مقالات مختارة

مؤتمر موسكو أو اللعب في الوقت المستقطع

عريب الرنتاوي
1300x600
1300x600
تواجه مهمة الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف لجمع الحكومة والمعارضة حول مائدة واحدة في موسكو، تحديات وعراقيل من شتى الأنواع والمصادر، ويبدو أن ثمة فرص نجاح هذا المسعى تبدو ضئيلة للغاية، حتى لا نقول معدومة ... لكن الأطراف المختلفة، المحلية منها والإقليمية، وحتى الدولية، تعوّل على أن تأتي المبادرة لتعطيل “المبادرة الروسية” وإجهاضها من جهات أخرى، طالما أن كثرة من الأطراف، لا ترغب في رؤية مؤتمر موسكو وقد رأى النور.

النظام السوري، يتفاعل على مضض مع المبادرة الروسية، فهو في الأصل، لا يؤمن بوجود معارضة داخلية أو خارجية، معتدلة أو متطرفة، وسوريا بالنسبة له فسطاطين، فسطاط النظام والمقاومة والممانعة، وفسطاط الإرهاب والعثمانية الجديدة والوهابية “القروسطية” ... بين هذين القطبين لا مطرح لأية مروحة أخرى من المواقف والألوان ... لكن النظام لا يستطيع أن يقول (لا) لموسكو، لذا نراه يكتفي بإمطارها بوابل من الأسئلة والتساؤلات والاشتراطات التي ستجعل حركة موسكو مكبلة بأغلال من حديد ... من يعتقل عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واخيراً لؤي حسين، ليس معنياً أبداً بالحديث مع المعارضة، أية معارضة على الإطلاق.

المعارضة بدورها، “معارضات”، مروحة واسعة من فصائلها الأكثر نفوذها في ساحات القتال وميادينه، الممسكة بزمام الأرض والقرى والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، لا تؤمن بالحوار ولا بالمفاوضات، لا تؤمن بموسكو ولا بنظام دمشق، وخيارها الأول والأخير، جهادي بامتياز ... أما المعارضات المنضوية في الأطر السياسية المعروفة للمعارضة السورية، فهي بدورها مشتتة ومنقسمة، ينهش بعضها بعضاَ، ولا تكاد تلتقي على أية قضية تقريباً ... الائتلاف، ومن موقعه كممثل شرعي وحيد، لا يريد أن يرى معارضين من خارجه حول المائدة، وإلا فقد وحدانية وشرعية التمثيل، وهو برغم تآكله وانقساماته وهشاشة العظام التي ولد معها، لا يزال يتصرف بوصفه “نداً” للنظام من جهة ولـ “داعش” من جهة أخرى، مع أن الأمر برمته مثير للسخرية.

فصائل معارضة الداخل، آثرت البقاء أربع سنوات خارج صفوف الكيانات المفبركة في الخارج، حتى عندما كانت الأخيرة في ذروة “عزها” و”صعودها”، وليس ثمة ما يغريها اليوم، للتخلي عن هذا الموقف والالتحاق بركب مجالس إسطنبول، سواء حملت اسم الائتلاف أم المجلس الوطني أو أي اسم آخر ... وثمة طيف واسع من المعارضات والمسميات، التي بالكاد تستطيع أن تحشد حمولة “حافلة” واحدة من الحجم المتوسط وليس الكبير من طراز حافلات لندن الشهيرة، يصعب لها أن تلتقي خلف موقف مشترك (ولا نقول موحد).

إقليمياً، تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء، تركيا تفضل تقديم التسهيلات لـ “داعش” لاختراق الأراضي السورية والعراقية، وحسم معركة “دورها الإقليمي” على تقديم تسهيلات لموسكو لإنجاح مبادرتها ... أنقرة التي تقاوم ضغوط العالم لوقف دعمها لـ “داعش”، وتدفع ثمناً لذلك من صورتها ومكانتها وعلاقاتها الدولية، ليست بوارد تسهيل مهمة موسكو ورؤية وفود المعارضات تلتقي وتتحاور مع وفد النظام الذي لا تكف عن المطالبة بإسقاطه.

السعودية، وبرغم تحفظاتها على السياسة التركية في الإقليم ودعم أنقرة لجماعات الإخوان المسلمين، إلا أنها تلتقي مع تركيا – وحتى مع قطر – في مواقفها المتصلبة حيال النظام السوري، ورغبتها في رؤية الأسد وقد ألقي به في غياهب السجون والمنافي والمجاهيل ...، لا تقيم علاقات مع المعارضات السورية، إلا بالقدر الذي يخدم هذه السياسة، وقد سجل دورها تراجعاً نسبياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، مع تحولات المعارضة الجهادية.

إيران تبدو الأقرب للمبادرة الروسية، خصوصاً بعد أن أخذت سوريا بالتحول إلى عبء مالي واقتصادي وعسكري عليها، تريد الخلاص منه في أقرب فرصة ممكنة، ولكنها تريد خلاصاً يحفظ لها شريان الاتصال والتواصل مع كنزها الاستراتيجي على الضفة الشرقية للمتوسط: حزب الله، لكن ذلك، لا يمنع أن تكون لطهران تحفظات ومحاذير مع الموقف الروسي تديرها من وراء ستار وخلف الكواليس بالطبع.

مصر بخلاف أقرب حليفاتها من دول الخليج، لا تتمسك بموقف متصلب حيال النظام السوري، وثمة معلومات عن قنوات تواصل أمنية بين القاهرة ودمشق، وهي معنية بمحاربة الجهاديين والإخوان أكثر من عنايتها بإسقاط النظام السوري، أو “نشر الديمقراطية” في سوريا ... هذا ليس مطروحاً على جدول أعمال الدبلوماسية المصرية، والملف السوري، يُقرأ من القاهرة من زاوية أمنية بامتياز.

الولايات المتحدة، ومعها بعض “المحافظين الأوروبيين الجدد” بالتحديد في باريس، لا تبدو في الظاهر على خلاف مع موسكو في مسعاها هذا، لكن المؤكد أنها لن تسمح لموسكو بالتقرير في شأن هوية المتحاورين وجدول أعمال وأهداف الحوار ومآلاته ... حتى الآن، لا تحظى المبادرة الروسية بكثير من الاهتمام الأمريكي، والسبب أن واشنطن ليست متأكدة من أن هذه المبادرة ستصل إلى شاطئ الأمان، إذ ربما تتآكل من داخلها، وربما يسقطها حلفاء موسكو قبل خصومها.

حتى الآن، وبرغم الكلفة الباهظة سورياً وإقليميا المترتبة على حرب السنوات الأربع في سوريا، لا يبدو أن المشهد المحلي والإقليمي والدولي، قد نضج بما يكفي لإتمام تسوية سياسية لهذه الحرب العبثية المدمرة ... والأرجح أن شروط هذه التسوية، لن تنضج قبل الربيع القادم، وما قد يأتي به من تطورات، خصوصاً في ملف العلاقات الأمريكية – الإيرانية، وإلى أن يحدث ذلك، فلا بأس من “تقطيع الوقت” أو “اللعب في الوقت الضائع أو المستقطع”



(صحيفة الدستور الأردنية)
التعليقات (0)