قضايا وآراء

النيل... بعيون أهل الهضبة!

محمد رشاد
1300x600
1300x600
إذا كانت مصر هبة النيل فماذا تكون إثيوبيا؟ سؤال طرحه مواطن إثيوبي على صديقيه في جلسة قهوة بمطعم إثيوبي في عاصمة عربية. ربما نقمة النيل؟ أجاب الآخر بابتسامة ساخرة. شدني حديثهم عن قضية النيل فأصبح كلي آذانا صاغية. أتهزأ بنهر يعتبره آباؤنا وأجدادنا مقدسا؟ ألا تدري أن بحيرة طانا التي ينبع منها النيل تؤوي أديرة وكنائس فريدة؟ ألم يعلموك في الصغر أن مياهه مباركة؟ بأي منطق يكون النيل نقمة علينا؟ ولئن عكست مداخلة الشاب الثالث هذا، مكانة النيل العظيمة لدى الإثيوبيين، فإن نهر "أبـّاي" كما يسميه أهل الحبشة، لم يكن يشكل حتى عهد قريب مادة دسمة لتجاذب أطراف الحديث لدى الإثيوبيين.

  بيد أن مشروع سد النهضة وما أحدثه من معضلات إقليمية دفع النيل إلى تصدر المشهد رسميا وشعبيا في البلاد. شرح صاحب نظرية النقمة فكرته بالقول إن مياه أرضنا وأمطار سمائنا تساهمان بـ86% من مياه النيل، أطول نهر على وجه الكرة الأرضية... ماذا استفدنا منه عندما ضربنا الجفاف في ثمانينات القرن الماضي؟ ألم يلقَ مئات الآلاف حتفهم بسبب المجاعة؟ ثم عندما فكرنا في الاستفادة منه، مثل غيرنا، هددونا بعمل عسكري ونجحوا في منع دول ومنظمات دولية عن تمويلنا وتقديم قروض لنا.

عند الحديث عن النيل ومشروع سد النهضة، تختلط مشاعر السخرية بشيء من المرارة لدى الإثيوبيين. فالنهر، الذي تحاك حوله الأساطير، ويتغنى به جيل وراء جيل، ليس سوى عابر يقول عنه الإثيوبيون إنه "مرّ من هنا". فلا حقلا يـَروي ولا رمقا يسدّ. والسبب اتفاقية تعود إلى عهد الاستعمار البريطاني. وارتأى المستعمر حينها أن يكون لمستعمرتيه، مصر والسودان، نصيب الأسد على حساب إثيوبيا. بل إنه منح مصر حق النقض إذا ما فكرت دول أخرى في الاستفادة من مياه النيل. فالإثيوبيون وإن استبشروا باكتمال ما يربو عن الأربعين في المائة من هذا المشروع، إلا أن بعضهم لا يخفي امتعاضه من دفعه مبالغ طائلة لشراء سندات حكومية لتغطية نفقة السد. ودفع إحجام دول ومنظمات دولية عن تقديم القروض لإثيوبيا، دفع أديس أبابا إلى طرح سندات وتشجيع المواطنين على شرائها لتمويل السد. 
 
تتميز إثيوبيا بأراض خصبة وبمياه جوفية وفيرة وأمطار موسمية غزيرة. لكن ذلك كله لم يحل دون وقوع مجاعات وموجات جفاف ظلت تضربها كلما تأخر نزول المطر أو تذبذب. ومن هنا تبدو الحاجة ملحة لتحرك ما، للحيلولة دون وقوع كوارث يمكن تفاديها بالاستثمار في ثروة وطنية متاحة، كالثروة المائية المتمثلة في نهر النيل. تحرك تجسد في إنشاء سد النهضة. لكن تلك الإرادة الرسمية التي تلقى دعما شعبيا واسعا اصطدمت بتخوف مصري مشروع. فلا أحد يتوقع أن تفرط القاهرة في مياه نهر قامت على ضفتيه حضارتها القديمة، ويعيش عليها ما يقارب كل سكانها في العصر الحديث. بيد أن جيرانها الجنوبيين من دول المنبع، وفي مقدمتهم إثيوبيا، كانوا يأملون أن تتفهم مصر أن لا رغبة لهم ولا نية في "تعطيش" أم الدنيا. كان الأجدر أن يكون النيل لدول المنبع والمصب عامل توحيد بدلا من التفريق.

ورغم العلاقة الوطيدة بين مصر في فترة الرئيس الراحل عبد الناصر وإثيوبيا إبان حكم الإمبراطور هيلسيلاسي، فإن البلدين تباعدا في العقود الأخيرة. وأدى ذلك إلى تكوين جيل وساسة يجهلون علاقة البلدين التاريخية. فإثيوبيا، ورغم قربها الجغرافي من الدول العربية واحتكاكها بها تاريخيا وثقافيا، مجهولة نسبيا في هذا الجزء من العالم. قلة فقط تدرك أن إثيوبيا أزاحت مصر من المرتبة الثانية من حيث عدد السكان في أفريقيا بعد أن تجاوز سكانها 95 مليونا. قلة فقط تدرك أن نحو 85% من ذلك العدد تسكن الأرياف وتمتهن الزراعة والرعي وتعتمد بنسبة تقارب الـ100% على مياه الأمطار... ويعني ذلك بكل بساطة أن تأخر الأمطار وشحها سيؤديان لامحالة إلى مجاعة فتاكة لنحو 85% من السكان. قلة فقط تدرك أن الأرياف والقرى في إثيوبيا تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة... فالحطب لا يستخدم للتدفئة والطبخ فحسب، وإنما للإنارة ليلا أيضا. ومن هنا تأتي الحاجة إلى محطة ضخمة لتوليد الكهرباء، وإلى سد يوفر المياه للزراعة عندما تمتنع السماء عن المطر، وإلى نظام ري "شبه" عصري لمحاربة الجفاف... 

يحتاج صناع القرار في مصر وإثيوبيا أن يفهموا أن مياه النيل ستكفي الجميع، وأن الوقت قد حان للجلوس إلى طاولة المفاوضات، مع الاعتراف بحق الآخر في الاستفادة من النيل. حينها فقط يمكن تذليل العقبات والتعاون لحل قضية يبدو الكل فيها صاحب حق من وجهة نظره على الأقل.     
التعليقات (2)
تاج الدين خضير محمد صاحبك في جيبوتي
الجمعة، 18-06-2021 07:24 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله أستاذ محمد رشاد زميلنا القديم أتمنى لك الصحة والعافية وأرجوا أن تتواصل معي على رقم 00251912099641
جمال عبدالقادر
الجمعة، 20-02-2015 02:03 ص
الفراعنة يستخسرون فينا النيل