قضايا وآراء

زعماء يخطبون وشعوب تنصت

فاطمة ياسين
1300x600
1300x600
بعد أيام من اللقاء التلفزيوني الذي نشرته قناة (سي بي إس نيوز) الأمريكية مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي تحدثَ فيه عن انفتاح نظامه على الحوار مع الغرب؛ وأبدى رغبةً عارمة في التعاون مع أميركا والعالم للقضاء على "الإرهاب"...؛ رأينا السيد حسن نصر الله يخاطب جمهوره من وراء شاشته نفسها التي أدمن الاختباء وراءها، ولكن الخطاب كان هذه المرة مخصصاً للحديث عن اليمن، وتحديداً عن جرائم عاصفة الحزم بحق هذه الدولة الشقيقة، أو ربما الصديقة! وكعادته لم ينس التعريج على القيم الإنسانية، وضرورة احترام حياة المدنيين من النساء والأطفال. 

التزم نصر الله، في هذا الخطاب، بخط حزبه المعهود (في سوريا ولبنان)، وبحتمية الحفاظ على الحجر والشجر، حتى أثناء الحروب. ومع أنه لم يُفلح في إقناع اللبنانيين والعالم بنبالة تدخله في اليمن؛ فلا مقامات مقدسة هناك ولا حدوداً مع لبنان يخشى تسلل "الإرهابيين التكفيريين" عبرها، إلا أنه استطاع أن ينصب نفسه حليفاً دائماً للخير في الإقليم.

بعد نصر الله بيوم واحد ظهر علينا وللمرة الأولى المتحدث باسم الحوثيين، ليلقي بخطابه الأول بعد بدء العاصفة، وليشرح أسباب الحرب في البلاد، ونتائجها، ويذكّرنا بوجود تنظيم القاعدة في اليمن، وحلل، وفسر، وشرح، وأسهب في الشرح حتى خرج بنتيجة مفادها ارتباط السعودية بشكل مباشر ومن ورائهم  أمريكا واسرائيل بشكل غير مباشر بدعم الإرهاب، والقاعدة!... وأما عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي انتقل على طريقة لاعبي البيضة والحجر إلى حليف للحوثيين، فلم يأت المتحدث على ذكره، ولم يشكره على دعمه للحوثيين في حربهم ضد الحكومة اليمنية الحالية، تلاءم ذلك مع تصريح لـ علي عبد الله صالح نفسه أنكر فيه انخراطه بالحرب ونفى مساعدته للحوثيين، لكنه لم ينسَ أن يذكِّر بقوتهم وسيطرتهم على معظم أراضي اليمن ومربعاتها الأمنية والعسكرية.. إلا أن تحالفهما بدا جلياً من خلال دعوة صالح لقبول المبادرة الإيرانية التي ترمي إلى حوار جميع الأطراف للوصول إلى حل سلمي يرضي الجميع.

يذكر أن الخطر الحوثي هو أول ما حذر منه علي صالح عندما كان رئيساً لليمن، وواجهته وقتها المظاهرات الحاشدة بكلمة "ارحل" فماطل حينها  لعدة أشهر وهو يتلطى خلف التحذير من القاعدة في جنوب اليمن من جهة، ومن الخطر الحوثي من جهة أخرى، قبل أن يتلقى أمراً مباشراً وحازماً من السعودية يجبره على التخلي عن السلطة ونقلها سلمياً إلى نائبه.

تشكلت عاصفة الحزم خلال أيام، على وجه السرعة، بعد تهديد الحوثيين لعدن، معقل الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، واقترابهم من مضيق باب المندب، وأدى التصريح الأخير لمسؤول أميركي عن خيارات عسكرية لا زالت مطروحة على الطاولة ضد إيران إلى رد جديد من مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، أوجز خلاله خطط إيران في الدفاع عن نفسها، وكرر أفكار النظام الإيراني المعتادة في الدعوة إلى التعبئة ورفع الجهوزية، وذكَّر بقوة إيران الإقليمية والعسكرية، ولكنه هذه المرة قلَّص الخطاب التقليدي القائم على التهديد والوعيد حين قال إن إيران لم ولن تشكّل أبداً تهديداً للمنطقة ودول الجوار!!.

جاءت خطابات مسؤولي المد الإيراني المتلاحقة والمتعاقبة، والمتناقضة أحياناً، في مقابل غياب تصريحات رؤساء وحكام الطرف الآخر خصوصاً زعماء الخليج الذين اكتفوا بالعمل العسكري والقوة الإعلامية الضاربة التي تروج لإنجازاتهم، دون أن يحتاجوا لتصريحات وخطب ولقاءات متلفزة ليعبروا عما يعتزمون القيام به.

أما عبد الفتاح السيسي صاحب الموقف الرمادي من الحرب السورية والانخراط الإيجابي في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، والذي يشاع أنه يحاول نقل مصر من المعسكر الغربي الأميركي إلى المعسكر الشرقي الروسي،  قد شغلته، ولا بد أنها أسعدته، المظاهراتُ المليونية لخلع الحجاب، أو دعمه في مصر، لأنها، أي هذه المظاهرات، نسيت أو تناست مشكلات مصر الملحة؛ كالاعتقال والقمع والفقر.. التي يقف النظام المصري منها موقف المتفرج.. ولكن إعلامه انشغل بها وشغل، رئيسه عن الظهور بخطاب أو لقاء يفسر لنا سياسة بلاده الحقيقية في المنطقة، وإلى أي تيار تنتمي مصر العروبة هذه الأيام.

يبدو، أخيراً، أن الذين خطبوا، قد وفروا الكثير من الكلام على الذين لم تسنح له فرصة للخطاب. 
التعليقات (0)