ملفات وتقارير

"السلمية والعنف" يفجران أزمة "شرعية" بين قيادة إخوان مصر

الخلاف بدا على السطح قبل 4 شهور وبلغ ذروته الأسبوع الجاري - أرشيفية
الخلاف بدا على السطح قبل 4 شهور وبلغ ذروته الأسبوع الجاري - أرشيفية
بيانان، صدرا الخميس، من مكتب الإرشاد القديم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والقيادة الجديدة المنبثقة عن انتخابات داخلية أجريت العام الماضي، يعكسا أزمة داخلية داخل الجماعة، أرجعتها مصادر بجماعة الإخوان إلى الخلاف حول مسار مواجهة السلطات الحالية، وحديث البعض عن التصعيد والقصاص، مقابل إصرار آخرين على السلمية وسيلة للتغيير.

محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، المحسوب على المكتب القديم، قال في بيان إن "نائب المرشد (يقصد محمود عزت)، وفقا للائحة الداخلية للجماعة، يقوم بمهام المرشد العام، إلى أن يفرج الله عن المرشد، وإن مكتب الإرشاد، وهو أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة، هو الذي يدير عمل الجماعة". 

وأضاف في البيان، أن "الجماعة تعمل بأجهزتها ومؤسساتها وفقا للوائحها وبأعضاء مكتب الإرشاد، ودعمت عملها بعدد من المعاونين وفقا لهذه اللوائح ولقرارات مؤسساتها".

وهو ما سارع مكتب الإرشاد الجديد في الرد عليه؛ حيث أصدر تعميما، حسب المصادر، أكد فيها أن محمود حسين فقد عضويته بمكتب الإرشاد، وبالتالي الأمانة العامة للمكتب، بمجرد خروجه من مصر، وأن من يعبر عن الجماعة هو متحدثها الإعلامي محمد منتصر. 

وفي وقت لاحق، قال منتصر في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال فيه: "لقد مرت الجماعة بظروف عصيبة منذ الانقلاب الدموي الغاشم على الرئيس الشرعي، وهو ما دفع الجماعة إلى تطوير هياكلها وآليات عملها للتناسب مع العمل الثوري للقضاء على الانقلاب".

وأضاف: "أجرت الجماعة انتخابات داخلية في شباط/ فبراير 2014، وقامت بانتخاب لجنة لإدارة الأزمة، مارست مهامها وقادت صمود الجماعة ضد الآليات العسكرية حتى الآن، وكانت نتيجة هذه الانتخابات استمرار الأستاذ الدكتور محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة، وتعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة، وتعيين أمين عام للجماعة لتسيير أمورها، كما قامت الجماعة بانتخاب مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان في الخارج برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن، وقامت الجماعة بتصعيد قيادات شابة في هياكلها ولجان عملها الثورية ليتصدروا إدارة العمل الميداني للجماعة، مواكبة للروح الثورية".

ومضى قائلا: "نحن إذ نؤكد أننا أجرينا تلك الانتخابات، برغم الملاحقات الأمنية، بمشاركة وعلم جميع أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام للجماعة دون استبعاد أحد، التزامًا باللوائح المنظمة لعمل الجماعة ومؤسسية اتخاذ القرار، والعمل على بناء جسم وتشكيل ثوري قوي للجماعة لتحقيق الهدف.. ونؤكد أن مؤسسات الجماعة التي انتخبتها قواعدها في شباط/ فبراير العام الماضي تدير شؤونها، وأن المتحدث باسم الجماعة، ونوافذها الرسمية فقط هم الذين يعبرون عن الجماعة ورأيها".

وقالت مصادر بجماعة الإخوان المسلمين في أحاديث منفصلة، إن خلافا يدور حاليا داخل قيادة الجماعة العليا، حول مسار مواجهة السلطات الحالية، وحديث البعض عن التصعيد والقصاص، مقابل إصرار الآخرين على السلمية وسيلة للتغيير؛ ما أدي إلى ظهور قيادتين للجماعة، كل منهما تعدّ نفسها صاحبة "شرعية" قيادة الجماعة والمسؤولة عنها.

وأوضحت المصادر -التي فضلت عدم الكشف عن هويتها نظرا لحساسية الموضوع- أن الخلاف بدا على السطح قبل أربعة شهور، وبلغ ذروته الأسبوع الجاري، عقب مقال نشره المتحدث باسم جماعة الإخوان محمود غزلان، أكد فيه على السلمية، على عكس ما كان ينشره المتحدث الإعلامي للجماعة، محمد منتصر، على مدار الشهور الأربعة الماضية، حول التصعيد والقصاص.

المصادر قالت إن بداية القصة كانت عقب فض اعتصام رابعة العدوية في منتصف آب/ أغسطس 2013، والقبض على المرشد العام للجماعة محمد بديع، حيث تم نقل صلاحيات الأخير إلى محمود عزت، 71 عاما، بصفته نائب المرشد الوحيد الموجود داخل مصر، بالإضافة إلى باقي أعضاء مكتب الإرشاد بالداخل.

وأضافت: "نظرا لصعوبة حركة عزت -نظرا لكبر سنه والمخاوف الأمنية التي يواجهها- تم توكيل مهام القائم بأعمال المرشد العام، لمسؤول التربية في الجماعة، محمد طه وهدان 54 عاما، والذي كان يشغل عضوية مكتب الإرشاد قبل الانقلاب العسكري، وشاركه في مهمته محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد، وحسين إبراهيم، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان)، وعبد الرحمن البر، الملقب بمفتي الجماعة".

وأشارت المصادر إلى أن الفريق القديم ظل مسيطرا على الجماعة والتنظيم، ويدير المشهد من خلف ستار حتى تزايد الدعوات لإجراء انتخابات داخلية بالجماعة منتصف العام الماضي.

وتابعت: "تمت الانتخابات الداخلية في نهاية 2014، وأسفرت عن انتخاب مكتب ارشاد جديد لم يتضمن أغلب الوجوه القديمة".

ومكتب الإرشاد هو أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة، ويتكون من 18 شخصا، بحسب اللائحة الداخلية، في الوقت الذي قد يزيد العدد إلى أكثر من ذلك في حال القبض على أعضاء المكتب، أو بتعيين أشخاص جدد، حيث يتم انتخاب أو تعيين أعضاء جدد بديلا عن من يتم القبض عليهم مع احتفاظ الأخيرين بالعضوية.

ويري أعضاء المكتب القديم، وعلى رأسهم عزت وغزلان، حسب المصادر، أن "أزمة العنف والسلمية" داخل الإخوان التي ظهرت للعلن بقوة خلال الأسبوع الجاري، كانت نتاج الخلافات المكبوتة داخل التنظيم منذ شهور.

وكانت أزمة حول اتجاه الإخوان للعنف أو إصرارها على اتخاذ السلمية منهجا، ظهرت الأسبوع الجاري، عقب مقال نشره غزلان على إحدى النوافذ الإعلامية للجماعة، يؤكد فيها على السلمية ويرفض فيها دعوات البعض للجوء للعنف.

مقال غزلان جاء أغلبه متوافقا مع رغبة مكتب إخوان مصر بالخارج، المختص بالتعامل مع الدول والبرلمانات الأجنبية، الذي اعترض أمام مكتب الإرشاد الجديد على اللهجة التصاعدية للجماعة، التي لا تتناسب مع السلمية التي يتحدثون فيها مع الخارج، حسب المصادر.

وأضافت المصادر: "القيادات القديمة في المكتب تعتبر اللهجة التصاعدية واستخدام العنف أو حتى التهديد به ليس من فكر الإسلام ولا الإخوان في شيء، إلا أن المكتب الجديد يعتبر أن القيادات القديمة لا تشعر بنبض الشارع وما يحدث من قتل واغتصاب واعتقال (حسب وصفهم)".

ذلك الخلاف حول العنف والسلمية فجر أزمة مكبوتة حول شرعية مكتب الإرشاد الجديد، حيث ترى القيادات القديمة، وعلى رأسها محمود عزت ومحمود غزلان، إنه لم تتم دعوتهم إلى الانتخابات، وتم انتخاب آخرين لمكتب الإرشاد، وعلى رأسهم محمد سعد عليوة ومحمد كمال (كانا عضوين بمكتب الإرشاد إبان الانقلاب على مرسي)، بالإضافة إلى علي بطيخ، الذي يشغل منصب عضو مجلس شورى الجماعة، وهي أعلى سلطة رقابية بالتنظيم، فيما أعيد انتخاب حسين إبراهيم، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بالمكتب الجديد.

ووفق المصادر ذاتها، فإن مكتب الإرشاد الجديد يقول إن هذه القيادات (أي عزت وغزلان)، أعلنت رغبتها في الاستقالة، وهو ما دفعهم لعدم دعوتهم للانتخابات، فضلا عن أن الظروف الأمنية حالت دون وجودهم. وتابعت المصادر أن المكتب الجديد يقول إن الانتخابات تمت بمن تبقى من أعضاء مجلس شورى الجماعة خارج السجون.

ومضت قائلة إنه لم تجر انتخابات لاختيار قائما جديدا بأعمال المرشد العام للإخوان، بل تم تكليف محمد كمال بهذا المنصب، باعتباره أكبر الأعضاء سنا، وهو ما اعتبره القيادات القديمة تجاوزا للائحة الداخلية للجماعة.

وقالت إن اعتراض مكتب الإرشاد القديم على المكتب الجديد ظل داخل الغرف المغلقة، حتى الأسبوع الماضي، عندما ظهر الخلاف للعلن عبر مقالات لقيادات في الجماعة نشرتها نوافذ إلكترونية محسوبة عليها.

وأوضحت المصادر أنه، خلال الأسبوع الجاري، وجهت القيادات القديمة التي خرجت من تشكيل مكتب الإرشاد، دعوة لأعضاء المكتب الجديد من المتواجدين في مصر لحضور اجتماع، إلا أن المكتب الجديد رفض الدعوة، واعتبر الأمر دعوة "ليست ذات صفة".

وتابعت بأن القيادات القديمة اجتمعت برئاسة محمود عزت، وأكدت أنها تمثل مكتب الإرشاد "الشرعي" للجماعة، وأن المكتب الجديد جاء بانتخابات مطعون فيها نهاية العام الماضي، ولا يمثل الجماعة، وهو الأمر الذي رفضه المكتب الجديد برئاسة محمد كمال.

وأشارت المصادر إلى أن الجماعة الآن يقودها مكتبان للإرشاد، أحدهما قديم برئاسة عزت، وآخر برئاسة كمال.

وأرجعت القبض على طه وهدان، الأربعاء، غرب القاهرة، إلى حركته السريعة والمتكررة خلال الأسبوع الماضي، لرأب الصدع بين المكتبين.

وتابعت أن أعضاء المكتب القديم، برئاسة عزت، شكلوا لجنة تحقيق مع المكتب الجديد، متهمين إياه بالتلاعب في الانتخابات الداخلية.

المصادر توقعت أن يتم التوصل لصيغة تفاهم بين المكتب الجديد، والمكتب القديم، مشيرة إلى أن عدد من أعضاء مجلس الشورى (لم يسمهم) قدموا طلبا بإقامة انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد، في أسرع وقت للفصل في هذا الخلاف، وهو الطرح الذي ذهب إليه مكتب الإرشاد الجديد، قبل أن يعلن المكتب القديم أنه القائد الشرعي للجماعة، دون أن يوضح موقفه من طرح إجراء انتخابات جديدة.

الخلاف بين المكتبين انعكس على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق عدد من شباب الجماعة هاشتاغ بعنوان "مش هنرجع لورا"، في إشارة إلى دعمهم للقيادة الجديدة للجماعة، في الوقت الذي دشن فيه آخرون هاشتاغ بعنوان "قوتنا في وحدتنا"، للم شمل المكتبين، مشيرين إلى أن ما يتم حاليا لا يصب إلا في صالح السلطة الحالية.

في الوقت الذي قال أحمد عقيل، وهو قيادي بارز من الشباب: "لست مضطرا أن أختار بين خيارين سيئين، ولست مضطرا أن أستبدل بفاشل فاشلا آخر، نحن في حاجة إلى طليعة جديدة تبني المستقبل وتتخذ مسار الثورة الراشدة في إطار مؤسسي وبشفافية ومحاسبة ومسؤولية".

يذكر أن الجماعة شهدت على مدار العام أكبر موجة محاكمات لقيادات وأفراد من الجماعة، طالت المرشد العام، محمد بديع، قبل أن تصدر أحكاما أولية على المئات منهم بالإعدام والسجن فترات متفاوتة، وصل بعضها إلى المؤبد (25 عاما). وهو ما اعتبرته الجماعة إقحاما للقضاء في "خصومة سياسية"، بينما تراه السلطات المصرية تنفيذا للعدالة.
التعليقات (0)