مقالات مختارة

هل سلحت إسرائيل رواندا خلال الإبادة الجماعية عام 1994؟

ميشال زاك
1300x600
1300x600
كتبت ميشال زاك: بحسب تقديرات مسؤولين في الأمم المتحدة ذبح ما لا يقل عن 800 ألف رجل وامرأة وطفل في رواندا على مدى 100 يوم في عام 1994، في ما أصبحت تعرف بأسرع إبادة جماعية في التاريخ الإنساني. حينها، قامت عدة دول منها ألبانيا وأوغندا بتزويد السلاح إلى ما كان يعرف بالقوات المسلحة الرواندية التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية طوال فترة الإبادة الجماعية، وذلك بالرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع الأسلحة إلى هذا البلد الواقع في أفريقيا الوسطى.

في عام 2004، طالب يائير أورون، المؤرخ الإسرائيلي في الجامعة المفتوحة، بالتحقق في مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى رواندا خلال شهر نيسان/ إبريل من عام 1994. وكان أورون قد قضى ما يزيد على عشرين عاماً في البحث في السلوك الإسرائيلي تجاه الإبادة الجماعية للشعوب الأخرى، وزعم أنه تمكن من الحصول على صور ووثائق تثبت أن تجار سلاح إسرائيليين قاموا بتزويد القوات الرواندية بالرصاص والبنادق والقنابل التي غنمها الإسرائيليون من مصر، أثناء العرب العربية الإسرائيليه في عام 1973. إلا أن إسرائيل نفت صحة هذه المزاعم.

في عام 2014، تقدم أورون ومحامي حقوق الإنسان إيتاي ماك، بطلب إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية بالكشف عن ملفات خاصة بتصدير السلاح إلى رواندا في عام 1994، إلا أن الوزارة رفضت طلبهما بحجة أن الكشف عن هذه المعلومات من شأنه أن "يضر بأمن الدولة الإسرائيلية وبعلاقاتها الخارجية".

في الأسبوع الماضي، قال أورون أمام محكمة ابتدائية في تل أبيب: "إرسال أسلحة إلى بلد تُنفذ فيه إبادة جماعية هو بمثابة إرسال سلاح إلى ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. نحن زودنا صربيا بالسلاح حينما كان الحظر مفروضاً عليها، ونحن زودنا الحكومة الرواندية بالسلاح بينما كانت ترتكب جريمة قتل جماعية".

تمكن ميشال زاك، مندوب "ميدل إيست آي"، من الحديث إلى البروفيسور أورون حول التحقيقات التي ما زال يقوم بها، وموقف السلطات الإسرائيلية مما يقوم به. وفي ما يأتي نص المقابلة:

* متى كانت أول مرة فكرت فيها بأن إسرائيل باعت أسلحة إلى رواندا خلال الإبادة الجماعية التي جرت في عام 1994؟

- سمعت عن ذلك للمرة الأولى من مصور إسرائيلي سافر إلى رواندا ثماني مرات ورأى الأسلحة بأم عينيه. عندما سألته عما إذا كان كبار القادة ضالعين في صفقة الأسلحة أم لا، قال نعم. وعندما قلت له إن هذا يعني إسحق رابين وشمعون بيريز؟ قال لي: "أنت قلتها، ولم أقلها أنا. وإذا نشرت ذلك في أي مكان فسوف أقول إنني لا أعرفك". حينها بدأت أبحث عن مزيد من الأدلة. وفي الالتماس الذي تقدمنا به اعتمدنا على مصادر عدة، وكان من بينها تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر في عام 1995. وهذا التقرير يعطي تفاصيل حول الأسلحة التي شحنت من مطار بن غوريون. وكانت قائمة الصادرات تتكون في مجملها من أسلحة خفيفة كانت إسرائيل قد غنمتها خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، إضافة إلى أسلحة سوفييتية وصينية شحنت من تيرانا بألبانيا. كانت الأسلحة تشحن من إسرائيل ومن ألبانيا تحت إشراف ضباط إسرائيليين. ثم بعد ذلك، وبينما كنت والمحامي ماك نعد الالتماس توصلنا إلى معلومات إضافية أكدت ما كان موجوداً لدينا من شكوك.

* حسب علمك، هل كانت تعلم الحكومة الإسرائيلية بأنها كانت تبيع أسلحة كان من الممكن أن تستخدم في الإبادة الجماعية؟

- كانت الأوضاع في رواندا متوترة منذ كانون الثاني/ يناير 1994، ما دفع عدداً من أقوى الدول في العالم إلى فرض إجراءات دولية لضبط تصدير الأسلحة، ثم في السابع عشر من أيار/ مايو 1994 صدر عن الأمم المتحدة قرار بالحظر. إلا أن إسرائيل انتهكت قرار الحظر، وكذلك فعلت كل من روسيا وبلجيكا وجنوب أفريقيا وفرنسا وإسبانيا، وغيرها. كثير من الطائرات التي نقلت شحنات السلاح كانت بريطانية. كانت آخر رخصة تصدير أسلحة قد صدرت عن وزارة الدفاع الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر 1993، تقريباً قبل عام من بدء المجازر. إلا أن بعض الشحنات جرى نقلها ما بين أيار/ مايو وتموز/ يوليو (أثناء المذابح). وبحسب ما توثقه أوراق وزارة الدفاع الرواندية، فقد وصلت سبع شحنات من الأسلحة الخفيفة من إسرائيل عبر ألبانيا ما بين نيسان/ إبريل وتموز/ يوليو من عام 1994، لتستخدمها المليشيات التي ارتكبت المجازر.

ويجب أن أضيف أن الإسرائيليين كانوا أيضاً أول من أرسلوا مستشفى عسكريا إلى رواندا في تموز/ يوليو 1994. لقد قام الطاقم الطبي بعمل مميز، ولكن في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تقدم هذه المساعدة الإنسانية الرائعة كانت أيضاً مسؤولة عن تزويد قوات حكومة الهوتو بالأسلحة.

* ماذا كنت تظن أنه كان سيحدث لو أنك نشرت على الملأ معلومات تثبت تورط إسرائيل في الإبادة الجماعية؟

- أجرى معي قسم الأخبار في التلفزيون الإسرائيلي مقابلة في عام 2004 في الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية في رواندا. بادر مقدم البرنامج بالتحدث عن الموضوع مستخدماً مصطلح المحرقة (الهولوكوست)، ومن النادر أن يستخدم هذا المصطلح في إسرائيل للكلام عن أي شيء سوى الهولوكوست ذاته. وقال إنه حينما وقعت الإبادة الجماعية في رواندا التزم العالم الصمت. فأضفت أنا أن إسرائيل كانت جزءا من العالم الذي التزم الصمت، بل إن هناك مزاعم بأننا قمنا بتزويد بعض الأسلحة، وأنهيت المقابلة بالقول إنه إذا ثبتت صحة هذه المزاعم فإن ما فعلناه يرقى إلى كونه جرائم إبادة جماعية.

كنت متأكداً من أنني ما إن أصل إلى بيتي بعد مغادرة الأستديو حتى تبدأ المكالمات الهاتفية ورسائل الإيميل تنهمر عليّ، من الشخصيات السياسية ومن غيرها ممن سينتابهم القلق أو الغضب أو ممن سيشككون في صحة ما كشفت عنه. إلا أن الصمت كان سيد الموقف، ولم يصدر رد فعل عن أحد. أواجه مثل هذا الإنكار المرة تلو المرة من قبل أشخاص معروفين بالجد وبالالتزام الأخلاقي، بما في ذلك أكاديميون وسياسيون وأصدقاء يقولون لي: "هذا غير ممكن، لا نصدق أنه جرى بيع للأسلحة". أو يقال لي إنني تجاوزت كل الحدود باتهامي رابين وبيريز.

* ما الذي حفزك على ذلك؟ ما الذي تتمنى تحقيقه؟

- نريد أن نفضح المصادر ذات العلاقة بالمبيعات، لأن بيع الأسلحة أثناء الحظر جريمة ضد الإنسانية. لو أن المحكمة الجنائية الدولية كانت تقوم بعملها لأمكن مقاضاة إسرائيل وفرنسا وغيرهما من الدول. اخترنا التقدم بالتماس إلى المحاكم الإسرائيلية مستخدمين قانون حرية الحصول على المعلومات، والذي يعطي كل مواطن إسرائيلي الحق في الحصول على المعلومات من أي مؤسسة حكومية. محفزنا أخلاقي بحت. مثل هذه الأعمال تعتبر منتهكة للقانون الدولي ومن المهم فضح ذلك الذي جرى. لسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن بإمكاننا وقف بيع الأسلحة بشكل نهائي.

المحامي ماك عازم على زيادة الشفافية والرقابة الشعبية على مبيعات الأسلحة، ومن البداهة أن هذا ليس في صالح التجارة وسيضر مصالح إسرائيل الاقتصادية، ولعل هذا ما يفسر مقاومة الدولة لنا. وهو يقول إننا إذا أردنا منع هذه الشرور في المستقبل فإن علينا أن نفضح ونجابه الفصول السوداء في ماضينا. وهدفه هو ضمان أن القانون الخاص بالرقابة على مبيعات الأسلحة ينفذ ويتم الالتزام به، وهذا القانون يحرم بيع الأسلحة إلى بلدان يفرض عليها حظر التسلح. إضافة إلى ذلك، هو الآن يعمل على المطالبة بتشريع جديد يحرم على إسرائيل بيع الأسلحة إلى البلدان التي تمارس فيها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

* هل لك أن تفصل بعض الشيء في موضوع تورط إسرائيل في صربيا؟

- لقد باعت إسرائيل أسلحة إلى صربيا خلال الحرب الأهلية بين عامي 1991 و1995، بعد أن أعلن فرض الحظر الأممي في عام 1991. وفي عام 1992، وبينما كان ميلوزيفتش يوصف من قبل كثيرين بأنه هتلر أوروبا الجديد، فقد فتحت إسرائيل سفارة لها في صربيا. ثم جرى بعد ذلك تصنيف الأعمال التي قام بها الصرب على أنها إبادة جماعية وتطهير عرقي. وعندما زار رئيس وزراء صربيا إسرائيل في عام 2014 تجنب كلا الزعيمين الصربي والإسرائيلي الإشارة إلى هذا الفصل الأسود من العلاقة بينهما كما لو أنه لم يكن بتاتاً. ونحن بصدد التقدم بالتماس إلى الدولة بخصوص هذه القضية أيضاً. نحتاج إلى معرفة التواريخ والتفاصيل والحصول على الوثائق وأسماء الناس الذين كانوا ضالعين في الموضوع، ونعلم أن بعض كبار المسؤولين كانوا متورطين في ذلك.

* هل تعتقد بأن الكلام حول الموضوع الآن يمكن أن يمنع مزيد من القتل في المستقبل؟

- منذ عام 2012 باعت إسرائيل أسلحة بمليارات الدولارات إلى أذربيجان، وذلك رغم وجود حظر أوروبي وأمريكي على تصدير السلاح إليها. العلاقات بين البلدين وثيقة، وأذربيجان تزود إسرائيل بما يقرب من 40 بالمائة من احتياجاتها النفطية ولديها الرغبة في شراء التقنيات العسكرية من إسرائيل، وإسرائيل تبرر تسليح أذربيجان بأنها مجاورة لإيران، وهناك منطق عسكري في الاحتفاظ بحليف قوي على الحدود مع إيران. ولكن في الوقت نفسه يقول المسؤولون الأذربيجانيون وبشكل علني إن هذه الأسلحة مطلوبة لاحتمال الحاجة إلى استخدامها ضد أرمينيا ضمن الجهود المبذولة لاستعادة "الأراضي المحتلة" التي استولت عليها أرمينيا خلال النزاع المسلح بين البلدين حول إقليم ناغورنو كاراباخ.

يذكر أن الرئيس الأذربيجاني غرد في عام 2014 قائلاً، إن الأرمن شعب من الهمج وإن الأذربيجانيين بحاجة إلى استعادة كافة الأراضي التي فقدوها، وإنهم على استعداد لخوض حرب في سبيل ذلك بما أنهم حصلوا على الأسلحة الضرورية. ولذلك يكمن الخطر الحقيقي في أن هذه الأسلحة يمكن أن تشجع الحكومة الأذربيجانية على خوض صدام مسلح جديد مع أرمينيا. ونتيجة لهذا التحريض فإن أورون وماك يطالبان وزارة الدفاع الإسرائيلية بتجميد رخص التصدير إلى أذربيجان.

* ليس من السهل أن تجر بلدك إلى المحكمة. هل لك أن تفصل في الأسباب التي تحفزكم على القيام بذلك؟

- منذ 25 عاماً وأنا أبحث في سلوك إسرائيل تجاه الإبادة الجماعية التي ترتكب ضد الشعوب الأخرى. وأرى من الأهمية بمكان تدريس الناس نماذج من الإبادة الجماعية الأخرى، وكنت آمل في أن تعترف إسرائيل بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن بالرغم من الضغط الدبلوماسي الذي تمارسه تركيا عليها. مهم بالنسبة لي أن أتحدى الخطاب الأكاديمي والشعبي الذي يصر على تمييز الهولوكوست عن جرائم الإبادة الجماعية الأخرى. ويسوؤني جداً الطريقة التي يستخدم فيها الهولوكوست، ولا أطمئن إلى نوايا من يفعل ذلك. فعلى سبيل المثال، لو عدنا إلى رواندا، فإنه عندما بدأت الإبادة الجماعية في عام 1994 أصدرت حكومة إسرائيل بياناً قالت فيه إن الشعب اليهودي، الذي كان بنفسه ضحية، لا يمكنه أن يظل غير مبال وأن يقف متفرجاً على هذه الجرائم البشعة. والحقيقة أن هذا البيان صدر بعدما كانت شحنة الأسلحة والمعدات العسكرية في طريقها إلى رواندا. أرى أن نضالنا هذا هو رسالة نقوم بها، ويحفزني على ذلك الهولوكوست ذاته، ولكني ملتزم بالبحث عن الحقيقة وبالصدع بها. لا ينبغي علينا إطلاقاً التلاعب بذاكرتنا حول ضحايا الهولوكوست. يصعب علي أن أقول ذلك، ولكني أعتقد أن ما وصفته لك آنفاً هو بمثابة انتهاك لحرمة هذه الذاكرة.

(نقلا عن "ميديل إيست آي"- ترجمة خاصة لـ عربي21)
التعليقات (0)