قضايا وآراء

المؤتمر...

معاذ محمد صلاح الدين
1300x600
1300x600
أجلت الكتابة عن المؤتمر الاقتصادي لآخر وقت ولا أعرف هل سيرى المقال النور قبل أم بعد المؤتمر..ولكن يظل ما فيه صالحا في كلا الحالتين

(1)

لو أردنا أن نختار عنواناً رئيسياً لتعاملنا مع المؤتمر لن نجد أنسب من كلمة "الأفورة"! وهي تعني المبالغة لأقصى درجة.

ومن الكل!

أنصار النظام يتكلمون عن المؤتمر كأنه مصباح علاء الدين السحري..إعلانات في كل وسائل الإعلام وخبر عن المؤتمر كل ثلاث دقائق وشعار المؤتمر في كل القنوات..وكأنه لو نجح المؤتمر سنجد المستثمرين واقفين بالطوابير..والبلد ستغتني والفلوس "هتبقى زي الرز"

ولذلك كثير منهم مقتنع بفكرة أن الاخوان الحقودين يصنعون تفجيرات هذه الأيام لإفشال المؤتمر-وكأن التفجيرات جديدة وليس من شهور!

والناحية الأخرى يتكلم المعارضين كأن فشل المؤتمر أمر حتمي وسينتهي بفضيحة للسيسي!
لكن ما تم اغفاله من البداية هو ما مقياس النجاح؟ متى نستطيع أن نقول صادقين أن المؤتمر نجح بنسبة 50% أو 70% أو 100% أو حقق أهدافه أو أن المؤتمر فشل؟ مع مراعاة أنه لا وجود لأهداف محددة معلنة. 

هل بعدد الحاضرين؟ بنوعيتهم؟ بعدد المشاريع التي يتم الاتفاق عليها؟ بحجم الأموال التي ستدخل البلد...؟ بماذا تحديداً؟

(2)

لنتكلم عن الحقائق ونبدأ من البداية:

ما هو المؤتمر؟

المؤتمر باختصار ما هو إلا معرض دعائي..حملة إعلانية..مثل المعارض التي تقيمها الشركات العقارية للترويج لمشروعاتها ولكن على مستوى أكبر. أنت عازم رجال أعمال وحكومات دول وتقول لهم "أنا عندي فرص ممكن تشغلوا فلوسكم فيها...تعالوا اتفرجوا..والناس جاية تتفرج وتشوف اللي عندك يعجبها ولا لأ".

وطبعاً هناك من سيأتي مهتماً ومن سيأتي للمشاهدة، وهناك أيضاً من سيأتي بنظام "اتعشى واتمشى"...لا تنس حضرتك "اللي دافع وشايل الليلة".

كم اتفاق سيتم التوقيع عليه في المؤتمر؟

صفر. مهما كان المؤتمر إيجابياً أو سلبياً. ببساطة لأنك أحضرت رجل أعمال لتخبره أن لديك فرصة لتستثمر عندي في مشروع كذا وكذا..مثلاً تعمل مصنع مكرونة في السويس. لا يوجد رجل أعمال سيمضي عقداً قبل أن يراجع كل البيانات ويقوم بدراسة جدوى، ويحسب كم سيتكلف وكم سيكسب ومتى ستعود أمواله ويراجع شروط التعاقد، ويقارن هذه الفرصة بالفرص الأخرى المتاحة أمامه في مصر وغيرها ...وليلة طويلة.

آخر ما يمكن التوصل له في مؤتمر مثل هذا  هو عمل مذكرة تفاهم..شيء مثل خطاب النوايا..غير ملزم لأي من الطرفين.

لذلك تأكد أن أي اتفاق سيتم الإعلان عنه "مثل اتفاق وزارة النقل مع شركة موانئ دبي" هو اتفاق بدأ وانتهى قبل المؤتمر..وفقط تأجلت لحظة الإعلان عنه إلى وقت المؤتمر. لنستطيع أن نقول إن المؤتمر نجح.

(3)

ما عوامل نجاح المؤتمر؟

• السياسة: دول الخليج الغنية الداعمة لنظام السيسي ويهمها استمراره ستشارك كحكومات وستدفع رجال أعمالها للمشاركة وبكثافة.

• التوجه السياسي: مهما كانت نوعية النظام فلا يوجد ما يمنع من إصدار قوانين مشجعة للاستثمار وجلب المزيد من الأموال فالمال يعطي فرصاً أكبر للصالحين وللفاسدين أيضاً...وتحسن الوضع الاقتصادي في صالح الانقلاب وليس ضده

• الحالة الأمنية غير المستقرة: وهذا  كلام جاد و"مش هزار"..هناك مستثمرون يتخصصون في الاستثمار في الأماكن الخطرة مهما كانت درجة خطورتها..لأنها رغم أن مخاطرها أكبر لكن ربحها كذلك. ماذا يعني ذلك؟

الاستثمار تفاوض بين البلد وصاحب رأس المال... وكل طرف يريد النصيب الأكبر في الربح والشروط الأفضل للتعاقد...إلخ. كيف تتخيل أن يكون الوضع عندما تكون أوضاع البلد غير مستقرة و محكومة بنظام يبحث عن مستثمرين بأي ثمن..لأسباب سياسية قبل أن تكون اقتصادية..نظام يريد أن يضيف شرعية على نفسه..ويعلم أنه نظام كلما غضبت منه دولة عايرته علناً أنه انقلاب بلا شرعية..نظام يريد أن يضمن الدعم الدولي..ويعلم أن الدولة التي ستستثمر عنده ستحمي النظام الذي يحمي أموالها..من الآخر أنت دولة نظام "تتنشق" على مستثمرين فالنظام بالتالي مستعد لجلب مستثمرين أن يقدم تنازلات ويعقد صفقات لا يمكن أن تعقد في الأوضاع الطبيعية...وهذه فرصة لا بد أن تجد مستثمراً طامعاً يستغلها..خصوصاً أن الطرفين يعلمان أن هذه العقود مهما كانت ستظل سرية فلا يوجد برلمان يحاسب ولا جهاز رقابي يستطيع أن يطلب الاطلاع فضلاً عن أن يعترض!

(4)

وما عوامل فشل المؤتمر؟

• الحالة الأمنية: باستثناء فئة المستثمرين التي تحدثنا عليها فأغلب المستثمرين يبحثون عن دول أكثر استقراراً – وبالمناسبة عقد المؤتمر في شرم الشيخ بدل العاصمة من وجهة نظري في حد ذاته رسالة سلبية للمستثمرين..أنت لا تستطيع أن تؤمن مؤتمراً في عاصمتك!

• السيسي: هذا رجل يدعو للاستثمار وكلما فتح فمه تكلم عن الإرهاب..والحرب على الإرهاب ومقاومة الإرهاب...الارهاب والاستثمار دونت ميكس يا رجل!

• العقليات المحيطة بالسيسي: بالنظر إلى أسلوب إدارة الدولة في مختلف المجالات، لا يمكن أن تشعر أنك أمام إدارة محترفة..نظرة سريعة على أسلوب الدعاية للمؤتمر لا بد أن يذكرك بأسلوب الدعاية الغبية التي أهدتنا الصفر الشهير في كأس العالم، بينما كنا نظن أننا سنكتسح! دعاية لأنفسنا في الراديو والتلفزيون..لماذا؟ هل لتشجع عم عبده صاحب الكشك أن يستثمر أمواله ويفتح فرعاً آخر للكشك؟؟ وأغنية خاصة بالمؤتمر!! هل شارك فيكم شخص في أي مؤتمر اقتصادي أو سياسي أو علمي أو أي مجال في الدنيا وسمع أغنية! ده مش افتتاح كأس الأمم يا رجالة..هل يعتقد أحدكم فعلاً أنه سيأتي شخص يضع الملايين من ماله عشان صوت هشام عباس عجبه؟؟!

(5)

رأيي الشخصي: 

الدعاية والمعارض بطبيعتها لا تظهر نتائجها إلا بعد فترة، ولكن أعتقد أن الأمر يستثمر أكثر في الدعاية المحلية للنظام عند أنصاره وسيستغل لفترة وسيحسب -مجرد انعقاده-كإنجاز لحكومة السيسي، وسينتهي به الأمر مثل جهاز العلاج بالكفتة والمليون فدان وعربيات الخضار...كلها أمور استخدمت دعائياً وشغلت الناس لفترة وعندما استهلكت ولم تظهر لها نتائج حقيقية، ماتت إعلامياً وتم السكوت عنها في انتظار موضوع آخر.

لا يمكن إغفال أن أغلب المستثمرين الحاضرين والعازمين على عقد صفقات، هم من دعموا ويدعمون الانقلاب فعلاً..وهؤلاء مستمرون في دعمه بقروض أو ودائع أو استثمار بمؤتمر أو بدون. لذلك لا يمكن اعتبار مشاركتهم ذات تأثير فهم موجودن فعلاً. أما باقي المستثمرين فلا أرى أن البيئة الحالية تستطيع جذب استثمارات بالحجم الذي يتم الترويج له ولا قريباً منه. لذلك لا أتوقع تغير الوضع الاقتصادي بشكل يذكر..ولنتذكر هذا الكلام بعد شهور قليلة!
التعليقات (0)