كتاب عربي 21

انتهاكات جسيمة يتحمل مسؤوليتها الجميع

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
تعددت أخطاء السلطة التشريعية الجديدة المتمثلة في البرلمان منذ الأيام الأولى لالتئام جلساته، وقلنا في مناسبة سابقا إن ما كان سببا لعدم التمديد للمؤتمر الوطني من أخطاء وتجاوزات قد وقع فيها البرلمان وبدرجة أكثر سوءا. ونتحدث اليوم عن مثلب كبير مايزال يتقلب فيه البرلمان وتتقلب فيه حكومته، وهو السكوت عن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها من يقتلون تحت راية البرلمان.

كانت الغاية من انعقاد انتخابات برلمانية جديدة، المحافظة على المسار الانتقالي وتأكيد هدف بناء دولة المؤسسات التي تتشكل عبر الانتخاب الحر لقياداتها التشريعية والتنفيذية، ليكون من أولى أوليات هذه القيادة، المحافظة على مقومات بناء الدولة، التي من أبرزها سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات ومنع الانتهاكات باسم السلطة أو تحت سمعها وبصرها كما نرى اليوم.

تبنى البرلمان عملية الكرامة وضمها لرئاسة الأركان ومنح عرابها منصب قائد الجيش، وكانت الكرامة المظلة التي وقعت تحتها تجاوزات خطيرة في مقدمتها القتل خارج القانون. فالدولة الرشيدة والمؤسسات الأمنية المنضبطة لا تتورط في أعمال اعتقال تعسفي، ولا تتورط في تصفية من تعتلقهم ثم تلقي بجثثهم على قارعة الطريق، مهما كانت المبررات، فهذه أفعال تجرمها القوانين السارية محليا ويقاد فاعلوها أو المحرضون على ارتكابها إلى محاكم دولية، حتى لو كانوا على رأس هرم السلطة.

لم أطلع على أي بيان للبرلمان يدين هذا السلوك الفظيع، ولم أسمع تصريحات للحكومة تستنكر هذه الممارسات البشعة، ولم أر تحقيقات نزيهة قامت بها الجهات التنفيذية لتتبع هذا السلوك، الذي تمارسه أجهزة ومجموعات تدعي أنها ضمن مؤسسات الحكومة وتتبع الجيش.

استمرار صمت البرلمان وصمت الحكومة يجعلهما متواطئين، لا خلاف على ذلك لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الأخلاقية، ونتكلم هنا عن سلوك مطرد منذ انطلاق عملية الكرامة قبل ما يزيد عن العام. فأن يبرر قائد عسكري مبرز عمليات هدم وحرق البيوت بحجة أنها تخدم اللحمة الوطنية، ثم لا يُساءل عن تصريحه، فالمسؤولية الجنائية لموقفه وسلوكه لاتقف عنده، بل تتعداه إلى المستويات كافة، العسكرية والسياسية العليا لأنها بعدم مساءلته ومعاقبته في حال إدانته تصبح مسؤولة عن فعله. أما المسؤولية الأخلاقية فتلحق كل من دعم عملية الكرامة ولم يميزها عن هذه الجرائم الخطيرة، ولم يستنكر الخطف والتعذيب والتصفية والرمي بالجثث في الأماكن القفرة وعلى قوارع الطرق.

الاختطاف والتعذيب والاغتيالات والقتل خارج القانون جرائم مُستنكرة ومُدانة بأشد عبارات الاستنكار، ومن يتورطون فيها مجرمون سواء انتسبوا إلى هذا الفريق أو ذاك، والجرم أشد إذ تورط في هذه الأعمال الجهات المسؤولة أو من يعمل تحت مظلتها وتدعمه.

معظم البنغازيين أيدوا عملية الكرامة، والدافع هو وقف شلال الدم في المدينة والتصدي لعمليات الإجرام المبرمج، التي استهدفت قيادات عسكرية ومبرزين مدنيين، وبرغم أن الكثير منهم مشوش حيال ما يجري اليوم، لكنني لا اعتقد أنهم يقبلون بأن يكون البديل جهات ومجموعات تمارس الخطف والتنكيل والقتل بهذه الطريقة المريعة. ومن تورطوا في هذا السلوك اليوم لن يقلعوا عنه غدا بعد أن بررت المؤسسات الرسمية فعلهم أو سكتت عنه. 

الدولة التي على رأسها قادة يعظمون الأسس التي تقوم عليها، هم من يلتزمون بالقانون حتى في التعامل مع من يُعتقد أنهم خارجون عليه، فهناك ضوابط للاعتقال، وضوابط للتحقيق، وضوابط للعقاب تشكل في مجموعها أسس دولة القانون، ولا يمكن تبرير الخروج عليها وتجاوزها تحت أي ظرف، حتى لو كان الظرف أزمة أمنية كبيرة كالتي تمر بها بنغازي، وبالتالي فإن السكوت عن هذه الممارسات وهذه الخروقات، لا يعفي البرلمان والحكومة المؤقتة من المسؤولية القانونية ومن باب أولى المسؤولية الأخلاقية.

وينسحب القول على النخبة النشطة التي من المفترض أن تكون المجذرة لهذه القيم والمدافعة عنها، في حال تجاوزها من قبل الدولة ومؤسساتها والجهات التابعة لها، أما أن تصمت على مسلسل من الخروقات الخطيرة بدأ ولم ينته، فهذا يلقي بظلال شك على مواقف النخبة الفاعلة المتعلقة بالقيم الإنسانية والحقوق والحريات وانتهاكها من أي جهة كانت.
التعليقات (0)