قضايا وآراء

الإصلاح بالتوافق.. العراق نموذجا

عمر النعيمي
1300x600
1300x600
ورقة تصحيح المسار السياسي في بلد لم (يمتهن) الديمقراطية تمر بطريق وعرة، وينفق عليها وقتا وجهدا ومالا، بالإضافة إلى حساب رياضي يتعلق بالنسب المئوية، والأصعب من هذا كله، تحقيق الإصلاح بالتوافق بين مكونات يجمعها (حكما) العراق، وتعرف بها (الريح) الصفراء التي أودت بالبلد إلى خبط عشواء، وسارت به نحو واد سحيق.

ولعل بلدا مثل العراق متعدد الطوائف والأعراق من الصعوبة بمكان أن تحقق فيه(تعايشا) مبنيا على التكافؤ والتساوي، ففيه الشيعي (المرجعية) وفيه السني (المتشرذم) وفيه الكردي (المتوحد) وفيه من المكونات والاثنيات ما الله به عليم.

لعل ورقة تصحيح مسار العمل الحكومي، والإصلاحات التي قدمها رئيس مجلس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي كانت انتقالة (متوقعة)؛ لأن المتظاهرين يفصلهم عن المنطقة الخضراء ومجلس نوابها، ورئاسة جمهوريتها وزرائها (جسر الجمهورية) الذي يمكن أن يقطع بزمن لا يتجاوز 10 دقائق مشيا على الأقدام، خصوصا أن هذه المرة تم ذكر المنطقة الخضراء شديدة التحصين بالاسم، والذاكرة تعود بنا إلى حادثة لم يمض عليها سوى سنة، حين اقتحم ذوو ضحايا سبايكر (مجلس النواب) بتسهيلات مقدمة من إحدى الشخصيات صاحبة النفوذ، وكيف أنهم أوصلوا رسالتهم للجبوري أولا، وهو الحلقة الأضعف، وللعبادي الأقل ضعفا.

ورقة الإصلاح التي كتبها المتظاهرون في ساحة التحرير أو كتبتها المرجعية دون الرجوع لأحد، كانت بمنزلة جرس الإنذار النهائي و(تفويض) الواقف في ساحة التحرير أن الطريق إلى المنطقة الخضراء يمر من ها هنا.

العبادي بفطنته (استعجل) الإصلاح لأن الوقت يمضي وهو ليس بصالحه، وقام بضرب الحلقة الأضعف دستوريا نواب رئيس الجمهورية الشكليين الخاضعين للمحاصصة والترضية، ثم البدء بالأقربين، نوابه الذين لم يكونوا إلا أرقاما تضاف إلى النواب الذين سبقوهم، وبذلك يتوفر رقم(فلكي) مهما يمكن أن يعوض جزءا من الخلل في الميزانية الذي أحدثه النواب الستة بكل امتيازاتهم.

العملية لم تقف عند هذا الحد، ففي بلد مثل العراق بوزاراته (الفائضة) ثمة ما يقرب من 719 وكيل وزارة، و6000 مدير عام ومستشار بدرجة خاصة، ووزراء ناهيك عن النواب الحاليين أنفسهم وآخرين متقاعدين، وأعضاء مجالس محافظات، ورؤساء هيئات مستقلة، وكل واحد من هؤلاء له أعداد من الحمايات الشخصية تزيد أو تنقص حسب الأهمية، وبالتالي نحن أمام ميزانية لسنوات لبلد صغير مثل الأردن. بل إن ميزانية العراق تساوي ميزانية خمس دول من المنطقة.

إعلاميا هذا ما أكده العبادي في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت ليس في موعدها المقرر الثلاثاء، مستبقا الأحداث وتم عقدها الأحد على غير المتوقع، والحصيلة موافقة بالإجماع.

انتقلت الكرة إلى مجلس النواب، ورئيسه الجبوري الذي فيما يبدو كان يتابع عن كثب، مستبقا كل الإصلاحات بكلمة سبقت التظاهرات وبثتها بعض القنوات، وفيها رسالة (التعبير عن حرية الرأي) وإعطاء الحق الكامل لهم فيما يقررون.

لم يقف الجبوري عند هذا الحد فاجتمع بالكتل السياسية ووضعهم في سكة (اللا عودة) عن المضي في الإصلاح، وكان ثمة حراك إصلاحي جديد، تسابق به مع العبادي، وكان متساويا.

الذي جرى يشبه كرة قدم فيها كمية جيدة من الهواء ألقى بها العبادي إلى الجبوري، لكن الأخير زاد نسبة الهواء فيها وأعادها إليه، ولا ندري إن كان يستطيع ردها أو لا.

الحلقة الأضعف..

فيما يبدو لي قراءة للواقع، إن أضعف حلقة، كانت متعلقة بحامي الدستور رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الذي أراد أن يكون (وطنيا) بامتياز التمسك بنوابه الثلاثة المختلفين فيما بينهم، أحدهم ينتظر ربما محاكمة مستعجلة على فساد نخر بالعراقيين لمدة ثماني سنوات، واحتلت في زمنه ثلاث محافظات، والآخر ليس حاله أفضل، لأنه هو الثاني لم يفلح في حضوره جلسات مجلس النواب، بالإضافة إلى معارضته المصدعة للرؤوس، التي ذهبت مع الريح حال تسلمه كرسي (المصالحة)، والثالث منهم ليس كسابقيه، لأنه من عائلة معروفة في نينوى، ونجح في إدارة ملف مجلس النواب سابقا.

أراد معصوم الحفاظ على (مكتسبات) الهدوء النسبي الذي يطيل أمد الركود بينه وبين الحكومة، لأنه يمثل الطرف الكردي اللاعب الأهم في المعادلة العراقية، وموقف معصوم هذا يوضح أن منصب رئيس الجمهورية ليس شرفيا. بل هو حلقة زائدة.

معصوم أراد بموقفه (تحصين المالكي) أكثر وفق اتفاقات محدودة تجعل الطرف الأقوى (العبادي) متفردا في القرار، وثمة خلافات كانت ولا تزال بين حكومة المركز والإقليم. وهو ما دفع البرزاني لعقد اجتماعات لبحث إصلاحات العبادي.

نينوى والأنبار وصلاح الدين..

انعكاسات الحملة الوطنية التصحيحية التي يقودها العبادي والجبوري لم تهمل عقد اجتماعين مهمين مع مجلس محافظة نينوى، ومجلس محافظة الأنبار، هذه المحافظات ستكون مستفيدة لكن بعد تحريرها من داعش، لأنها ستقاتل من أجل حكم نفسها بنفسها، وبذلك ستعطى مزيدا من الصلاحيات في ظل إقليم يتحكم به أبناء هذه المحافظات بعيدا عن المركز

أما قبل..
الحراك الإصلاحي في أوجه ظاهريا، وإعلاميا، لكنه سيواجه صعوبات الشخصيات الكبيرة، ويواجه التوافقات، ويواجه المصالح المشتركة، وسيواجه التفاهمات، والاستحقاقات، والتوازن، عند ذاك سيكون الإصلاح السياسي من أصعب ما يكون، وهذا يفسر سر المواجهة التي ستكون قريبا بين المؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية بانتظار (الغالب)، الذي سيكون حتما بالتوافق.
التعليقات (0)