قضايا وآراء

أمريكا بين مهادنة الثورة ومسايرة الانقلاب

نشأت النادي
1300x600
1300x600
دأبت الإمبراطوريات العظمى دوما على إفشال أي تجربة ناشئة قد تهدد مصالحها، وتسعى دائما لمحاربة كل الكيانات الصغرى التي تحاول النهوض نحو قمتها، وهي دائما ما تزكي الصراعات التي تقحم ذويها في متاهات تبعدها عن أهداف النهوض والتقدم نحو قمم تتربع عليها تلك الإمبراطوريات، لتجعل من نفسها دائما المتحكم الأول بتلك الكيانات للاستفادة من مناطق تلك الصراعات.

ولا شك أن أمريكا واحدة من الإمبراطوريات التي نشأت على صراعات الآخرين فمنذ أفول شمس الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في نهاية أربعينيات القرن الماضي وظهور النجم الأمريكي في بداية الخمسينيات إلا ومناطق الصراع تنتشر في شتى بقاع الأرض عموما وفي منطقة العالم المركزية "الشرق الأوسط"، خصوصا برعاية أمريكية. فالحرب الكورية وحرب فيتنام والحرب العراقية الإيرانية وحرب أفغانستان الأولى والثانية  وحرب الخليج الأولى والثانية، كلها حروب كانت أمريكا طرفا مباشر أو غير مباشر فيها والغريب في الأمر أن كل الحروب التي شاركت فيها أمريكا بصورة مباشرة لم تحقق فيها نتائج لصالحها مثل حرب فيتنام وحرب أفغانستان الثانية وحرب الخليج الثانية وفي السودان وجنوبه وفي الصومال وغيرها من الانقلابات في فنزويلا وكوبا وغيرها.

أما الحروب التي أدارتها عن بعد وبطريق غير مباشر فكانت دائما في صالحها فخروج الروس من أفغانستان عام 1988 تم على أيدي المجاهدين الذين جندتهم السعودية وأمريكا والصراع العراقي الإيراني كانت أمريكا طرفا فاعلا فيه، وقد كشف هذا التدخل من خلال فضيحة "ووترجيت" التي تسببت في استقالة أحد رؤسائها وكذلك الصراع الحالي بين أنظمة الحكم المستبدة وشعوبها بعد الربيع العربي أصبح يدار بأصابع أمريكية وبرعاية أمريكية خالصة.

 ورغم أن أمريكا لا يمكنها أن تصنع كل الأحداث في العالم إلا أنها تستطيع أن توظف الأحداث ونتائجها لصالحها وتستطيع أن تستفيد منها لتحقيق أهدافها على المدى البعيد والقريب، فشرارة الربيع العربي هو حدث ما كان لأحد أن يتوقعه بهذه الصورة وبهذا الشكل الذي أقد مضجع الغرب كله حتى أعتى أجهزة المخابرات العالمية، ولا يمكن لأي خبير أو محلل أن يتنبأ بما حدث في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا أو حتى اليمن بهذا الشكل البراجماتي التسلسلي الذي أذهل حتى فاعليه.

أستطيع القول إن أمريكا حولت الصراع الدائر قبل وأثناء وبعد انطلاق ثورات الربيع العربي من صراع بين أنظمة حكم مستبدة متسلطة وبين شعوب تفقد أدنى درجات الحرية والديقراطية والكرامة والعدالة إلى صراع هويات وصراع توازنات. فبعد أن سلمت العراق لحكومة طائفية  شيعية صنعت "داعش" بمباركة خليجية لتحقيق توازن سني شيعي في العراق ليحمي دول الخليج ويحجز عنها المد الشيعي. وبعد أن تمددت "داعش" وأصبحت خطرا على صانعيها  وعلى مصالح أمريكا كونت تحالف دولي لضرب داعش وتحجيم تمددها، رغم أنه كان يمكنها تكوين نفس التحالف ضد نظام بشار الأسد في سوريا بعد ضربات الكيماوي لشعبه، إلا أنها ترى أن نظام داعش أخطر على مصالحها ومصالح حلفائها من نظام بشار، كما أنها كانت تقوم بقصف تنظيم القاعدة باليمن من حين لآخر، إلا أنها تغض الطرف عن الحوثيين الذين اجتاحوا العاصمة ومدن الشمال ويسعون للاستحواذ على باقي اليمن. وفي ليبيا توعز لحلفاء النيتو وغيرهم أو حتى تغض الطرف عنهم لضرب بؤر الثورة من حين لآخر. أما في أوكرانيا في اقصى شمال الأرض فهي على العكس من ذلك لأنها تدعم الدولة ضد الانفصاليين في القرم وشرق أوكرانيا.

وفي بيت القصيد وحجر الزاوية تجد كنانة العرب قد استقر وضعها بعد ثورة بيضاء وهذا وضع خطير عليها وعلى حلفائها فتجد أمريكا نفسها في موقف لا بد فيه من تحرك عند هذا السكون ومن ثم سكون عند ذاك التحرك، فتوعز إلى تحرك شعبي يعقبه بيان عسكري تعقبه فترة انتقالية تقتصر العلاقة فيها على الاتصالات الهاتفية والتنسيق السري. ولا غضاضة في تحمل بعض الإهانة من الجانب المصري في نشر إشاعات وأخبار كاذبة عن تهديد الأسطول السادس أو أسر قائده أو حتى بيع سيناء لهم وقبض المليارات من أوباما وغيرها الكثير من الاختلاقات، ثم يختلف الوضع وتجد أمريكا نفسها محاطة بإجراءات شكلية بعد مشاركة قائد الانقلاب في الدورة السنوية للأمم المتحدة بنيويورك، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات الرسمية، فيتم تسليم طائرات الأباتشي بعد الإعلان عن توقف المساعدات في المرحلة الحرجة وتنتقل المؤسسات لتغير تعاملها وفقا للمرحلة الجديدة.

إن المؤسسات الأمريكية تتعامل مع الأحداث المصرية سواء كانت ثورية أو انقلابية بحرفية عالية بحيث يكون لكل مؤسسة دور في إدارة الصراع السياسي لأهم دولة في العالم العربي، فتجد المؤسسات الصحفية الأمريكية تتعامل من خلال الصحافة الاستقصائية لعمل تقارير واقعية على الأرض وتقيم الوضع الميداني بحرفية، بينما يتعامل أعضاء الكونجرس مع النظام الجديد بأسلوب الضغط مقابل استمرار المساعدات. أما الخارجية الأمريكية فتصريح مع وتصريح ضد بعد تململ الوضع وعدم استقراره.

وبين تململ الوضع وعدم استقراره تجد المؤسسات الأمريكية نفسها تتعامل مع وضع جديد ومتذبذب فتفتح أبوابها أمام ما يسمى بتحالف دعم الشرعية والبرلمان الشرعي وقضاة من أجل مصر، وهي كلها كيانات أنشئت بعد الانقلاب العسكري، حتى إن شعار رابعة رفع في الخارجية الأمريكية من قبل تلك الكيانات.

إن الفريقين المتصارعين في مصر يتهم بعضهما بعضا بالدعم الأمريكي وهذا الاتهام صحيح لكلا الطرفين. فالنظام الحالي أتيحت له كل الفرض الممكنة لاستتباب حكمه وفرض سيطرته لكنه حتى اللحظة لم يتمكن من ذلك، ورافضو الانقلاب العسكري وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين صمدوا أمام عملية استئصال سياسي ممنهجة حتى بات النظام الحالي معرى تماما بعد تسريباته وإدارته الفاشلة للبلاد، لذلك فسيستمر الصراع إلى أن يحسمه طرف أو تكون هناك تسوية مرضيه للطرفين، أما أمريكا فلا تعبأ كثيرا بكل هذه الأحداث طالما لم يتم المساس بمصالحها أو مصالح حلفائها المقربين.

إن إذكاء الصراع الشيعي السني والعلماني السني في المنطقة لا يصب إلا في صالح المستفيدين منه، أما شعوب المنطقة التي تجاهد من أجل هويتها وقيمها فهي الوحيدة التي تتحمل فاتورة هذه الحروب.   
1
التعليقات (1)
رابح
الجمعة، 27-02-2015 01:50 م
هذه هي البراغماتية الامربكية لا صديق دائم و لا عدو دائم الاهم لها مصالحها و فقط من يحققها لها و يسهر عليها فيكون من المقربين و من فكرحتي مجرد التفكير في المساس بتلك المصالح كان من المغضوب عليهم فيتغذون به قبل ان بتعشى بهم يقيني ان و م ا الى مزبلة التاريخ في بضع سننين باذن الله و هذه نهاية حتمية لكل امبراطورية طغت و افسدت

خبر عاجل