قضايا وآراء

الحرب على تنظيم الدولة.. وماذا بعد؟

يحيى صهيب
1300x600
1300x600
بات صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" وبروزه على الساحة الدولية والإقليمية أهم محركات التفاعلات والتحالفات الدولية، مشكلاً بذلك مرحلة جديدة من عصر التحالفات الدولية التي كان أحدثها وآخرها التحالف الدولي لضرب العراق عام 2003 وكان التبرير مشابها لتبرير اليوم وهو "ضرب الإرهاب". وبعد نجاح التحالف في إسقاط النظام العراقي "الداعم للإرهاب" كما زعموا تغيرت التوازنات الإقليمية في المنطقة فظهرت قوى إقليمية جديدة وأفلت أُخرى.. فهل ستكون نتيجة التحالف الجديد في المنطقة مشابهة لما حدث نتيجة التحالف السابق؟ أم إن هناك نتائج جديدة؟ هل ستتغير التوازنات الإقليمية؟

البداية

في العام 2011 أعلن أبو بكرٍ البغدادي ( زعيم تنظيم الدولة الإسلامية وما يُطلق عليه خليفة المسلمين ) عن قيام دولة العراق والشام الإسلامية وأعلن انشقاقه وخروجه على أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة الأم)  ، نجح التنظيم في العراق بالقيام بعمليات نوعية مثل تحرير قادته من السجون العراقية ولم شملهم والتوجه إلى سوريا ، واستطاع أن يتوسع في سوريا على حساب الفصائل المقاتلة الأخرى من ضمنها جبهة " النصرة " التي كان أبو بكر البغدادي قد أعلن انشقاقه عن أميرها وأميره السابق أيمن الظواهري ، توالت نجاحات التنظيم في سوريا حتى استطاع أن يسيطر على  مدينة الرقة السورية في 14 يناير 2014 .

وفي تطور مفاجئ ومريب استطاع التنظيم أن يسيطر على مدينة الموصل ( ثاني اكبر المدن العراقية ) والتي يتواجد فيها ما يقارب الـ 60 الف عنصر أمن عراقي . و امتدت سيطرته لتشمل نصف العراق الأمر الذي دق ناقوس الخطر عند المجتمع الدولي ، ولكن هذا السبب لم يكن كافياً من وجهة نظر المجتمع الدولي لتشكيل تحالفاً ضخماً للقضاء على التنظيم . 

بعد إعلان قيام " الخلافة الإسلامية " وتنصيب ( أبو بكر البغدادي ) " خليفةً للمسلمين " توسع التنظيم باتجاه شمال الموصل وسيطر على سد الموصل ( أكبر سدود العراق ) فضلاً على سيطرته على قرى تابعة لإقليم كردستان العراق واقترابه من محافظة أربيل ( محافظة إقليم كردستان ) وسيطرته على قضاء سنجار ومخمور وقتل وتهجير أبناء الطائفة الايزيدية في القرى والمدن المتاخمة لحدود كردستان ، كان هذا التوسع إيذاناً حقيقياً بتهديد المصالح الأميركية الحيوية في العراق والمنطقة ككل .

بدء التحشيد الدولي والإقليمي 

بعد التوسع المريب لتنظيم داعش ودحره للقوات العسكرية النظامية والميليشياوية التي وقفت في وجهه ، وكانت الإدارة الأميركية دشّنت تحرّكها ضد "داعش" في عدة محطات، أولاها مجلس الأمن الدولي (أغسطس/آب 2014) الذي استصدرت منه قرارا (2170) تحت البند السابع يشرّع فيه الحرب ضد هذا التنظيم المسلح، من مختلف الجوانب، على خلفية تمدده في العراق وسوريا، وخصوصا استهدافه بالقتل والحصار والتشريد بعض مكونات المجتمع العراقي من مسيحيين وكرد وإيزيديين.  

وثاني المحطات فتمثلت في اجتماع قمة دول الناتو في مقاطعة ويلز في بريطانيا (4-5/9)، بحضور الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالتزامن مع استهداف الطائرات الأميركية مواقع "تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق، والذي أبدى فيه قادة دول حلف الأطلسي استعدادهم لمساعدة العراق إذا ما طلب ذلك. وقد عكس هذا الاهتمام تخوفات الدول الغربية، لاسيما الأوروبية، من مخاطر انتقال موجة الأعمال الإرهابية إليها، ومن انعكاس القلاقل الاجتماعية في سوريا والعراق على أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وتتمثل المحطة الثالثة في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية (القاهرة 7/9) في ظل طلب أميركي قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، ويتضمن الحاجة لاتخاذ دول الجامعة العربية موقفا أقوى في التحالف الذي يهدف للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وضمن ذلك تفعيل خطة عمل لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وتجفيف منابع تمويل التنظيم. 
كما كان لذبح الرهائن الأمريكان لدى التنظيم الأثر في التحرك الجدي والسريع لأميركا في بناء هذا التحالف ، وفعلاً وصل أوباما لمبتغاه وحصل على دعم اكثر من أربعين دولة ، بالإضافة إلى مشاركة خمس دول عربية في توجيه الضربات العسكرية للتنظيم وهذه الدول هي ( الإمارات والسعودية والأردن والبحرين وقطر ) .

تضاربات وتناقضات حول مشاركة إيران في التحالف 

إن الأحداث وضعت إيران مباشرة أمام الحالة العراقية. 

سقوط الموصل يعني أن حلفاءها لم يعد بمقدورهم مواجهة الموقف وحدهم. فهل ستتدخل بشكل مباشر ومعلن؟ تدخلها سيحول تقسيم العراق من أمر واقع إلى حال رسمية، وهذا من ناحية يخدم مصلحتها، لكن تدخلها المباشر سيقلب اللعبة عليها، وسيضاعف من استنزافها، وهو استنزاف لا يزال مستمراً في سورية. الأسوأ أن تقسيم العراق سيعزلها جغرافياً عن سورية. فكيف ستتصرف؟ لا تزال إيران تلتزم الصمت، والتحركات الخفية. الإجابة عن هذا السؤال أحد المؤشرات التي ستحدد وجهة الأحداث في العراق.

كانت الولايات المتحدة قد قالت إنه ليس من المناسب أن تشارك ايران في التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية" نظرا "لتدخلها في سوريا وغيرها من الدول."

وكان مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي قد قال إنه رفض شخصيا طلبات تقدمت بها الولايات المتحدة لإيران للمساعدة في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية." 

وعاد كيري بعد أسبوع ليغير تغييراً جذرياً في تصريحه الأول حيث قال : لإيران دور في الجهد الدولي ضد داعش . 

وبعد تصريح كيري " حول وجود دور لإيران في الجهد ضد داعش " قال الرئيس الإيراني (حسن روحاني) في لقاءٍ له على احدى القنوات الفضائية : أن "مكافحة الإرهاب بحاجة إلى دراسة ومعرفة جذوره"، ووصف روحاني التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بأنه "مضحك نوعا ما لأن هناك دولا تدعم الإرهاب أعضاء في هذا التحالف"  

يبدو أن إيران تعمل بمفردها في العراق في مواجهة داعش لعدة أسباب أهمها أنها لا تريد أن تشارك التحالف الدولي في حال تحقق أي نجاح في العراق وسوريا ، والهدف الثاني أنها تعلم أن التحالف الدولي سيؤثر على وجود النظام السوري الذي تدعمه بقوة وانها قد تضطر إلى التنازل عن دعمها له في حال دخولها في المعركة الحاصلة ، كما أنها ترغب في استخدام ورقة البرنامج النووي الإيراني كورقة ضغط تستخدمها لأجل الدخول في التحالف الدولي ضد داعش وهذا ما صرح به حسن روحاني في وقتٍ سابق وقد انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً عديدة لقاسم سليماني ( رئيس فيلق القدس الإيراني ) تثبت تواجده في العراق بالإضافة إلى مقتل أكثر من ضابط إيراني في العراق وباعتراف وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية.

التحالف الدولي وعلى رأسه أميركا يعلم مدى أهمية الحضور الإيراني في التحالف من عدمه ، فإيران ذات الخبرة الميدانية في العراق لها اذرع ممتدة في العراق وسوريا تستطيع من خلالها القضاء على داعش أو تقويته وبالمقابل فأميركا لا تريد لإيران أن تحقق مكاسب كبيرة في المنطقة لأن ذلك سيؤثر أولا على توازنات القوى في المنطقة وقد تفقدها حلفاءها الخليجيين أيضا . 

كما أن إيران تدرك ما معنى نجاح الحملة ضد داعش .. لأن أي نجاح سيُحقق في العملية ضد داعش سيفضي بالضرورة إلى إكساب السعودية مكانةً أكبر في المنطقة وخصوصاً في العراق وسوريا كونها من المشاركين السياسيين والاقتصاديين والعسكريين في الحملة الدولية . 

والعكس صحيح ، فإن السعودية تدرك أن النجاح اذا ما تحقق في الحملة ضد داعش فإن ذلك سيفضي قوةً على النظام السوري والعراقي المدعومين من قبل إيران .

السعودية ودول الخليج 

إن السعودية واقعة بين فكي كماشة ففي حال نجاح الحملة ضد داعش فإن ذلك سيفضي إلى نتائج أهمها : 

1.تقوية حلفاء إيران السياسيين في العراق وسوريا وهذا ما لا ترغب به الرياض ولا الدول الخليجية الأخرى على المدى القريب والبعيد 

2.ترجيح الكفة العسكرية لصالح الميليشيات العراقية واللبنانية والسورية المدعومة من إيران
وفي هذه الحالة فإن السعودية ستفقد دورها الريادي في المنطقة لصالح إيران ومن ينفذ الأجندة الإيرانية في المنطقة .

وفي حال فشلت الحملة الدولية ضد داعش فسينعكس ذلك سلباً على الخليج من خلال :

1.تمدد داعش على حساب السعودية وقد يصل إلى الداخل السعودي

2.في حال عدم قدرة التنظيم على التمدد إلى الداخل السعودي والخليجي فسيكون التأثير عن طريق وجود دولة متطرفة توازي التطرف الإيراني على الحدود الخليجية عموماً والسعودية بشكلٍ خاص
وفي جميع الأحوال فإن السعودية إلى جانب مجلس التعاون الخليجي سيتحملون فاتورة مالية باهظة الثمن بسبب دعمهم للحملة العسكرية مالياً . 

تركيــــــــــــا 

لم تفلح الجهود الأميركية بدايةً في دفع تركيا للانخراط في التحالف الدولي الواسع الذي يهدف  لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، رغم اللقاء الذي جمع الرئيسين باراك أوباما ورجب طيب أردوغان على هامش قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وردت تركيا على المساعي الأميركية بالتأكيد على أنها لن تشارك في العمليات المسلحة التي تستهدف التنظيم، بينما أظهرت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة للعاصمة التركية أنقرة حجم الاهتمام بدفع تركيا للانخراط في حلف الحرب التي أعادت واشنطن قرع طبولها في المنطقة.

ولكن عادت تركيا لتعطي مرونةً أكثر في هذا الجانب بعد أن تم تحرير دبلوماسييها المختطفين في الموصل . 

ولتركيا حساباتها الخاصة في المشاركة من عدمها: 

1. تركيا متخوفة من تزويد منظمات إرهابية معادية لتركيا بالسلاح مثل " حزب العمال " الكردستاني.
 
2. تركيا متخوفة من عودة الأمريكان إلى المنطقة بقوة ما سيؤثر على مكانتها الريادية التي تسعى إلى بناءها في المنطقة 

3. والنقطة الثالثة المشتركة بين السعودية وتركيا هي تخوفهما من نجاح الحملة وتخوفها من عدمه لأن ذلك سيشكل خطراً عليهما ( سياسياً في حال نجاح الحملة ، وأمنياً في حال فشلها )

الخلاصة 

يمكن تصور السيناريوهات المراد تنفيذها في المنطقة وحصرها بنقطتين:

الأولى: حرب باردة في منطقة الشرق الأوسط بين السعودية وإيران 

الثانية: تنفيذاً متأخراً لنظرية الشرق الأوسط الجديد (طرح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن مشروع الشرق الأوسط الكبير في فبراير/شباط 2004 أي بعد عام تقريباً من احتلال العراق، وبعد سلسلة مبادرات ومواقف كانت الإدارة الأميركية قد طرحتها بعد الهجوم الإرهابي على برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون بواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وذلك بغية التعامل مع مشكلات المنطقة العربية والتحديات المنبثقة عنها. هذا المشروع الذي يؤكد على ضرورة التغيير في المنطقة عوضاً عن استراتيجية الحفاظ على الوضع القائم التي كانت معتمدة سابقاً بعد أن بات هذا التغيير وفق الرؤى الأميركية ضرورة ملحة لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، وبدعوى الحرب على الإرهاب تحاول الإدارة الأميركية بسط السيطرة على النظام الدولي وقراراته).   
0
التعليقات (0)