كتاب عربي 21

"كندرة عسكري ولا جلابية أفغاني"

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
لا يمكن أن يحل المدني الحامل للسلاح، لظروف استثنائية، بديلا عن الجيش والشرطة في مرحلة بناء الدولة، فكيف إذا كان التوجه متشددا والخطاب عنيفا و"اللباس أفغانيا". 

لكن هذه المُسلمة لا تبرر اختزال حل الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا في ثنائية "كندرة العسكري ولا جلابية الأفغاني"، وفق الفهم السائد اليوم. 

لا أبالغ إن قلت أن هذه هي أطراف المعادلة اليوم عند جمهرة من الليبيين، يستوي في ذلك متعلمهم وأُميهم. فهل يمكن أن ينتج عقل ارتهن إلى هذه النتيجة شيء يسعف واقعنا المرير، ويبدع مشروع نهضة ما يزال حلم أهل بنغازي، مهد الثورة، وكذا جُل الليبيين بكافة مشاربهم.

لو بحثت في مبررات الوصول إلى هذه المعادلة المختلة، لوجدت أن التبسيط سيد الموقف، وإذا ما نقبت في المقاربات الممكنة لفك الاشتباك والخروج من المأزق الذي يشتد تأزما بفعل المقاربة المختلة فستكتشف أن العديد منها ممكن، وقد تعرضنا لبعضها في مقالات سابقة، ويمكن أن تضعنا في رحاب واسع من التوافق يسد كثيرا من أبواب التأزيم، التي تضيف كل يوم ركاما من الدمار إلى الركام الموجود، ومزيدا من الدماء إلى السيل الذي لم يجف منذ سنوات.

الأسئلة التي تطرح ذاتها: 

- هل كندرة العسكري وفق المقاربة الحالية لاحتواء أزمة بنغازي قضت على جلابية الأفغاني، أم أنها ساهمت في التمكين لها؟

- هل بحث القوم في مقاربة شاملة تواجه خطر التشدد والإرهاب، بالرجوع إلى جذوره، وبتوظيف كافة أدوات الاحتواء والمواجهة، أم أن العجز والضعف والخوف فعلت فعلها، فأوهمت المجموع العام أن القوة، وفق المقاربة المطروحة، كفيلة بمحاصرة الخوف الذي اجتاح بنغازي بعد موجة الاغتيالات الآثمة خلال عامين ويزيد؟

- ألم يحن الوقت لتقييم الوضع الراهن والحرب المشتعلة بموضوعية، والوصول إلى مخرج حقيقي للأزمة، بدل البحث عن انتصار مؤقت، واستقرار موهوم ما يلبث أن تجرفه موجة عنف جديدة تتبعها أخرى بفعل القصور في المعالجة الجذرية والشاملة للصراع؟

أيها الإخوة الكرام، إنه من الخطورة بمكان أن نستصحب العلة في كل مراحل التأزيم، ومع كل طور جديد من الصراع، ونُصرّ على أنها العلاج. 

أيها الإخوة الكرام، إن الثنائيات الحدية (كندرة عسكري ولا جلابية أفغاني)، لا يمكن أن تكون ترياقا لمرض عضال يسري اليوم في الجسم (الليبي) الضعيف، كما أن الشعارات المُهيجة، التي لم تخضع للبحث والتحليل والدراسة، لا يمكن أن تحقق الأماني الكبيرة، وخير مثال على ذلك ثورة فبراير. لقد كانت هبة الليبيين في الثورة بدافع نبيل، ولغايات سامية، ولأسباب موضوعية، ما كان يمكن أن تقود إلا إلى ثورة، لكن التسطيح في التعامل مع مخرجات الثورة والعجز في التعامل مع نتائجها القريبة والبعيدة، بحكمة وتوافق، قاد إلى النتائج التي نعيشها بمرارة اليوم. 

أفلا تصلح تجربة الثورة للاعتبار والتروي قليلا، قبل أن نتورط في مزيد من التهييج، ونفرض ثنائيات لا يمكن حتى في حال رجحان أحد أطرافها (كندرة العسكري) أن توصلنا إلى بر الأمان وإلى السلام والاستقرار والتنمية التي نرجوها.

راجع أيها القارئ الكريم نتائج التعبئة العمياء والثنائيات الحدية اليوم، وتفحص معي تداعياتها. 

السيناريو يتكرر وبشكل أكثر قبحا، فالجيش يقع في مأزق احتوائه من قبل من لا علاقة لهم بالعقيدة العسكرية المحايدة والانضباط العسكري والمسؤولية الأخلاقية للجندي، وعندما يُنقل عن قادة عسكريين والعديد من الفاعلين على الأرض، عبر عشرات التصريحات المكتوبة والمقاطع المسجلة، أن المدنيين هم من يشكلون الغالبية العظمى من المقاتلين التابعين للكرامة في بنغازي، فأنت تجر نفسك إلى سيناريو أكثر تعقيدا مما حدث بعد اندلاع ثورة فبراير، خاصة أنه ومع طول فترة القتال، وتعقد درجاته، تتكرس توجهات وتكتلات ومصالح لا يمكن احتواءها عبر مقاربة "جيش وشرطة".

بالمقابل، فإن النتائج الكارثية الناجمة عن قيادة حرب مفتوحة صاحبتها ممارسات غير مسؤولة، بل وخطيرة، أدت إلى التشويش على رسالة الجيش، وعلى أحد أهم مسؤولياته، وهي الحرص على الأرواح والممتلكات، الأمر الذي قاد إلى تأجيج عدوات وانتقام تحركه نزوعات جهوية وقبلية وأيديولوجية، وآل الوضع إلى انقسام مجتمعي حاد وتفكك اجتماعي ظاهر، بلا أدنى شك، سيسهمان في تكريس التشدد واتساع رقعة التطرف.

وختم بالقول إن العملية العسكرية الحالية ستكون أحد أهم أسباب توسع تنظيم الدولة "داعش" في بنغازي، كما كانت عاملا من عوامل وجوده، وأن الحسم لن يكون في أسبوع، ولا أسبوعين (كما هي الوعود)، والوضع المأزوم مرشح للاستمرار أشهر طوال، إن لم تكن سنوات، فهل سيرتفع صوت العقل وتطرح مشاريع متكاملة لمجابهات التهديدات، أم سيركن العقلاء إلى الدعة، ويستسلمون للوعود المتكررة، انتظارا للفرج، ليستمر مسلسل الدمار والقتل؟!
التعليقات (1)
أحمد
الثلاثاء، 21-07-2015 07:21 م
هو نة دونك سرت وجرب فيها كل الوسائل البديلة التي تتحدث عنها. ورينا الفلاحة والا هي غير استغراض للغة ومحتوى اجوف.