قضايا وآراء

تنظيم الدولة بين الماضي والمستقبل.. الامتداد الفكري وعوامل الانتشار

مؤيد الخطيب
1300x600
1300x600
ليست مجرد حالة عابرة أو غمامة صيف كما يعتبرها البعض وإنما ظاهرة واضحة المراحل ودولة بكل ما تعني كلمة الدولة من معنى؛ فالنظام السياسي قائم يدعمه كيان عسكري شرس وموارد اقتصادية ضخمة وعلاقات دولية معقدة ويقوم على منظومة فكرية سريعة الانتشار ، ثم الشعب موجود ؛ صحيح بلا بطاقة أحوال مدنية او رقم وطني ولكنه يعتمد بانتشاره على فكرة يكفيه الإيمان بها حتى لو لم يتفوه بكلمة تأييد او بيعة ، ثم الارض التي تقارب مساحتها مساحة دولة سوريا وتزيد عن مساحة الاردن بقليل.

تنظيم الدولة الاسلامية او ما عرف بداعش ليس طفرة او وليد لحظة او نتاج كبسة زر كما يعتقد البعض فكثيرا ما نسمع من يقول داعش صنيعة النظام السوري او الاستخبارات الامريكية او الايرانية بناءا على تسرع في اطلاق الاحكام وسطحية في مشاهدة الاحداث واعتماد فرضية المؤامرة التي هي شكل ما أشكال الانهزام النفسي والفكري الذي تعيشه الامة.

هذه الدولة مكتملة الاركان لها دوافع نشأة واسباب انتشار وعوامل قوة ، ناهيك عن موروث ثقافي وفكري ممتد الى صدر الاسلام الاول .

الامتداد الفكري : داعش والخوارج  

امتلأت مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي بنصوص شرعية كثيرة تعرض اوجه الشبه بين الخوارج وتنظيم الدولة والتي تدعم فكرة ان أفراد التنظيم هم خوارج العصر، منها ما جاء في صحيح مسلم :- "يخرج قوم من امتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم الى قراءتهم بشئ ولا صلاتكم الى صلاتهم بشئ ولا صيامكم الى صيامهم بشئ يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" .

وما جاء في مسند الامام احمد عن الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل يا محمد فقال ويحك ومن يعدل إذا لم اعدل أنا , وفي زيادة عند الامام أحمد من حديث ابي سعيد سعد بن مالك بن سنان الانصاري: "أقتلوهم هم شر البرية" ، وما جاء في وصف ابن عباس لهم عند مناظرته لهم ، فكثير من الباحثين يسقطون هذه الاحاديث على أفراد تنظيم الدولة اليوم ولا يجدون دليلا على اندثار هذه الفرقة او انقراض فكرها .

أوجه الشبه بين الخوارج وتنظيم الدولة :-

1- التكفير على المعصية أو التهاون في تكفير المسلم: لو سالت افراد التنظيم واحدا واحدا هل تكفرون على المعصية ؟؟ لأجابوك اجابة رجل واحد: لا .. ما عاذ الله وهم بذلك صادقون !! ولكنهم خالفوا أهل السنة في تعريف المعصية فاعتبروا قتالهم كفرا وردة وليس مجرد معصية ، وتعطيل او تاخير تطبيق الحدود كفرا بواحا وليس مجرد معصية والمشاركة في اي عملية سياسية يحكمها طاغوت كفرا بواحا وليس خطأ سياسيا او معصية . اذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في بيان اغتيال قائد شرطة الانبار الدليمي وهو من عشائر السنة عندما بشر البيان باغتيال (المرتد) الدليمي.

يقول أبو مصعب السوري في كتابه ( دعوة المقاومة الإسلامية العالمية) : " فإن الناظر في أحوال المليار وربع المليار من المنسوبين لأمة الإسلام اليوم يجد أن أغلبهم لم يعد لديهم من الدين إلا رسمه بل ربما الا اسمه "

2-تشكيل الكيان العضوي باعتزال جماعة المسلمين وبيعة أمير لهم.

3-ضحالة الحصيلة العلمية والنظر فقط الى ظاهر النصوص ويبنى على ذلك فهم سيئ للمقاصد الشرعية وطرق مشوهة لتطبيق الاحكام كما ظهر ذلك جليا في معاملتهم لنصارى نينوى وتطبيقهم لحكم الجزية وليست طريقة بيعة البغدادي الا مثالا اخرا على هذه الضحالة .

4-التخشن والتزهد وكثرة العبادة ، قال ابن عباس في وصفهم "دخلت عليهم وهم قائلون فاذا هم مسهمة وجوههم من السهر قد اثر السجود في صباحهم كأن ايديهم ثفن الابل عليهم قمص مرخصة".

تنظيم الدولة النشأة وعوامل الانتشار :-

لا يمكن الحديث عن نشأة تنظيم الدولة دون الحديث عن نشأة الخوارج ثم الحديث عن نشأة تنظيم القاعدة وصولا الى الدولة الاسلامية في العراق وليس انتهاءا بالدولة الاسلامية في العراق والشام او ما عرف بداعش , لكن العامل المتكرر والمشترك بين كل تلك المراحل الرغبة بالثأر والشعور بالظلم مما ولد ردة فعل كانت مساوية لحجم التطرف الظالم فشكل ايضا ردة فعل متطرفة .

عوامل ساعدت في اتساع هذا الفكر :-

1-الحرب على أفغانستان

2-الحرب على العراق

3- الحرب في سوريا 

4-تبني الفكر الارجائي لدى الانظمة العربية

 5-غياب مشروع قوي وفعال لاهل السنة يدافع عن هويتهم ويجابه المد الشيعي ، لا شك أن الجماعات السنية المعتدلة وعلى رأسها الاخوان المسلمين تتحمل مسؤولية هذا الفراغ عندما اتجهوا للمشاريع القطرية على حساب المشروع الإقليمي

 6-حالة اليأس والاحباط التي تسللت الى قلوب جماهير اهل السنة بعد فشل الخيارات الديموقراطية بوصول اصحاب المشروع الاسلامي الى السلطة مما ولد حالة كفر بها حتى بين صفوف شباب التيار الاسلامي المعتدل بما فيه الاخوان المسلمين ، نظر لذلك ايمن الظواهري عندما خرج ببيان مصور قال فيه أن صنم العجوة الديموقراطية قد انكسر وفي كلمة مطولة لابي محمد العدناني بعنوان (السلمية دين من ؟؟)

اخطاء منهجية :

1-قتال المسلمين : وهذا يمثل أحد أهم اساسيات المنهجية التي يسير وفقها تنظيم الدولة ( البناء , القتال , التمكين ) جاء في المذكرة الاستراتيجية لعبد الله بن محمد تحت مرحلة القتال ضمن سياسة الردع "ولولا اني لا اريد الاطالة لذكرت لكم بعض اساليب الجيش اليهودي" . فهل أصبح جيش الاحتلا نموذجا عسكريا يحتذى به عند هؤلاء !!

وقال أيضا : "فهؤلاء الجنود (عن أبناء العشائر يتحدث) يخافون من بطش النظام بهم ويكفي ان نبطش بهم نحن حتى يتأكدوا ان الموت الذي يفرون منه ملاقيهم" وهذا ما يفسر حقيقة الإعدامات الجماعية بالعشرات بل بالمئات من أبناء عشائر أهل السنة .

"والتاريخ يشهد بأنه لم توجد حرب راعت مصالح المحيطين بها انما هو التشريد والقتل والاسر والدمار حتى ينتصر طرف على اخر وعندها يمكن التعويض".

يقول الدكتور عبد القادر بن عبد العزيز صاحب كتاب (العمدة في اعداد العدة) في وصفه للطائفة المنصورة : "هذا وإن من أعظم واجبات الطائفة المنصورة في هذا الزمان هو جهاد الحكام المرتدين المبدلين لشرع الله الذين يحكمون المسلمين بالقوانين الوضعبة الكفرية"  بعد أن كفّر الحكام وأفتى بجهادهم أكمل أبو مصعب السوري الفتوى فقال: "أحكام الشريعة الإسلامية تقرر بالإجماع كفر وردة من تعاون مع الكفار (بما فيهم المرتدين) وأعانهم على المسلمين وتوجب قتاله" 

2-اسلوب البيعة وطريقة الخلافة : بعيدا عن المفارقة في موقف البغدادي عندما طالب الناس ببيعته وكان هو أول من عصى أميره ونقض بيعته ؛ هناك متعلقات كثيرة بأحكام البيعة وصفة المبايَع والشروط التي يجب توفرها في الخليفة والمغالطة الكبيرة في تطبيق البيعة العامة والخاصة .

3-احكام الاسرى والجزية وغيرها وهي تصلح أن تكون أعراضا للدلالة على آفة الجهل عند قيادة التنظيم ناهيك عن الأفراد

4- عدم الاكتفاء بالمناطق المتوترة بل خلق فوضى وتوتير مناطق جديدة وفقه لما يسمى عندهم إدارة التوحش التي نظر لها أبو بكر الناجي والتي تقوم على فلسفة تقسيم المناطق المستهدفة على النحو التالي :

مراحل المجموعة الرئيسة :

مرحلة شوكة النكاية والإنهاك .. ثم مرحلة إدارة التوحش ... ثم مرحلة شوكة التمكين 

:مراحل بقية الدول

مرحلة شوكة النكاية والإنهاك ... ثم مرحلة التمكين ، الفتح وشوكة التمكين يأتيان من الخارج

سلوكيات مشبوهة:-

1-قتال رفاق السلاح والفكر: كيف نفهم قتالهم للثوار السوريين بما فيهم الإسلاميين منهم بل وجبهة النصرة رفاقهم في الفكر والسلاح لسنوات طويلة.

2-التوجه الى بغداد لتسوية الصراع السياسي : تحركت أرتالهم باتجاه العاصمة بغداد ثم ما أن حسم الخلاف السياسي حول شخص رئيس الوزراء العبادي لم نلحظ أو نسمع عنهم أي تحرك إلى بغداد 

3- بينما حدود ايران عدوهم الأبرز في مأمن 

4-عدم قصف مواقعهم في الرقة : حتى وزير إعلام النظام السوري عمران الزعبي لم يجب عن هذا التساؤل عندما سأله صحفي في جنيف ثلاث مرات : لماذا لم تقصفوا مواقع داعش في الرقة ؟؟ وكان كل مرة يتهرب من الإجابة بطريقة ملفتة !!

5-كوباني والضغط على تركيا 

تنظيم الدولة دولة مكتملة الاركان بتوجيه فكري وذراع عسكري يقوده ضباط بارزون سابقون في الجيش العراقي ( الحاج بكري , ابو علي الانباري , ابو عبدالرحمن البلوي ) استفاد من فراغ ومظلومية اكسبته جاذبية إضافة إلى سيطرته على موارد اقتصادية هائلة .

الحلول وطرق المعالجة :-

1- التمسك اكثر بالخيارات الدعوية الموافقة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم (سلمية الأدوات) والتأثير الناعم على الشعوب .

2- بناء مشروع اقليمي سني يملأ ما تبقى من فراغ يعتمد السلمية وقت السلم والجهاد وقت الحرب ومكان الحرب .

أ:توسيع التحالف السني والاجتماعي     ب:دعم تيارات سنة مقاتلة في دول الصراع  جـ:تصدير رموز وقيادات للأمة

3-منع اي حالة فوضى جديدة قد يستفيد منها التنظيم .

4- مع الحرص الشديد على عدم الاصطفاف مع جهة على حساب جهة لبلورة ما يشبه كيان جديد قوي و منافس لتلك الكيانات .

5- البحث عن نقطة انطلاق وتمحور للمشروع السني الجديد , فلسطين الاكثر فعالية .

6- تحصين الجبهة الداخلية فكريا .

7- اعتماد مشاريع قطرية فاعلة ومؤثرة تمتلك الجاذبية بالتزامن مع دعم المشروع الاقليمي.
التعليقات (0)