تساند عملية التحول وتكون ضامنا في أوقات الأزمات تستطيع إطلاق عملية سياسية بديلة وقت الاحتياج.

ولنأخذ مصر كمثال فهي أقرب ما يكون إلى الحالة التونسية، في مصر افتقرت المرحلة الانتقالية (من بعد ثورة يناير) إلى شخصيات وقوى نزيهة ومحايدة وتستطيع دفع الأمور للمام عند تعثرها دون النظر إلى مصلحة شخصية أو حزبية أو ايدلوجية ضيقة. 

فبالنظر إلى نظراء الرباعي التونسي في مصر ومواقفهم تجاه الأزمات التى مرت بها مصر، لم نجد لأحد منهم موقف نزيه ومحايد خصوصا  في الأزمة السياسية قبيل الانقلاب العسكري.

الاتحاد العام لنقابات مصر: لم يخرج يوما من عباءة السلطة داعما ومؤيدا ومناصرا للسلطة حتى على حساب أعضائه، في بيان صادر بتاريخ 16  آب/ أغسطس 2015، زعم الاتحاد تأييده لمسيرة لم  يرها أحد في الواقع حيث قال بيانه "تابع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بوافر الاعتزاز والتقدير حديث السيد الرئيس عبد الفتاح السيسس خلال الندوة التثقيفية الدورية للقوات المسلحة. وعهدا من عمال مصر الذين تقوم على أكتافهم وبجهد سواعدهم صروح صناعية وإنتاجية شامخة تبعث على الفخر والاعتزاز أن يبذلوا المزيد من الجهد والعرق لتدعيم مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي تعيشها مصر في ظل القيادة الحكيمة والسياسة الرشيدة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي".

مؤخرا وقف الاتحاد ضد حراك نقابي ضد قانون الخدمة المدنية وأعلن في بيان صادر في 8 أيلول/ سبتمبر2015 " يتابع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر باستياء بالغ وإدانة شديدة الدعوات المشبوهة للتظاهر يوم الثاني عشر من سبتمبر الحالي تحت ستار الاحتجاج على قانون الخدمة المدنية".  

نقابة المحاميين: تاريخ النقابة حافل بالحراك من أجل استقلال النقابة إلا ان النظام السابق استطاع استيعاب النقابة بفرض سيطرة الموالين له على مقاليد النقابة، تاريخ حافل من النضال لم يمنع النقابة من الانضمام لصفوف الانقلاب العسكري ولم تقف النقابة مع أيا من أعضائها المعتقلين  بل زاد اعداد المفصولين من النقابة من بعد الانقلاب العسكري. 

المجلس القومي لحقوق الانسان : أنشأته السلطة مواليا لها منذ بدايته، ورغم الأصوات المنادية باستقلاليته من بعد ثورة يناير بقى المجلس كما هو ربيب السلطة، بل أسوء من ذلك، حيث رعى المجلس القومي لحقوق الانسان قمع السلطة بغض الطرف عن انتهاكاتها ( الذي أدانته كثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية)، وإمعانا في السوء أصدر المجلس تقارير تدافع عن السلطة وتبرئها من مسئولية مذابحها.

فى بيان للمجلس نشر في 1 تموز/ يوليو 2013 أكد فيه "على أن الاحتجاج السلمي بكل سبله حق مكفول للجميع". 

ثم وقف المجلس لأكثر من عامين يشاهد فض المظاهرات بالقوة ولم يحرك ساكنا. 

وفى بيان آخر صدر بتاريخ 26 حزيران/ يونيو 2013 "يشارك المجلس القومي لحقوق الإنسان ضحايا التعذيب في مصر وفي العالم التأكيد على دعمه ومساندته للقضاء على كافة أشكال التعذيب وعلى دعم ومساندة ضحايا التعذيب والناجينونضالات قوى المجتمع المدني المصري من أجل ضمان الالتزام بالمعايير الدولية للقضاء على جريمة التعذيب". 

ثم يصمت المجلس عن التعذيب والقتل في المعتقلات وأقسام الشرطة. 

يقول المجلس في بياناته هكذا ولكن في الواقع يفعل العكس ولا أدل على ذلك من تقرير المجلس حول زيارته لسجن العقرب (سيئ السمعة) أواخر آب/ أغسطس الماضي، التقرير ذكر أنه لا يوجد تعذيب وأن المسجونيين يتلقوا كافة حقوقهم. 

وتعليقا على فوز الرباعي التونسي بنوبل للسلام، فقد "أعرب محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عن سعادته البالغة بفوز اللجنة الرباعية، وأوضح أن الظروف في تونس مختلفة عن الظروف في مصر، مؤكدًا أهمية دور المجتمع المدني ومؤسساته التنموية والحقوقية في إدارة حوار جاد بين الأطراف المتنازعة بالبلدان". 

ولم يقل لنا رئيس المجلس ماهب الظروف التب تمنعه هو ومجلسه من لعب دور مشابه لما فعلته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. 

اتحاد كتاب مصر: من المفترض أن يكون كيان ثقافي صِرف لا علاقة له بالسلطة وينأى بنفسه عن مشادات السياسة وأزماتها، إلا أن استقاله أحد أعضائه معترضا على شراء الاتحاد لشهادات قناة السويس من ميزانية الاتحاد استقالة أظهرت أن الاتحاد خرج عن دوره الطبيعي بحسب العضو المستقيل نفسه. 

القضاء: استقلالية القضاء المنصوص عليها في كل دساتير دول العالم هي الضمانة الكبرى لأى مجتمع، إلا أن الوضع في مصر معكوس فدائما ما ينسى قضاتها استقلاليتهم ويسعون خلف السلطة بمقدار سعى السلطة  لهم وربما اكثر، ويكفي أن نذُّكر بمشهد وقوف رئيس مجلس القضاء الأعلى بجوار قائد الانقلاب العسكري عند إعلانه لانقلابه في الثالث من يوليو 2013.

المجتمع المدني القوي بمنظماته الحقوقية ونقاباته واتحادته يستطيع أن يكون حصنا للمجتمع ككل يقيه اضطراباته السياسية والاجتماعية، وعونا في عملية التحول الديمقراطي وضبط اتجاه المجتمع في المسار الصحيح، حصنا وضمانا ضد السلطة متى توفر له الاستقلالية والارداة. 

هنيئا لتونس نوبل للسلام وهنيئا لها نخبتها وهنيئا على خطواتها نحو بناء حياة ديمقراطية سليمة، هنيئا لتونس ولا عزاء لغيرها.
التعليقات (0)