قضايا وآراء

حركة النهضة في تونس وكوابح وصولها إلى مرحلة الحزب الوطني المفتوح

جمال زواري
1300x600
1300x600
كتب الدكتور رفيق عبد السلام القيادي في حركة النهضة ووزير الخارجية التونسي الأسبق مقالا في الأيام الفارطة حول التحدي الأكبر الذي يواجه حركة النهضة وهي على أعتاب مؤتمرها العاشر، وصاغ عنوانه على شكل تساؤل مفاده: هل تتطور حركة النهضة باتجاه حزب وطني مفتوح؟ وهو الأمر الذي يدلل على أنها مازالت لم تصل إلى هذه المرحلة بعد رغم كل الخطوات التي بذلتها وقدمتها في هذا الإطار، وهو ما يشكل أحد أهم الأمور، المطلوب الفصل والحسم فيها بشكل واضح وصريح في المؤتمر القادم، ومن ثم الخروج من دائرة التردد التي ميزت وتميز موقفها من القضايا التي تحول عمليا بينها وبين الوصول إلى هذا الطموح الذي تحمل الحركة وتجربتها كل المؤهلات لذلك.

ورغم الوضع الدقيق الذي يميز المشهد التونسي العام على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي وفي القلب منه حركة النهضة وموقعها ومواقفها وطريقة تعاطيها مع الواقع التونسي سالف الذكر ومخرجاته المختلفة وما يثيره ذلك من ردود أفعال متباينة، فإن التحدي الأكبر فعلا الذي يواجه الحركة هو مدى قدرتها على الوصول إلى الوضع الطبيعي لأي حزب سياسي حقيقي محترم واحترافي وهو الحزب الوطني المفتوح.

في اعتقادي هناك كابحين رئيسيين يعتبران من أكبر الكوابح الذاتية المانعة للحركة من الوصول إلى هذه الصفة رغم كل انفتاحها وخطواتها الجريئة في سبيل ذلك، ويحتاجان إلى الحسم الفكري والتنظيمي والهيكلي واللوائحي والممارساتي في المؤتمر القادم هما:
 
الكابح الأول: العلاقة بين الحزبي والدعوي أو السياسي والتنظيمي:
 
حيث يبدو أن موقف الحركة وقيادتها ومؤسساتها ومناضليها من المسألة ما زال يشوبه بعض التردد والإرباك وصعوبة الترجيح، وما زال تصور مرحلة المحنة والسرية حاضرا بشكل أو بآخر في أذهان البعض رغم كل التغيير الذي حصل، ورغم إقرار معظم المتابعين والراصدين لتجربة الحركة ــ وأنا منهم ــ بالخطوات المتقدمة التي خطتها في موضوع الانفتاح والتكيف الإيجابي مع الواقع المتغير ومواكبة كل ذلك بالكثير من الاجتهادات الجريئة والشجاعة التي تتجاوز النظرة التقليدية للتنظيمات الإسلامية المنغلقة، لكن مع ذلك تبقى الحركة في بعض ممارساتها ومساراتها لم تستطع أن تتحرر بشكل كامل من وضع التنظيم الإسلامي الدعوي المؤدلج المنغلق في بعض مفاصله رغم كل خطوات الانفتاح التي أقدم عليها. 

صحيح أن الحركة استطاعت أن ترشح في الانتخابات نساء ورجال من خارج النسيج التقليدي للحركة الإسلامية وهو أمر يحسب لها، لكنها توقفت عند هذه الخطوة ولم تتعداها إلى انفتاح هيكلي وتنظيمي ولوائحي يسمح للفئات والكوادر والكفاءات المصنفة خارج الإطار التنظيمي التقليدي التاريخي للاتجاه الإسلامي من الانخراط الهيكلي الفعلي والحقيقي وليس الهامشي والصوري داخل أطر الحركة المختلفة خاصة الشوربة والتنفيذية والقيادية، حيث لم نر ولم نسمع بعد سنوات عدة من الانفتاح السياسي والثورة بقيادي على أي مستوى في حركة النهضة من خارج الإطار التقليدي التنظيمي للاتجاه الإسلامي، وهو من الدلائل المفصلية في التفريق بين وضعيتي الحزب الوطني المفتوح والتنظيم التقليدي المنغلق، وهو القصور الذي مازالت تعانيه كل الأحزاب الإسلامية تقريبا في منطقتنا العربية بسبب الخلط الواقع بين التنظيم والحزب، وهو التحدي والكابح الذي ينبغي على الحركة أن تواجهه بشجاعة وتحسمه بشكل حازم في مؤتمرها القادم على مستوى الموقف والخيار واللوائح والهياكل والتصورات إذا كانت فعلا تريد الوصول إلى وضع الحزب الوطني الكبير المفتوح الذي يستوعب جميع التونسيين والتونسيات مهما كان تنوعهم وثقافتهم وأنماط حياتهم.

لابد من التفريق بين الانفتاح الفكري على الآخر المجتمعي والثقافي وهو ما لا يستطيع أن ينكره أحد على حركة النهضة وقيادتها مهما اتفق أو اختلف معها، وبين الانفتاح الهيكلي واللوائحي والتنظيمي، ورغم أن النوع الأول من الانفتاح خطوة مهمة وضرورية للوصول إلى وضع الحزب الوطني المفتوح ولكنها لا تكفي بمفردها إذا لم يتبعها أو ينتج عنها أو يصاحبها انفتاح حقيقي على المستوى الهياكل واللوائح.
     
الكابح الثاني: الوضع القيادي للشيخ راشد الغنوشي:

لعل البعض يستغرب كيف يكون وجود الشيخ راشد الغنوشي القيادي كابح للحركة ومانع لها من الوصول إلى وضع الحزب الوطني المفتوح، فصحيح أن الشيخ الغنوشي من أكثر القيادات الإسلامية تحررا وانفتاحا سواء على مستوى الفكر والتصور والطرح أو على مستوى الفعل والتعامل والممارسة، لكن وجوده القيادي على رأس الحركة بقدر ما كان عامل استقرار وساهم في تجاوز الحركة الكثير من المطبات والفخاخ، وجنبها بعض المصير الكارثي الذي واجه غيرها من الإسلاميين، خاصة في مصر في المرحلة السابقة، وإنما استمرار وجوده القيادي في المرحلة القادمة على رأس الحركة في اعتقادي سيحول حتما دون وصولها إلى وضع الحزب الوطني المفتوح، ليس لأن الشيخ راشد يريد ذلك، أو لا يستطيع أن يفعل ذلك، وإنما لأن الصورة التراكمية لهذا الوجود ترسخ الانطباع بعدم الجدية في الوصول إلى مرحلة الحزب السياسي المفتوح، ويوجه رسالة سلبية في ذلك رغم كل التحرر الفكري والسياسي والعملي الذي يميز الشيخ راشد، حيث أن وجود المؤسس للحركة على رأس هيئتها القيادية بعد ما يقارب نصف قرن من تأسيسها يوحي -شئنا أو أبينا- بالصيغة التنظيمية التقليدية للحركة، ولا يوحي مطلقا بكونها حزب سياسي تنافسي مفتوح، وكأن الحركة بعد كل هذا التاريخ ما زالت مرتبطة بمؤسسها وتعيش في جلبابه، واستمرار حضور الهاجس والخوف من أن غيابه وتنحيه قد يؤثر سلبا على وضع الحركة الداخلي وتموقعها الخارجي، وهو حال التنظيمات العقائدية التقليدية المغلقة وليس الأحزاب الاحترافية المؤسسية المفتوحة، مهما مارست من انفتاح وتمظهرت به، فكيف يمكن لحركة النهضة أن توجه رسائل إيجابية في تراكم تجربتها وإيمانها المطلق بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وهي ما زال رئيسها هو مؤسسها بعد خمسين سنة تقريبا من التأسيس والمفارقة أن يكون نائبه كذلك حين التأسيس هو نائبه اليوم ممثلا في الشيخ عبد الفتاح مورو، نقول هذا الكلام ليس انتقاصا من قيمة الرجلين وكفاءتهما بل على العكس تماما فنحن من أشد المعجبين بأفكارهما واجتهاداتهما على المستوى الفكري والسياسي، ولكن نحن نرصد التجربة ككل ونحلل المشهد والموقع السياسي لحركة كبيرة في حجم حركة النهضة وآفاقها المستقبلية القريبة والمتوسطة في إطار تجربة الحركة الإسلامية والإسلام السياسي في المنطقة العربية عموما والمغاربية على وجه الخصوص.

لقد ارتبطت شخصية الشيخ راشد الغنوشي بكاريزما مشيخية على المستوى التونسي والعربي والإسلامي، ولازالت تسمية "الشيخ" هي التي تلازمه داخل كل هذا السياق ولا تفارقه مطلقا، ولن يستطيع أن يتحرر منها ولو أراد كما فعل عبد الإله بن كيران في المغرب مثلا، لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا، وهو الأمر الذي لا يساعد في وصول النهضة إلى وضع الحزب الوطني المفتوح مع كل الاعتدال والتحرر الذي يمثله الشيخ راشد، وإذا أرادت الحركة فعلا الوصول إلى وضع الحزب الوطني المفتوح لا بد لها من الكثير من الجرأة لحسم قضية الوجود القيادي للشيخ راشد كرئيس لها، وتفريغه لفضاءات أوسع على المستوى التونسي والعربي والإسلامي في حاجة ماسة له ولأمثاله، وتتخلص بالتالي من عقدة العيش في جلباب مؤسسها وارتباطها بوجود ه الذي لا يغادر قيادتها ورئاستها إلا بالانشقاق أو الوفاة كما هو الحال في أغلب التنظيمات الأيديولوجية المغلقة خاصة الإسلامية، مع خالص تمنياتنا للشيخ راشد بطول العمر وموفور الصحة والعافية فالأمة ككل مازالت في أشد الحاجة إليه وليس النهضة أو تونس فحسب.
التعليقات (0)