كتاب عربي 21

الإيمان والإصلاح

محمد عمارة
1300x600
1300x600
في المنهاج الإسلامي لابد من الارتباط العضوي بين "الإيمان الديني" وبين "الإصلاح الإجتماعي.. "فالإسلام عقيدة وشريعة، ولإقامة كامل الإسلام لابد من وطن ومجتمع وجماعة واجتماع.. ولذلك قيل: الإسلام دين الجماعة .. أي لا يمكن قيامه كاملا بعيدا عن الوطن والإجتماع.

وفي القصص القرآني نجد ذلك منهاجا ملحوظا دائما وأبدا .. وعلى سبيل المثال: كان سيدنا شعيب - عليه السلام - يدعو قومه إلى إصلاح العقيدة - بالتوحيد - وترسيخها بالعبادات - لتتجلى هذه العقيدة وهذه العبادات في صلاح وإصلاح الاقتصاد والاجتماع والقيم والأخلاق.. بينما كان المشركون من قومه يستنكرون الربط بين هذا الإيمان وبين التغيير الذي يريده شعيب لما يمارسونه من حرية اقتصادية منفلتة من ضوابط العدالة الصلاح.

وعن هذه القضية تحدث القصص القرآني فقال: "وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وأني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين" (هود 84 – 86).

فنقطة البداية في الإصلاح الشامل هي الإيمان الذي يعيد صياغة الإنسان، ليمتد الإصلاح بعد ذلك إلى الفروع والسياسات والإجتماعيات والإقتصاديات والعلاقات.

وعلى الضد من هذا المنهاج - في الصلاح والإصلاح - كان موقف الكافرين من أهل مدين - قوم شعيب - فلقد استنكروا وجود علاقة - "عضوية .. وجدلية" - بين الإيمان والصلاة وبين ما كانوا يمارسون في فروع حياتهم ومعاملاتهم الاقتصادية والاجتماعية من مظالم جعلوها ثمرات للحرية الفردية المطلقة في هذه الميادين .. "قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد أباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد". (هود 87).

لكن شعيبا - عليه السلام - عاد ليؤكد لهم أن دعوته هي الطريق الحق للصلاح والإصلاح الذي يربط بين إصلاح العقيدة وإصلاح الإجتماع ، "قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" (هود 88).

وفي سورة المزمل - المكية  - رسم القرآن الكريم لخاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - منهاج الرياضات والمجاهدات الروحية التي تحقق صلاح الإنسان، والتي تفجر فيه الطاقات والإمكانات التي تجعل هذا الإنسان - وهو الجرم الصغير - العالم الأكبر، القادر على حمل المهام الثقال في مختلف ميادين الإصلاح .. فبهذه الرياضات والمجاهدات، التي تعيد صياغة الإنسان صياغة إسلامية، يكون هذا الإنسان - الذي خلق ضعيفا - هو الأشد وطأة والأقوم قيلا .. فهو منهاج لا يستهدف تربية "راهب" مخاصم للدنيا .. وإنما يستهدف تربية "راهب الليل" الذي يكون "فارس النهار"! .. "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا، إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا" (المزمل 1 - 6).

وعلى امتداد المرحلة المكية - ثلاثة عشر عاما، أي أكثر من نصف عمر الرسالة - كانت الصناعة الثقيلة التي أقامها رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - هي إعادة صياغة الإنسان، بإقامة الأصول، وتجسيدها في القلة المؤمنة.. وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم - مدرسة النبوة والمؤسسة التربوية الأولى في تاريخ الإسلام - كانت صياغة القلوب والعقول بخُلق القرآن وقيم الإسلام .. فلما تكون الجيل القرآني الفريد، وتبلورت الجماعة والأمة المؤمنة التي صنعها الرسول  - صلى الله عليه وسلم - على عينه، جاءت - بعد الهجرة - مرحلة النشر والإنتشار للإصلاح في ميادين الفروع .. جاءت الدولة .. والسياسة .. والجيوش .. والفتوحات .. والنظم والمؤسسات .. والقوانين .. والعلاقات الدولية .. إلى آخر ميادين فروع الإصلاح .. لقد تقدمت - في المنهاج الإسلامي - "الدعوة" على "الدولة"، و"الأمة" على "السلطة" و"التربية" على "السياسة"، وتقدم "تغيير النفس" على "تغيير الواقع"، ولذلك كان الإصلاح منطقيا وحقيقيا وراسخا.
التعليقات (1)
سعود
الثلاثاء، 12-05-2015 07:35 م
اطال الله في عمرك مدافعا منافحا عن الاسلام