كتاب عربي 21

سطا على شوقي فسطوت عليه

جعفر عباس
1300x600
1300x600
شكوت مراراً من أن أكثر ما يحز في نفسي، هو أنني فشلت في كتابة الشعر.. قالوا إن على من يريد كتابة الشعر أن يحفظ الشعر، والتهمت آلاف أبيات الشعر - ليس كمن يتناول زيت الخروع، بل بنفس مفتوحة وحب صادق للشعر والشعراء (جاء أعرابي إلى الشاعر بشار بن برد ، وطلب منه نصيحة لكي يصبح شاعراً، لأنه يحب الشعر ولكن لا يجيد كتابته.

فطلب منه الشاعر بشار حفظ  5000 بيت شعر، فذهب الرجل ثم عاد بعد فترة وقال له: لقد حفظت "أبيات الشعر المطلوبة"، فسأله بشار: حفظتهم؟

فقال له : نعم، فرد الشاعر: انس ما حفظت، يعني أن الشعر رزق من  عند الله. وشخصياً لم يمر علي عام دون أن أستشهد ببيت من شعر التيجاني يوسف البشير، تلك الموهبة الشعرية السودانية الفذة التي رحلت عن الدنيا قبل سن الخامسة والعشرين، الذي لو عرف بأمره محبو الشعر في العالم العربي لأقاموا المهرجانات باسمه وطرحوا جائزة للإبداع الشعري تحمل اسمه، ذلك البيت هو ما قاله في وصف الليل، وأتحدى الشعراء السابقين واللاحقين وبكل اللغات أن يكونوا قد أتوا أو أن يكونوا قادرين على الإتيان بمثله:

للَّيلِ عمقٌ وفي الدجى نفقٌ / لو صُبَّ فيه الزمان لابتلعهْ

استوقفتني مؤخراً قصيدة للشاعر المصري المبدع سيد حجاب، صاغها في عهد حسني أفندي مبارك،  وقد رأيت ان تشاركوني متعة قراءتها، أخذاً في الاعتبار أنها مكتوبة بلغة هجين تجمع بين الفصحى والعامية:

سلوا قلبي وقولوا لي الجوابا / لماذا حالنا أضحى هبابا؟!

لقد زاد الفساد وساد فينا / فلم ينفع بوليسٌ أو نيابة

وشاع الجهل حتى إن بعضاً / من العلماء لم يفتح كتابا

وكنا خير خلق الله.. صرنا / في ديل القايمة وف غاية الخيابة

قفلنا الباب..أحبطنا الشبابا / فأدمن أو تطرف أو تغابى

أرى أحلامنا طارت سرابا / أرى جناتنا أضحت خرابا

وصرنا نعبد الدولار حتى / نقول له: إنت ماما وإنت بابا

وملياراتنا هربت سويسرا / ونشحت م الخواجات الديابة

ونُهدي الوطن حباً.. بالأغاني / فتملؤنا أغانينا اغترابا

وسيما (سينما) الهلس تشبعنا عذابا / وتشبعنا جرائدنا اكتئابا

زمان يطحن الناس الغلابة / ويحيا اللص محترماً مهابا

فكن لصاً إذن أو عش حمارا / وكٌل مِشّاً إذن أو كُل كبابا

ودوس ع الناس أو تنداس حتى / تصير لنعل جزمتهم ترابا

أمير الشعر عفواً واعتذارا / لشعركَ فيه أجريت انقلابا

وما نيل المطالبِ بالطيابة / دي مش دنيا يا شوقي بيه دي غابة

يعتذر الأستاذ سيد حجاب لشوقي لكونه قام بتحوير قصيدة أحمد شوقي التي مطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وتابا / لعل على الجمال له عتابا..

ألا تحس بأن الشاعر الموجوع هذا قد يكون من أي بلد عربي، رغم علمك أنه مصري بموجب الشهادات الرسمية؟ لأن ما هو حاصل عندنا هو أنه: دي مش دنيا.. دي غابة.

وكي لا أتهم بسرقة مجهود الآخرين ثم نسبة المقال لشخصي، أقوم بتعديل البيت الأخير في قصيدة حجاب: وما نيل المطالب بالتمني / ولكن بالوزارة والنيابة (أن تصبح نائباً في برلمان، أي من نوائب الزمان، وتبصم دون أن تقول "بِغِم")
التعليقات (0)