مقالات مختارة

حذار أيها الليبيون: ها هي حصن طروادة في طريقها إليكم

عبد الله المعازي
1300x600
1300x600
لا ينبغي تصديق "قلق فرنسا الشديد بشأن العنف" وعروضها بمساعدة الليبيين، إذ إنها أشبه بالحصان أيها الطرواديون. أياً كانت، فأنا أخشى الإغريق حتى عندما يأتون محملين بالهدايا.

تكاد تفيض ليبيا بعروض المساعدة، ومن واجب الليبيين أن يمحصوا هذه العروض بعناية فائقة، وتجاهل ورق الهدايا "الجذاب" الذي تأتي مغلفة به.

لا ينبغي تصديق ما صدر عن الفرنسيين مؤخراً من تعبير صارخ "عن القلق الشديد بشأن العنف في ليبيا" ومن عروض بزيادة المساعدة المقدمة لليبيا من أجل وقف"موجة العنف وخاصة في جنوب البلاد"، إذ إن القلق الفرنسي بشأن منطقة فزان الجنوبية في ليبيا مشابه لأشكال أخرى، وأكبر من القلق الفرنسي الذي لا يشاطر الليبيون الفرنسيين بشأنها.

ما يراود الفرنسيين من قلق إزاء تراجع نفوذهم بين حلفائهم التقليديين في شمال أفريقيا وفي منطقة الساحل ليس جديداً، والحقيقة أن مصدر القلق الفرنسي الذي عاد ليطفو على السطح ليس زيادة معدلات العنف داخل ليبيا، وإنما التقارب المتنامي بين الولايات المتحدة ودول منطقة الساحل.

بالنسبة للفرنيسيين، ليس هناك ما يدل على تنامي الوجود الأمريكي في المستعمرات الفرنسية السابقة أكثر من التعاون المتزايد بين الولايات المتحدة والجزائر بشأن قضايا الإقليم، بما في ذلك المسألة الليبية. ولك أن تتأمل في ذلك التزامن والتوافق الحاصل بين تصريحات المسؤولين الجزائريين بشأن "المصالحة في ليبيا" وتصريحات المسؤولين الأمريكان.

إلا أن الوفاق الأمريكي الجزائري يتجاوز الانطلاق من الموقف ذاته في ليبيا.

أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلي الجزائر في شهر نيسان/ أبريل الماضي، بدأت الولايات المتحدة والجزائر محادثات "استراتيجية" بشأن الأمن الإقليمي، وتعهد البلدان بالاستمرار في الجهود المبذولة لمحاربة "الإرهاب الإسلامي" داخل الجزائر وعبر المغرب العربي بأسره.

لا شك أن اختيار الولايات المتحدة الأمريكية للجزائر لكي تكون شريكاً إقليمياً لها في الحرب على "الإرهاب الإسلامي" أمر محير. فهي تتجاهل ادعاءات لأشخاص من مثل البرفسور جيريمي كينان، وهو مرجع عالمي في موضوع الساحل والصحراء يعمل محاضراً في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، الذي كتب عما اعتبره "الورطات الداكنة" لوزارة الداخلية وبعض الجماعات المتطرفة المحلية، وهو ادعاء يبدو أن الضابط السابق في وكالة الأمن الوطني جون شيندلار يتفق معه.

إذن، لماذا تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول في شراكة مع الجزائر رغم التقارير الغربية التي تشير إلى أن الجزائر ليست الشريك الأكثر مصداقية في الحرب المعلنة على "الإرهاب الإسلامي"؟ وهل يحتمل أن تكون الرابطة بين البلدين أدوم من مجرد جبهة تشكلت آنياً بهدف محاربة "الإرهاب الإسلامي"؟

لقد تشكلت القناعة لدى الفرنسيين بأن الموضوع يتعلق بالنفط، فالجزائر جزء من سياسة أوسع هدفها تنويع مصادر الطاقة في سياق التحديات التي تواجهها هذه الموارد. فبحلول عام 2035 سوف يتجاوز الطلب على النفط الكميات المنتجة من المصادر الموجودة حالياً، كما أن الطلب على الغاز سيكون حينها قد ارتفع أيضاً.

تظهر وثائق صادرة عن الحكومة البريطانية حصل عليها مركز متخصص في مراقبة شؤون النفط والغاز باسم "بلاتفورم" إلى أن المملكة المتحدة تلعب دوراً مركزياً في الجهود الهادفة إلى تعزيز علاقات الطاقة بين الغرب والجزائر.

وما تفعله اتفاقية أبريل 2014 للتعاون في مواجهة الإرهاب هو أنها تجمع فعلياً ما بين جانبي الصحراء الثريين نفطياً ضمن ترتيبات أمنية بالغة التعقيد شيد صرحها الأمريكان. ما لبث ذلك أن تطور إلى مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، التي أدمجت في نهاية المطاف في قيادة الجيش الأمريكي الخاصة بأفريقيا. ولذلك فإن الاستراتيجية البريطانية تدخل في الجهد الأشمل الذي تقوده الولايات المتحدة للسيطرة على مصادر النفط والغاز غير المستغلة حتى الآن في المنطقة.

يتجاوز القلق الفرنسي مجرد الحرص على الموقع والمكانة على المستوى الدولي. بالنسبة للفرنسيين، تحف الأخطار بمستقبل موارد الطاقة الخاصة بهم.

من وجهة نظر فرنسية خالصة، يمكن تفهم قلق فرنسا بشأن مستقبل احتياجاتها من الطاقة. إلا أن سعي فرنسا لتأسيس تحالف فرنسي في منطقة الساحل، بما في ذلك إحياء الوجود الفرنسي في فزان، غير مقبول لدى الليبيين.

ومحاولات فرنسا لمواجهة ما تشعر أنه نفوذ أمريكي آخذ في التمدد في شمال أفريقيا والساحل ستقابل بمقاومة في الأغلب، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة، بل ومن قبل الجزائر أيضاً.

في هذه الأثناء يتوجب على الليبيين أن يبقوا أعينهم مفتوحة ويتأملوا في تعقيدات ما هو حادث في المنطقة، والأهم من ذلك يتوجب عليهم تطوير القدرة على رؤية أبعد من مجرد الوقائع السياسية الآنية، وإلا فإنهم سيجازفون بالتحول من حيث لا يقصدون إلى أدوات – وجنود وبارود، في لعبة أكبر منهم بكثير.

إنهم بحاجة لأن يتأملوا في وجه الحصان الحامل للهدايا بإمعان وألا يخجلوا من أن يعيدوه من حيث أتى وتحميله ورقة كتب عليها بحزم وإن كان بأدب: "شكراً لك، ولكن لا، شكراً لك".

لعل الليبيين يجدون نصيحة مفيدة فيما قاله الشاعر اليوناني سوفوكلس:

لا شيء يأتي من الإغريق مهرولاً تجاهي
ولذا أجد المثل القديم صادقاً إذ يقول
هدايا الخصوم ليست هدايا: إنها لا تأتي بخير إطلاقاً

(نقلا عن ميدل إيست آي
التعليقات (0)