مقالات مختارة

الدم الإسلامي المراق بدعوى الجهاد

محمد يتيم
1300x600
1300x600
كل نشرة من نشرات الأخبار تحمل إليك وأنت تستعد لتناول وجبة من وجباتك مشاهد الدم.
دم المسلمين اليوم يجري بيد المسلمين أولا وبيد خصومهم في المقام الثاني!

دم المسلمين هو أرخص دم على وجه الأرض، وأكبر جرائم الإبادة ترتكب في حق المسلمين، وأكثر حقوق أهل الأرض ضياعا هي حقوق الشعوب الإسلامية، حتى صاروا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام.

كل يوم ينقل لنا الإعلام أخبار عن فظاعات تنسينا ما سبق من الفظاعات، في شكل هجمات همجية تتطاير معها أشلاء المصلين الركع السجود، والبسطاء من المواطنين في أسواق بغداد، وفي عدد من المدن السورية المنكوبة بعد الحرب !! وفي شكل براميل تتقاطر من السماء، وتسوي البنايات على الأرض لتختلط أنقاض البنايات بشظايا الجماجم.

وجوه غليظة شديدة عليها لحى ليس لها من سمت الإسلام ونوره أي ملمح، بل عيون يتطاير منها الشر والعطش إلى الدم والانتقام حتى من الذات من خلال العمليات الانتحارية، وتفجير الأجسام المعبأة بالمتفجرات أول ما يصعد الإمام لإلقاء خطبة الجمعة أو عند أول ركعة أو سجدة وقبل أن تكتمل الصلاة.

لم تعد هناك حرمة لنفس مؤمنة، التي حرمتها عند الله أعظم من حرمة الكعبة. كل شيء أحل، الشهر الحرام والحرمات، زمانا ومكانا خلافا لكلام الله الذي كان موجها للأعراب الأشداء في زمن كنا نعتقد أنه هو آخر الجاهليات "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرم"، ذلك ما تقوم به تنظيمات الغلو باسم الإسلام وتجنيا على الجهاد، وذلك ما تخصص فيه تنظيم الدولة المسمى زورا بالدولة الإسلامية !!

مذابح وجرائم يعجز كل لسان عن وصفها، وكل عقل عن فهم مقاصدها، ولا يمكن لعقل سليم وقلب مؤمن أن يتصور أنه بإمكانها أن تصدر عن ناس لهم صلة بالإسلام عقيدة وأخلاقا وثقافة وإحساسا وذوقا، بل حتى عن ناس فيهم ذرة من إنسانية!

أخلاق الحرب في الإسلام وضوابطها .. أين منها جماعات الغلو؟
الإسلام سن تشريعا دقيقا حتى في حالة الحرب، إذ الأصل في شريعة الإسلام الجنوح للسلم لقوله تعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا".

والإسلام شرع رد العدوان، وحرم البدء به، وأكد أن رد العدوان ينبغي أن يتحول ذاته إلى عدوان جديد لقوله تعالى : "فَمَنِ اعْتَدَى? عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى? عَلَيْكُمْ"، وأمر بالقسط في التعامل مع المخالفين، والبر بهم ما داموا مسالمين فقال: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين ".

والنبي صلى الله عليه وسلم تجنب دخول مكة معتمرا عنوة خشية أن تقع مذبحة يذهب فيها الأبرياء من المؤمنين الذين لم يهاجروا مكة استجابة لوحي ربه كما جاء في قوله تعالى: "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا عذابا شديدا".

فقد ذهب الطبري في تفسير هذه الآية إلى أنه لولا خشية قتل رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لا يعلمهم المسلمون لأذن الله لهم في دخول مكة، ولسلطان عليهم، ولكن لم يأذن لهم في ذلك صونا لمن كان فيها يكتم إيمانه. وأورد الطبري قولا للضحاك فيه معنى لطيف آخر يقول فيه: "لولا من في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم". وفيه حرص ليس على الكفار بل على ما هو مرجو فيما سيخرج مستقبلا من ذرية مؤمنة، وهو المعنى الذي ورد في السيرة حين جاء ملك الجبال بعد أن لقي النبي صلى الله عليه وسلم ما لقي من آذى مشركي الطائف يستأذنه في إهلاكهم فكان جوابه: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به".

وشرع الإسلام في حالة الاضطرار لرد العدوان مجموعة من الضوابط الأخلاقية، ومنها تجنب المدنيين المسالمين، وتوقير أماكن العبادة وعمارها، وعدم قطع الشجر. كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين».

وفيما أخرجه البيهقيُّ بسنده عن أبى عمران الجوني: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى الشام فمشى معه يشيعه؛ فقال له يزيد: إني أكره أن تكون ماشيا وأنا راكب. فقال الصديق: إنك خرجت غازيا في سبيل الله، وإني أحتسب فى مشيي هذا معك. ثم أوصاه الصديق فقال: لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا، ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نحلا ولا تحرقوه.

ولقد توسع بعض الخوراج الجدد في استدعاء بعض الفتاوى التي أجازت قتل المحاربين المتمترسين بالمدنيين المسالمين، وأحسب أنها فتوى مخالفة لروح الإسلام، وهديه وأخلاقه في الحرب ونزوعه إلى حقن الدماء قدر الإمكان، وأعتقد أن على العلماء المسلمين مراجعة بعض تلك الفتاوى وردها لأنها صدرت في زمان غير زماننا وسياق غير سياقنا، لم تكن أدوات القتل والتخريب قد بلغت ما بلغت إليه، خاصة وأنه باسمها اليوم أصبحت جماعات الغلو والتطرّف ترتكب من المجازر وجرائم الحرب مما تقشعر له الأبدان، كما هو شان التفجيرات التي تقع في بعض البلاد الإسلامية المشتعلة من قبل مجموعات تحوم عشرات الشكوك حول حقيقة ارتباطها وفهمها لروح الإسلام، بل إنه قد يكون من الظلم للخوارج وصفها بـ"الخروج" بمعناه التاريخي المعروف، كما آن الأوان لإصدار فتاوى في التفجيرات الانتحارية سدا لذريعة ما قد يترتب عنها من أذى يلحق المسالمين من المسلمين وغير المسلمين.

الخوراج وداعش : القياس مع الفارق

إنه لا يجوز في تقديري أن نقارن داعش حتى بـ"الخوارج" على الرغم من خروجهم على رابع خليفة راشد أي الإمام علي بن أبى طالب، وعلى الرغم مما ورد في وصفهم في الحديث عن سعيد الْخدرِيّ، من أنهم قوم "يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَاد "‏ .‏ ‏‏ فإن عليا حين سئل عنهم: الكفار هم: قال من الكفر فروا، المنافقون هم قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا فلما سئل: فما تقول فيهم أجاب: إخواننا بغوا علينا!!

كان الخوارج رغم تكفيرهم لعلي ومن معه من المسلمين يرعون مبادئ الاستجارة للنصارى والمشركين ويوفرون الحماية لهم ويومنوهم، فعلى تناقضهم واختلال تصورهم حيث كانوا إذا أصابوا في طريقهم مسلما على غير معتقدهم، قتلوه لأنه عندهم كافر، وإذا أصابوا نصرانيا استوصوا به وقالوا: تحفظوا ذمة نبيكم! حكي أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسوا بالخوارج فقال لأهل الرفقة وقد كادوا يهلكون من الخوف إن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم! فخرج واصل إليهم فقالوا له: ما أنت وأصحابك؟ قال : قوم مشركون مستجيرون بكم ليسمعوا كلام الله ويفهموا حدوده. قالوا: قد أجرناكم قال: فعلمونا فجعلوا يعلمونه أحكامهم ويقول واصل قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا صاحبتكم السلامة فقد صرتم إخوانا فقال: بل تبلغوننا مأمننا لأن الله تعالى يقول "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذلك لكم فساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم المأمن!!.

خوارج هذا العصر المتأخر يدمرون آثارا ومعالم حضارية تاريخية مر بجوارها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم وتابعو التابعين وكبار علماء هذه الأمة ولم نسمع منهم فتوى في تدمير تلك الآثار ولو كانت تحتوي على صور مجسمة، وهنا نحن اليوم قد سمعنا عما اقترفته يد طالبان من تدمير لتماثيل بودا، ومن تفجير القاعدة للمراقد المعظمة عند جهلة الشيعة، ونسمع عن تدمير الآثار في العراق وربما عن سرقتها والمتاجرة كما حصل خلال حرب الخليج الثانية أي أن الأمر قد يكون في حالة الآثار أكلا للثوم بفم القاعدة وداعش، وتنفيذا لمخططات تدمير المنطقة وتقسيمها، وإراحة إسرائيل من وجع المقاومة والممانعة، ووجود دول مستقرة ستسترجع شعوبها ذات يوم سيادتها، وتهب لاسترجاع الحق الفلسطيني واسترجاع مكانة الأمة العربية والإسلامية بين الأمم، وقبل ذلك وبعده استخدام جماعات الغلو والتطرف إما من خلال صناعتها صناعة مباشرة أو من خلال اختراقها ومواجهتها بإشعال المنطقة بالحروب الأهلية والصراعات الداخلية، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين.. والتخلص من تلك الجماعات الوظيفية بعد أن تكون قد قامت بمهمتها المرسومة ..

لذلك فمسؤولية العلماء والدعاة والمفكرين اليوم مسوولية عظيمة وكبيرة: أن يوضحوا المفاهيم ويحرروا صورة الإسلام من غلو الغالين وانتحال المبطلين، ويخلصوا الفقه الإسلامي من بعض الفتاوى التي أصبحت مستندا للغلو والانحراف عن روح الإسلام، ومنهجه والتطاول في دماء المسلمين وغير دماء المسلمين. آن للدم المسفوح أن يتوقف ونقطة البداية تنوير فكري واجتهاد إسلامي مستنير من قبل علماء مستنيرين.

(عن موقع الإصلاح)
2
التعليقات (2)
أبو عمر
السبت، 22-08-2015 06:47 ص
شكرًا لك على المقال الجميل. لكن لدي تخفض على ما قلته بالنسبة لا المقاومه والممانعة فهذه من قصص الخيال الكاذب الذي كانو يروجون به على مر العصور الماضية. لو كان يوجد مممانعه لما تطاولت على الشعب السوري وفي الكويت خلايا نائمة. شعار المقاومه يبدأ دخول القدس من الزبداني مرورا ب الحسكة السوريه إلى القدس. أما في خوارج العصر مثلما ذكرت هاذا كله لمصلحة إعداد الإسلام هم من يدعمون في بقائه وهم من يشهرون أجرامه لو رأيت ماذا فعل النظام السوري أو العراقي أو المصري من قتل بحق شعوبهم لما تحدثنا عن خوارج العصر كما ذكرت. ماذا يريدون أعداء الإسلام من قتل لابئس. ولا ترا نقطه من بحر عما يفعلون. دمت بخير
بو جعفر
السبت، 22-08-2015 01:32 ص
للتصحيح الآية آخرها ( عَذابًا أليمًا ) ليس شديدًا