مقالات مختارة

أضعف الإيمان (حكمة علي وشعرة معاوية)

داود الشريان
1300x600
1300x600
ردَّد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مقولة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، مَنْ ليس معي فهو ضدي، ولكن على طريقته. وهو قال في خطاب متلفز لمناسبة يوم الجريح: «إذا استنهضنا الهمم، وكنّا على قدر المسؤولية فسنحطّم عظامهم. وكل من يثبط أو يتكلم غير هذا الكلام، هو غبي وأعمى وخائن. شيعة السفارة الأمريكية خَوَنة وعملاء وأغبياء، ولن يستطيع أحد أن يُغيِّر قناعاتنا، ولن نسكُت بعد اليوم ولن نداري أحداً. هي معركة وجود، وكذلك معركة عرض ومعركة دين، ولا دين لنا مع هؤلاء التكفيريين».

خطاب نصرالله الأخير تجاوز في وضوحه وحدّته كل خطاباته السابقة، معتبراً أن حزبه يواجه «خطراً وجودياً شبيهاً بمرحلة الـ1982». ولوّح بإعلان التعبئة العامة، وتحدّث عن «مرحلة جديدة لا مكان فيها للإحباط بيننا، وهي مرحلة سنستخدم فيها كل قوتنا وكل إمكاناتنا لمواجهة التكفيريين». وقال:
«سنقاتل في كل مكان، بلا وجل ولا مستحى من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة، ومَنْ لا يعجبه خيارنا فليفعل ما يراه مناسباً له». وحدد لحزبه خيارات: «أن نقاتل أكثر من السنوات الأربع الماضية. أن نستسلم للذبح والنساء والبنات للسبي. أن نهيم على وجوهنا في بلدان العالم ذليلين من نكبة إلى نكبة». وأضاف: «في هذه المعركة، لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل». وأشار إلى نهاية «الخلاف السعودي والقطري والتركي، والكل الآن في المعركة ضدنا»، لكنه لم يفسِّر صيغة الجمع هنا!

خطاب حسن نصرالله كان إعلاناً صريحاً عن أسباب تأسيس حزبه التي ظل لسنوات يخلع عليها صفات الوطنية والمقاومة. الصراعات الدينية والمذهبية التي تشعلها التنظيمات الإرهابية لم تنجح حتى الآن في جرّ دول المنطقة إلى تبنّي حرب دينية. لكن الأمين العام أعلن عنها صريحة، وقال: «من يَثبُت في صفّين يكون قد وصل»، وهذه العبارة الموغلة في المذهبية حتى الهوس، لا مجال لمعاودة تفسيرها، كما حاول إعلام حزبه. الأمين العام لـ «حزب الله» كرّس دور «داعش» الإرهابي. صار نقيضه المذهبي رسمياً. ما أخطر هذا الخطاب على مستقبلنا. أشهدُ أنه خطاب مخيف وموحش. كلنا يعرف أن نصرالله يقود حزباً سقفه الولي الفقيه، ولكن لم نتوقع أن يصل إلى هذه المرحلة من التطرُّف.

لا شك في أن حسن نصرالله كان في خطابه المذهبي يؤدي دور الناطق الرسمي باسم السياسة الإيرانية في المنطقة. طهران ماضية في جرّنا إلى حروب مذهبية مفجعة، و «حزب الله» أداتُها، وعلينا لجم هذا الدور المدمر.

الأكيد أن وحدتنا كعرب ومسلمين تكمُن في مواجهة هذه الحرب التي أعلن عنها حسن نصرالله. لا بد من أن نستخدم حكمة علي بن أبي طالب، وشعرة معاوية بن أبي سفيان، لتجاوز خلافهما الذي ورّطنا لقرون. خلاصُنا يبدأ من استبدال صفّين بصف واحد، ونسيان التاريخ، والنظر إلى المستقبل.



(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)
التعليقات (0)