مقالات مختارة

البطل حنفش

علاء حسن
1300x600
1300x600
كتب علاء حسن: في أحد أحياء بغداد الشعبية، حمل القصاب علوان لقب "حنفش" لتمتعه بقوة عضلية جعلته الوحيد بين رجال مهنته متخصصا بذبح البعران والثيران والجواميس، موهبته أثارت إعجاب من عاصره..

علوان وحيد أمه، اعتاد قضاء سهراته الليلية في بار يقع في منطقة الصالحية، يتخذ له طاولة منزوية بمفرده مفضلا الوحدة، على الرغم من معرفته بجميع رواد الحانة من الشباب الأريحية الذين يكتفون بإلقاء التحية على حنفش من بعيد، لا أحد منهم يغامر بالاقتراب منه لإخراجه من صفنته الطويلة.

سر صفنات حنفش تعود إلى فشل زواجه ثلاث مرات لأسباب مجهولة، تقضي عروسه معه أسبوعا ثم تغادر بيت الزوجية متوجهة إلى دار أهلها، عودة العروس ترسم علامات استفهام كبيرة لدى أهالي الحي، لا تجد جوابا مقنعا، تكرار فشل زواج القصاب علوان، تعرف أسبابه أمه فقط، هي تعلم أن ابنها تعرّض في صغره إلى رفسة عجل تحت حزامه عندما كان يرافق أباه لمساعدته في عمل القصابة.

السر ظل طي الكتمان لم يتجاوز جدران المنزل، فضحته عروس حنفش الثالثة بعد اليوم الرابع من زفافها بحديث لأمها انتقل إلى الأب فأعلنه في مقهى الطرف أثناء الرد على المشككين بشرف ابنته.

فضح سر حنفش دفعه إلى مغادرة الحي والانتقال مع أمه إلى مدينة أخرى، ثم انقطعت أخباره، وما عاد أحد يستذكر مآثره عندما كان "يحنفش" وينجز عملية نحر أكبر ثور بدقائق دون الاستعانة بمساعدة زملائه القصابين.

قصة القصاب علوان حنفش تعيد إلى الأذهان ما ذكره مسؤولون أمنيون في سنوات سابقة حين أكدوا أن الإرهاب في العراق انحسر نشاطه، سيرفس رفسته الأخيرة ليحل الأمن والاستقرار، تصريحات المسؤولين الأمنيين، صدرت قبل دخول تنظيم "داعش" إلى محافظة نينوى، وفرض سيطرته على أجزاء واسعة من محافظة الأنبار، واحتفاظه بمناطق مهمة في محافظة صلاح الدين، بعد مرور أكثر من عام على تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة ستين دولة لمحاربة "داعش".

يبدو المشهد الأمني في المنطقة بحاجة ماسة إلى اتفاق إقليمي لبلورة موقف موحد لضمان استقرار أمن المنطقة، عبر عقد اجتماع تشارك فيه السعودية وتركيا وإيران، فضلا عن الولايات المتحدة وروسيا.

اجتماع بمثل هذا المستوى من المستحيل أن يتحقق في الوقت الحاضر، نظرا لتقاطع المواقع إلى حد التلويح باستخدام السلاح بين الدول المتنازعة. 

الشعب العراقي لم ولن يشهد الرفسة الأخيرة لثيران الإرهاب، في ظل توتر الأوضاع الحالية، ودخول الكبار في حلبة الصراع.. كل واحد منهم يمتلك قوة وقدرة المرحوم القصاب علوان حنفش في نحر الثيران والبعران.

الأطراف الدولية تدّعي أنها بإمكانها أن "تحنفش" على الإرهاب، وتجعله يرفس الرفسة الأخيرة متى يتحقق ذلك؟ لا أحد يعلم ونايمة الحنفوشة..

(عن صحيفة مدى العراقية، تشرين الأول/ أكتوبر 2015)
التعليقات (0)