مقالات مختارة

توسعة قناة السويس

حسن الشوبكي
1300x600
1300x600
كتب حسن أحمد الشوبكي: يتبادر إلى الذهن مثال عائلة يخترقها الفقر ويمزقها العوز، لكنها تسعى بكل ما أوتيت من علاقات وقوة لاستدانة مبلغ مالي كبير لترسل ابنها البكر للدراسة في الغرب. فذات الأمر قد ينطبق على خيارات الدول الاقتصادية، بهروب صانع القرار من استحقاقات الداخل إلى العلاقات العامة في الخارج.

بحسب شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية المتخصصة بالاقتصاد، فإن توسعة قناة السويس التي كلفت نحو 8 مليار دولار، لا تعبر عن حاجة بالنسبة للعالم اليوم، في ظل حركة ملاحية عالمية تشهد تراجعا مستمرا، تبعا لتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم.

وهنا يصبح سؤال الجدوى أساسيا من وراء هذه التوسعة، وربطها بالحركة التجارية المرتقبة، وحجم إيرادات القناة مستقبليا.

وبينما تتوقع إدارة قناة السويس أن يكون بإمكان 97 سفينة عبور القناة يوميا بعد 8 سنوات، مقابل 49 سفينة حاليا، فإن مسألة تقليل الوقت المستغرق لمرور السفن والبواخر ليست أساسية بخصوص حركة السفن في السويس، التي لم يعبرها أكثر من خُمس قدرات القناة الاستيعابية في العام الماضي مقارنة بالعام 2008.

يرى البعض في هذا المسعى محاولة لإيصال رسالة للدول الكبرى واستثماراتها العابرة للحدود، مفادها أن الحكومة المصرية قادرة على إنجاز المشاريع الكبرى. وتفيد البيانات التقديرية من جانب السلطات المصرية إلى أن الإيرادات السنوية المتوقعة للقناة سترتفع من مستوى 5 مليارات دولار العام الحالي إلى 13 مليار دولار في العام 2023. غير أن تحديات اللحظة الراهنة بالنسبة للاقتصاد المصري تبدو أكثر أهمية من تلك التقديرات.

وخلافا لدراسة إيطالية بأن توسعة قناة السويس ستستوعب نحو ربع حركة الملاحة عبر قناة بنما، فإن مسار الحركة التجارية لكلا القناتين يشير إلى أن المشروع المصري الجديد لن يدخل في منافسة مع قناة بنما؛ فالسفن التي تمر من السويس تخدم جهات لا علاقة لها بالجهات التي تخدمها قناة بنما.

والغريب هنا أن شركات شحن السفن العالمية ونقل الحاويات لا ترى وضوحا في الهدف من توسعة قناة السويس، وهناك معلومات متضاربة بهذا الشأن. والتقارير التي أوردتها "بلومبيرغ" قبل يومين عززت من الجدل حيال المسعى المصري من وراء هذه الخطوة المكلفة.

هكذا يبدو أن القاهرة تبحث عن حلول خارجية لأزمات داخلية مستحكمة، بيد أن الخيار الخارجي مقيد بسلسلة شروط، ليس أقلها السيطرة على مفاتيح الشكل الاقتصادي في الدولة التابعة له.

والرسائل الاقتصادية التي تخرج من المنطقة منفرة للاستثمار الأجنبي؛ فثمة تنظيمات مسلحة، وحدود مغلقة، وقتال وحروب، وآفاق تجارية يلفها الضباب، وحال من عدم اليقين لا يعرف أحد متى ستنتهي، في موازاة محاولات من بعض الحكومات في المنطقة لتقديم رسائل مغايرة، حتى لو كان ذلك من خلال أولويات غير ملحة.

ومن المؤشرات التي ترسخ الزعم السابق أن وسائل الإعلام العالمية انشغلت بخبر تفجير انتحاري لنفسه في مسجد بمدينة أبها السعودية، وغضت الطرف في اللحظة ذاتها عن احتفال تدشين توسعة قناة السويس.

(عن صحيفة الغد الأردنية، 8 آب/ أغسطس 2015)
التعليقات (0)