قضايا وآراء

ما أحوج الأمة إلى سياسة سعودية واضحة

حسن الخليفة عثمان
1300x600
1300x600
عاصفة الحزم ليست معركة، وإنما هي حرب، قد تخسر فيها جولة أو معركة، لكن من اليقين المؤكد أن من أخذ قرار حرب عاصفة الحزم ربح نفسه قبل أن يربح الحرب، وإن خسر جولة أو معركة فيها، وربح أمته قبل أن يربح مملكته، وإن جفا على بعض من فيها، فاللهَ اللهَ في أمة لم يعد بوسع الموحّدة المنتسبة إليها أن تنعم بحياتها إذا كان اسمها عائشة في العراق، أو غطت تنورتها قدمها في فرنسا، أو رفعت أصابعها الأربعة في مصر.

لكل حرب أهداف تندلع لتحقيقها في معاركها التي قد تتعدد، والنصر في الحرب أو المعركة مرتبط بقدر ما يتحقق من الأهداف المعلنة لهما، سواء على البعد الاستراتيجي أو التكتيكي، والحروب والمعارك الفاشلة هي التي تندلع بلا أهداف ولا رؤية، التي غالبا ما تحركها النزوات وغريزة العدوان الكامنة في طبائع النفوس. 

وكم حفل تاريخ العرب بمثل هذه المعارك التي تندلع لأتفه الأسباب، وتسيل فيها دماء وتزهق أرواح، والشعر الجاهلي بمعلقاته وقصائده ثري بهذه الأخبار من الحروب والنزاعات القبلية والعصبية، التي جاء الإسلام ليمحوها ويمحو آثارها من محن وإحن، ولا يُبقي في الكون من حروب أو قتال إلا أشرفه وأعلاه نُبلا وقدرا، وهي الحرب التي تحفظ بقاء الإنسان ونسله، وهو القتال الذي يرد الظالم عن ظلمه وينتصر للمظلوم، ويأخذ الحق للضعيف من القوي، حتى يعم السلام وينعم الناس بقدر من الأمن والأمان الذي يتيح لهم أداء رسالتهم التي جاءوا إلى هذه الدنيا من أجلها، ويكفل لهم الحرية التي تمكنهم من اختيار ما قرروه لأنفسهم من خيارات لمعاشهم ومعادهم.

وأشرف المعارك وأعلاها نُبلا وقدرا هي تلك المعارك التي يتحسر المرء على فوات شرف المشاركة فيها، والاستشهاد على أرضها، أو رفع الراية في ساحتها، وهي التي لا بغي فيها ولا إثم ولا عدوان، وهي تلك التي حث عليها الله عز وجل عباده في الدفاع عن أنفسهم ومقدراتهم في محكم التنزيل من قوله عز وجل: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة190).

والحروب ليست نُزهة، ومن يدخل الحرب وعينه على إنهائها غالبا ما يخسرها، وتكون مغارمه أكثر من مغانمه، ولا ينتصر في الحرب إلا من خرج إليها وفي أمنيته ألا يرجع إلا بإحدى الحسنيين، وتكون الآخرة أحب إليه من الأولى، أي تكون الشهادة أحب إليه من النصر، تلك هي سنة الله التي لا تتبدل في الصنف الذي يختاره أهلا للنصر في المعارك والحروب.

يُؤثر عن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، أنه ممن يكرهون الظلم والبغي والولوغ في دماء الأبرياء، وقد أعلن أن قرار عاصفة الحزم سببه الحفاظ على الشرعية في اليمن، والاستجابة لنداء شعبه ورئيسه، وهو سبب قد يكون مقنعا للبعض، وغير مقنع لآخرين كُثر، يرون أن القرار جاء للدفاع عن المملكة السعودية ضد خطر وشيك ومحدق بها.

كذلك لم يكن من ضمن أهداف عاصفة الحزم إبادة فريق من اليمنيين لصالح فريق آخر، أو إشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، وإنما الهدف الحقيقي والجوهري هو رد وردع الفئة الباغية التي غرّها ما تملك من عدد وعدة وعتاد، وقد تعاملت عاصفة الحزم مع هذا الأمر بما تيسّر وتم إنجازه خلال الحملة.

في تقديرنا أن السبب المعلن لعملية عاصفة الحزم  كان من أدوات ضعفها، وليس قوتها، لأسباب لا تخفى على أحد؛ إذ كانت المقارنة فيها بين شرعية عبد ربه منصور هادي، التي لا تصل في شرعيتها وصدقيتها إلى شرعية الرئيس محمد مرسي في مصر، هي أول ما يتبادر إلى الأذهان تلقائيا، ليضرب بمعول الشك في صحة ومصداقية الهدف المعلن، بما يترك من أثر وريب في نفس المناصر للحرب. 

كما أن العدوان الغاشم الذي تقوم به بعض المليشيات المسلحة التي تستهدف الأبرياء وأمن وسلامة المنطقة، وتسعى إلى فرض أجندة مخالفة لإرادة الشعوب، وتفرضها بقوة السلاح الذي تمتلكه، يعد سببا أخلاقيا كافيا لردع هذه الميليشيات، وردها عن عدوانها، وتجريدها من أدوات البغي والإرهاب، دون التطرق إلى قضية الشرعية التي أُرسل أصحابها في مصر إلى غياهب السجون والمعتقلات في أسوأ حملة استئصال سياسي ودموي في تاريخ مصر الحديث.

ما أحوجنا اليوم إلى أن تحدد المملكة السعودية أهدافها وسياستها بوضوح أكثر تفصيلا، وأن يعلم صنّاع القرار المعاونون لخادم الحرمين أن لكل شيء ثمنا لابد أن يُدفع، وأن خادم الحرمين أعلن لحظة توليته زمام الأمور عن الشروع في تنقية الأجواء داخل الأمة على الصعيدين العربي والإسلامي، وهذا يفرض على فريق العمل وبطانة الملك أن ينظروا جيدا إلى عواقب قيادة الدول والشعوب الإسلامية بالبراجماتية البعيدة عن المبادئ وشرف الغاية والوسيلة، والتي لا زالت الأمة ترزح تحت وطأة آثارها ونزيف جراحها التي لم تندمل بعد، بما خلّفته من شقاق وفقدان للثقة بين الشعوب وقادتها، وبين أبناء الأمة والملة الواحدة.

يطيب لنا بعد فوز السيد الرئيس عمر البشير بفترة رئاسية جديدة في السودان، أن نذكّر بما تقدّمنا به من رأي ورؤية في مقالتين سابقتين على هذه المساحة أو المنبر، وهما بعنوان:

 "رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز"  والآخر بعنوان: "هل يفعلها أردوغان وسلمان والبشير وتميم؟"

فما أحوج الأمة اليوم إلى سياسة سعودية واضحة، تجمع شملها، وتطبّب جراحها، وتعيد خير أمة إلى رفيع مكانها.
التعليقات (0)