قضايا وآراء

ما وراء التقارب الإيراني الغربي

عبد السلام معلا
1300x600
1300x600
يعكس الاتفاق النووي الإيراني-الغربي المبرم مؤخرا شكل العلاقة واتجاهاتها المستقبلية بين الطرفين، فهو لا يمثل ختاما لحالة سادت بين الفريقين بقدر ما يشكل عنوانا لمرحلة قادمة، والفرق بين الحالتين كبير على الرغم من أن الجزء الأخير من العبارة لا ينفي المعنى الذي تضمنته في جزئها الأول، ذلك لأن الاتفاق لا يجسد بذاته قضية نهائية بقدر ما يفسح المجال لها كي تتشكل وتأخذ دورها في حيز العلاقة بين الطرفين، تلك التي تتمثل بتقارب الأطراف المعنية والتناغم في حراكها السياسي في المنطقة الإقليمية تحديدا.

 ومثل ذلك يقال بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني، إذ إنه ليس عنوانا أو هدفا نهائيا، وإنما السبيل لامتلاك القوة والنفوذ والقدرة على التأثير، فإذا ما استطاعت إيران تحقيق ذلك بفعل تداعيات سعيها المحموم لتطوير برنامجها النووي، والذي يتجسد من خلال الاتفاق مدار الحديث، أو بفعل حركة التحولات التي تشهدها المنطقة، والتي سيكون من تبعاتها إعادة كل الأطراف صياغة مواقفها وتحالفاتها، عندها يمكن لإيران الرجوع خطوة أو خطوات عن البرنامج المذكور، دون أن يعني ذلك تغيرا في التوجهات أو منهجيات العمل.

غني عن البيان أن التقارب مدار الحديث يتم  بين مشاريع، إما كبرى فاعلة، وإما ناهضة طموحة، وليس بين حكومات لها برامجها السياسية الآنية أو القصيرة المدى عموما، وهي مشاريع تعمل داخل حركة التاريخ، وتحاول ضبط إيقاعها على وقع مصالحها، وإذا كان التاريخ (الزمان) لا يعني شيئا بمعزل عن الجغرافيا (المكان)، فإن الجغرافيا العربية كمتضرر أكبر من ذلك التقارب تشكل مساحة يتفق من حولها نقيضان، يتم ذلك في لحظة يتأكد فيها أن النظام الرسمي العربي يمارس (هواياته) السياسية خارج حركة التاريخ. 

وهو الأمر الذي يستدعي قراءة الحدث من خلال سياق يتجاوز اشتراطات ومعطيات اللحظة الزمنية الراهنة، وفسح المجال لامكانات استشراف المستقبل،  واستقراء  حركة اتجاه الحدث السياسي في منطقتنا الإقليمية والعالم، حتى تكون المقاربة المقدمة أقرب ما تكون إلى المعقولية والصحة.

العرب المتضرر الأكبر من التقارب

لا يمكن لوم الآخرين عندما يتفقون على ترتيبات تحقق مصالحهم وتسبب أضرارا للعرب، ذلك لأن السياسة هي لعبة مصالح في المقام الأول، ولا تأخذ في الحسبان بذل الصدقات للمتخلفين عن الركب، ولأن منطق التاريخ لا ينتظر العاجزين ولا يرحم الضعفاء، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن النظام الرسمي العربي لا يجيد تشخيص مصالحه، بل هو قبل ذاك ليس له مشروع واضح المعالم يعبر به عن كينونته السياسية والاقتصادية والثقافية، حتى يترتب على ذلك رؤية وأهداف ومصالح وسياسات كما يفعل الآخرون.

 ليس المقصود القول بأن غياب المشروع العربي قد شجع تلك الأطراف على الاتفاق، وإلا لاتفقوا منذ عقود، وإنما يمكن القول أن للاتفاق صلة بطريقة ما بالرغبة المشتركة في تفويت الفرصة على قيام مشروع عربي في المنطقة، ذلك الذي تم التعبر عنه - بوصفه حلما وهدفا مستقبليا - بكلمات بسيطة تقول: "سنصنع غذاءنا وسلاحنا ودواءنا"، كمقدمة لامتلاك الإرادة وصناعة التمايز، ومثلما كان مثل هذا الموقف يمثل إرهاصا لنهوض مشروع عربي لا يتماهى أو يجاري أيا من المشاريع القائمة، ويطرح نفسه كفاعل حقيقي في ساحة التدافع الحضاري في المنطقة، ندا لند، فإن وقوف كل الأطراف بما فيها الغرب وإيران إلى جانب دعم الانقلاب على الرئيس مرسي (صاحب المقولة) مثل الإرهاص الأقوى لإنجاز الاتفاق الإيراني الغربي مدار الحديث. 

لماذا تبدو إيران مفضلة لدى الغرب؟ 

أولا: لم تبارح إيران بعد مرور ثلاثة عقود على ثورتها مرحلة البحث عن الذات، واستكشاف عوامل قوتها واستثمارها كي تقف على قديمها، ولم تستطع خلال المدة المذكورة التأثير في السياسات الإقليمية والدولية إلا بصورة طفيفة، وليس من المتوقع لها في المديين المنظور والبعيد أن تمتلك القدرة على إحداث إنقلاب في موازين القوة الدولية، وإن كانت قادرة على التأثير الفعال في الموازين الإقليمية، وهي القضية التي تمثل نقطة الالتقاء الأهم مع الغرب لضبط المنطقة الإقليمية وفقا لقاعدة المصالح المشتركة بين الطرفين. 

في مقابل ذلك، فإن مجرد انتقال العرب من حواشي التاريخ إلى صلب حركته، ومن حالة انعدام الوزن إلى دائرة المنافسة على بناء المشاريع، وما يتطلبه ذلك من خوض معركة التدافع على النفوذ وامتلاك القوة المادية والمعنوية من مظانها المركوزة في صلب التاريخ والجغرافيا العربية، سيجعل من إمكانات التأثير في الخريطة السياسية العالمية متاحة بقوة وعلى صعيدي الحجم والسرعة (حجم التغيير وسرعة الإنجاز)، تلك الموازنة التي ستجعل من خيار التقارب مع إيران مفضلا بقوة لدى الغرب، فيما سيتم إشغالها واستنفاذ طاقاتها في مواجهة حركة التحولات العربية، ومنع محاولاتها للخروج على النص السياسي الخاص بالمنطقة، والذي باتت إيران شريكة في صياغته.  

ثانيا: أثبتت إيران قدرة على التحمل ومواجهة التحديات طيلة عقود، فضلا عن خبراتها المكتسبة وكفاءتها في إدارة الأزمات والمستجدات، ما يؤهلها أن تكون الممثل الإقليمي للتفاهمات الدولية حول مستقبل المنطقة التي تحوي عنصرين - على الأقل - يشكلان عامل جذب ونقطة تلتقي فيها المصالح الإيرانية الغربية، الثروة، والموقف الرافض لقيام مشروع  جديد في المنطقة. 

تُبنى العلاقات السياسية على المصالح في عالم لا يعير اهتماما للمباديء وقيم الحق والعدل، والمصالح وحدها هي التي جعلت الغرب يعتبر إيران عام 1980 تشكل خطرا على المنطقة فافتعل الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات لإيقاف الخطر المزعوم، ولضرب قوى المنطقة بعضها ببعض، وهي ذات الحسابات التي تجعل من الغرب - لا سيما الولايات المتحدة التي أدرجت إيران على لائحة محور الشر سابقا – تغير موقفها إزاء إيران 2015 برغم الفرق الهائل في إمكاناتها بين اليوم والأمس، وتغض الطرف عن تمددها الواضح في غير مكان من الأرض العربية، وهي الحسابات التي قد تجعل من السيسي صاحب مقولة (مفيش، معنديش) هدفا إيرانيا مفضلا للتحالف، وذلك لكونه أعجز عن أن يكون صاحب مشروع يزاحم إيران طالما أنه عاجز عن توفير أقل المستلزمات للشعب الذي يحكمه، فيما هي تبحث عمن يؤدون دور المُلحق بمشروعها كما هي عادتها.
التعليقات (0)