مقالات مختارة

حتى لو جاءت روسيا كلها إلى اللاذقية

حسان حيدر
1300x600
1300x600
كتب حسان حيدر: لم يخجل الرئيس الروسي، وهو في حضرة قادة العالم وممثليهم في نيويورك، من مجافاة الحقيقة جهارا، عندما قال إن بشار الأسد هو الوحيد الذي يقاتل "داعش" في سوريا، ويجب دعمه. 

ولم يخرج الرئيس الأمريكي الذي واصل "معارضته" اضطلاع الأسد بدور في مستقبل البلد الممزق عن نطاق الكلام المكرور دون أي تغيير عملي محتمل على الأرض. 

فكلاهما يراوغ، وكلاهما يعرف أن مأساة السوريين لا تشغله، بل همه تسجيل مكاسب على حساب الآخر، أو في داخل بلده، أيا كانت الأعداد الهائلة للقتلى والجرحى والمهجرين أو الحجم غير المتخيل للدمار.

قال بوتين: "علينا أن نعترف بأن لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس (السوري) يقاتل فعليا الدولة الإسلامية"، وأن "عدم التعاون مع الجهة السورية التي تكافح الإرهاب وجها لوجه سيكون خطأ فادحا". 

لكن باستثناء بضع غارات ليوم واحد ربما لم تصب أي هدف، أعلن الطيران السوري شنها على مدينة الرقة، معقل "داعش"، بالتزامن مع بدء وصول التعزيزات الروسية إلى سوريا، لم يحدث أن وقعت معارك فعلية بين الجيش النظامي والمتطرفين، وانتهت معظم "المواجهات" بينهما إلى انسحاب جنود الأسد وإخلاء مواقعهم للتنظيم، خصوصا آبار النفط التي تساعد في تمويله.

وادعى الرئيس الروسي أنه يرسل قواته إلى سوريا، لأنه يريد "محاربة الإرهاب"، لكن الغارات الأولى التي شنها طيرانه استهدفت ريف حمص الشمالي، حيث تنتشر أساسا وحدات من "الجيش السوري الحر" وليس قوات "داعش".

نظريا، اختلف أوباما وبوتين حول دور الرئيس السوري في مستقبل سوريا، لكنهما توافقا قبل ذلك على ضرورة مشاركته في المرحلة الانتقالية. 

وعمليا، أرسلت موسكو طائرات وسفنا وذخائر وجنودا إلى سوريا، فيما مني البرنامج الأمريكي لتدريب مقاتلين سوريين يعدّون بالعشرات بفشل فادح، ولم ولن تقدم واشنطن إلى أي طرف سوري معارض ما يمكن أن يشكل توازنا مع الدعم الروسي المتعاظم.

ولا يعني التراشق الخطابي سوى أن موسكو وواشنطن لم تتفقا بعد على تفاصيل تسوية متفق عليها تحدد الخطوات الإجرائية ومداها الزمني، وأن الخلافات بين الدولتين الكبريين في هذا الإطار مرتبطة برسم حدود نفوذ كل منهما في العالم، على الرغم من التفاوت الكبير في قدراتهما.

وعندما يعلن أوباما بعد ذلك أن المعركة ضد "داعش" ستطول، وتشهد انتكاسات ونجاحات، وأن الانتصار على التنظيم يتطلب "زعيما جديدا" في سوريا، إنما يقر بأن الحرب السورية ستستمر حتى إشعار آخر، وأن الأسد سيبقى في السلطة طالما أن مسار المعركة مع البغدادي لم يحسم بعد.

بوتين يعتبر أن من حقه وراثة الأمريكي المنسحب من الشرق الأوسط، وأوباما يرى أنه طالما قرر الانسحاب فلماذا يشغل نفسه بمن سيحل مكانه في المستنقع الدائم. لكنهما جردا القضية السورية من بعدها الإنساني، وحوّلاها إلى مجرد ورقة على طاولة المقايضات.

غير أن "القيصر" نجح عبر إرسال تعزيزات إلى سوريا في تحويل الأنظار عن الوضع في أوكرانيا. إذ كان العالم كله ينتظر ماذا سيقول عن سوريا، وما سيعلنه من خطوات بخصوصها، وما إذا كان سيتفق مع واشنطن على حل، وركزت وسائل الإعلام الأمريكية والدولية كل اهتمامها على الإنشاءات التي يبنيها على الساحل السوري، فأعفت بوتين من العبء الأوكراني.

لكن أيا تكن "الانتصارات" التي يحققها بوتين في "الكباش" مع الأمريكيين، فإن دروس "التجربة الأفغانية"، عندما خرج أسلافه السوفيات مهزومين، لا تزال ماثلة. والجيوش البديلة التي لجأ اليها نظام بشار بعد تفكك جيشه، لم تنفعه. 

استقدم "الحرس الثوري" الإيراني و"فيالق" الشيعة العراقيين والأفغان و"حزب الله" اللبناني، ولم يستطع تعديل المعركة لمصلحته، ولا ثني المعارضة عن تصميمها. ولن يكون مصير الاستعانة في الجيش الروسي مختلفا، فالشعب السوري الذي انتفض على أربعين عاما من الإذلال اليومي سيظل يقاتل عائلة الأسد ونظامه، إلى أن يقصيهما، حتى لو جاءت روسيا كلها إلى اللاذقية.

(عن صحيفة الحياة اللندنية، 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)
0
التعليقات (0)