ملفات وتقارير

لماذا يتواجد السلاح ويغيب الغذاء في مناطق محاصرة بسوريا؟

أطفال في داريا يحملون بعض الطعام من المطبخ الميداني (صورة خاصة لـ"عربي21" - بعدسة علاء عرنوس)
أطفال في داريا يحملون بعض الطعام من المطبخ الميداني (صورة خاصة لـ"عربي21" - بعدسة علاء عرنوس)

لم يستغرب الكثيرون طريقة الرئيس السوري بشار الأسد في الدفاع عن نظامه، بما في ذلك نفي حقائق باتت معروفة وموثقة، مثل البراميل المتفجرة التي تلقيها طائراته على المناطق المدنية والحصار الخانق المفروض على مناطق خارجة عن سيطرته، لا سيما في محيط دمشق.

وفيما حاول الأسد في مقابلته مع "بي بي سي نيوز" الإيحاء بأنه لم يبق مدنيون في المناطق المحاصرة وأن من فيها هم مقاتلون فقط، عاد ليقول إن قواته لا تمنع دخول الغذاء إلى المناطق المحاصرة، مستشهدا على ذلك بإمكانية وصول السلاح إلى المقاتلين، في إشارة إلى تحميل الفصائل المقاتلة ذاتها مسؤولية عدم وصول الغذاء إلى السكان.

لكن لماذا يصل السلاح ولا يصل الغذاء كما يقول الأسد؟ وهل النظام السوري غير مسؤول بالفعل عن هذه المسألة؟

في هذا السياق، يقول الصحفي السوري علاء عرنوس، الذي يقيم في الغوطة الغربية التي تتعرض للحصار والقصف بشكل مستمر، إن النظام السوري "وجيشه لا يستطيعان منع الغذاء ولا حتى تدفق السلاح بأي شكل".
 
ويوضح عرنوس لـ"عربي21" أن "السلاح يتدفق عبر التجارة (..) التي تقودها مافيات وعصابات تقف وراءها تنظيمات ودول في بعض الأحيان. لكن الغذاء لا تزال تجارته تتم عن طريق رجال المال السوريين المحسوبين أغلبهم على النظام".

ويدعم عرنوس رأيه بالحالة اللبنانية، حيث يشير إلى أن "حزب الله والجيش اللبناني لم يستطيعا وقف عمل تجار السلاح والمافيات في البقاع اللبناني رغم أن هذه المناطق تقع حتى سلطة" الحزب.

فعلى خلاف المناطق الحدودية مع تركيا، فإن النظام السوري هو الذي يتحكم بحركة المواد الغذائية في المناطق الأخرى. ويقول عرنوس: إن نظام الأسد "هو من يستورد عبر المطار الدولي أو لبنان أو المرافئ في الساحل" السوري، و"هو من يوزع" أيضا.

ويعبّر عرنوس عن اعتقاده بأن "التجار المحسوبين على النظام مجبرون على الانسياق وراء سياسته الاقتصادية"، مضيفا: "كل ما هو غير السلاح نشتريه من النظام بأسعاره وشروطه وقوانيننه وعملته.. نحن نقبض بالدولار ونصرفه مضاعفاً لدعم الليرة السورية، وهذا هو أحد أعمدة صمود النظام حتى اللحظة" حسب تقدير عرنوس.

وخلاصة ما يراه عرنوس أن مشكلة الغذاء هي في العثور عليه وفي إمكانية شرائه بكميات تكفي للسكان المحاصرين، وليس في إدخاله إلى المناطق المحاصرة فقط.

لكن في الوقت ذاته، فإن عدم تمكن أهالي المناطق المحاصرة من تهريب الطعام إلى مناطقهم لا يعني سوى أنهم لا يستطيعون إدخاله، إن توفر، بالطرق العادية، فهو أمر يحول دونه الحصار والحواجز العسكرية المنتشرة على الطرقات. ولا يُسمح بدخول كميات من المواد الغذائية إلا على فترات متباعدة وعبر منظمات دولية ولكن بكميات صغيرة جدا.

وكان نشطاء قد تحدثوا في فترات سابقة عن توفر سلع ثانوية، مثل السجائر، بكثرة في المناطق المحاصرة، في حين لا يمكن العثور على رغيف خبز أو مواد الإسعاف الضرورية في هذه المناطق. وعزا أحد النشطاء ذلك إلى وجود مافيات وعناصر من النظام أو من داخل تلك المناطق مستفيدة من تجارة هذه المواد التي تدر عليهم أرباحا طائلة، لكن هذه المواد في الوقت ذاته لا تُسهم في دعم "صمود" السكان المحاصرين.

وشكل غياب المواد الغذائية والطبية الأساسية عاملا أساسيا، إلى جانب القصف المستمر، في نزوح غالبية سكان المناطق المحاصرة إلى مناطق تخضع لسيطرة النظام أو إلى خارج سوريا، في حين اضطرت بعض المناطق للقبول بما يسميها النظام السوري "مصالحات" أو "هدن" تتضمن استعادة النظام السيطرة على تلك المناطق بأشكال مختلفة، سواء بالعودة المباشرة أو عبر اشتراط رفع العلم الذي يعتمده النظام السوري والسماح لبعض عناصره بالدخول مقابل تمرير المواد الغذائية. ورغم ذلك، فإن النظام أخل بوعوده في حالات كثيرة، ومنع دخول كميات كافية من الطعام في أوقات لاحقة.

وتنتشر صور وتسجيلات فيديو لأشخاص، أغلبهم من الأطفال وكبار السن، وقد هزلت أجسامهم أو توفوا نتيجة الجوع، سواء كان في الغوطتين الشرقية والغربية أو في أحياء جنوب دمشق. كما عادت بعض الأمراض النادرة للانتشار نتيجة غياب المواد الطبية ومواد التنظيف.

ودرجت التقارير الإعلامية والتحليلات على الإشارة إلى أن الضغط على السكان من خلال منع الغذاء هي طريقة يستخدمها النظام السوري ليس فقط لإخراجهم من مناطقهم، بل أيضا لكي يتحولوا إلى عامل ضغط بدورهم على الفصائل التي تقاتل النظام.

واللافت أن الأسد حاول خلال لقائه مع "بي بي سي" دفع تهمة الحصار عن نظامه بالقول إنه يرسل المواد الغذائية للمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة" فلماذا يمنعها عن المناطق الأخرى. لكن معلقين على "تويتر" اعتبروا هذا التصريح بمثابة اعتراف بأن الأسد يتعاون مع التنظيم، في الوقت الذي يعرقل فيه نظامه وصول مثل هذه المواد إلى المناطق الأخرى، لا سيما القريبة من دمشق، بطرق مختلفة.

ولعل أحد العوامل الذي يُسهم في توفير السلاح هو حصول المقاتلين عليه من خلال السيطرة على مواقع لقوات النظام، لكن ذلك لا يعني وجوده بكميات كافية تماثل ما يحصل عليه النظام السوري بشكل مستمر. وفي كثير من الأحيان اشتكى المقاتلون من نفاد ذخيرتهم خلال المعارك ما اضطرهم للانسحاب في مناطق عدة.
التعليقات (0)